23 ديسمبر، 2024 7:55 ص

“البَطحُ: البَسْطُ.
وبطحه على وجهه يبطحُه بطحاً أَي أَلقاه على وجهه فانبطح”.
والإنبطاح هو الإستلقاء أرضا , ويقال بطحته أي ألقيته أرضا.
وفي بلادنا هناك مدن يستخدم فيها الصبية كلمة “نتباطح” بمعنى نتصارع و وأيهما يمكنه أن يلقي الآخر أرضا.
والتباطح قد يكون بين الأقوياء , أو بينهم وبين الضعفاء الذين لا طاقة لهم على مواجهة صولاتهم وعنفوانهم.
والشعوب المبطوحة هي المَلقية أرضا في حلبات التباطح المعاصر , حيث يريد القوي ما يريد , والجماهير الغفيرة تصفق وتنتشي بالبطح الحضاري الرائع , كما أنها تتصف بالتبعية والإذعانية والخنوع لإرادة فردٍ ما , يحركها وكأنها الدمى أو الأرقام الجامدة.
ومن الملاحظ أن الشعوب المنبطحة توفر أسباب إنبطاحها من داخلها , وتعمل بقوة إنتحارية فائقة لتأكيد دورها في تنمية إرادة الإنبطاح الذاتي , والتدمير الشامل لوجودها الإجتماعي والجغرافي والتأريخي.

وهناك عوامل متنوعة تتفاعل فيما بينها لصناعة الحالة المضادة المتحركة نحو هدف الإنقضاض على الوجود الشعبي والوطني للمجتمع البشري.

ويلعب الظلم دورا كبيرا في هذا السلوك , فكل ضياع يكون مولودا من رحم الظلم , فالظالم يوفر طاقات سلبية عنيفة لصيرورات مدمرة وضارة بالحياة العامة.

كما أن غياب العدل وإستحضار دواعي السلوك الغريزي المتفاقم في فضاءات النفس الأمارة بالسوء , يؤدي إلى ردود أفعال سيئة تتنامى حتى تتحول إلى بركان إنفعالي حارق وهائل الحمم.
ويكون على قائمة العوامل والأسباب التسلط والتمسك بالقهر والكرسي الجائر , وإعدام القيمة الإنسانية وتجاهل الحاجات اليومية , وإغتصاب الحقوق , وغياب القانون , وفقدان القواعد والأصول الدستورية , وإنفراط العقد الإجتماعي الصالح , وعدم وعي المشترك العام , ونسف التأريخ والتصريح بالمظلومية , وغيرها الكثير من العوامل السلبية , التي تؤجج الإنفعالات السيئة وتجلب الأفكار الشريرة البغيضة , وهذا يدفع إلى إستنزاف الطاقات ودفع القدرات الإجتماعية إلى ما دون خط الصفر بكثير.
وينجم عن محصلة التفاعلات , أن ينبطح الشعب أو المجتمع وتدوس على بدنه سنابك خيول الطامعين من المستثمرين في مآسيه.

ذلك أن الشعب قد إنشغل في إحراق ذاته وإضعاف قدراته , وإستسلم لأمر الآخرين أيا كان نوعهم وتطلعاتهم.

وبهذا يكون الشعب المنبطح مسلوب الإرادة والمصير والثروات والقدرات , ويتم تعيين مَن يقوده كما تقاد المخلوقات المعصوبة العيون وتساق إلى حيث يراد لها أن تصل.
والأنكى من ذلك أن الآخر لا يسحل أو يسحب المنبطح , وإنما يبتكر وسائل تكلفه قليلا جدا , ولا تستهلك شيئا من طاقاته.

ومن أول هذه الوسائل أن ينشغل المبطوحون ببعضهم , وأن يتباطحوا ويتناطحوا ويستهلكوا ما عندهم من الطاقات , فيتحولون إلى وجود يستدعي من مفترسهم أن يحميهم من بعضهم.

وبمعنى آخر تتحول الشعوب المنبطحة إلى قطيع مواشي في حلبة تحيطها الذئاب , وكل ماشية تستنجد بذئب ليحميها من رفسات المواشي المنبطحة المترقبة ليوم الجزر الأكيد.
ولا يُعرف لماذا تستلطف الشعوب المنبطحة ويلات الإنبطاح , ولماذا لا تعرف الجلوس أو الوقوف , أما السير والمراوحة أو الركض فذلك لا يخطر على بالها أبدا.
والبعض يرى أن الشعوب المنبطحة تعبر عن نوازع إنتحارية جماعية كامنة , وتستحضر أدوات وأساليب إهانتها وتعذيبها وجلدها الشديد بكل أدوات وهراوات الضرب , التي إبتكرها البشر للنيل من البشر.