23 ديسمبر، 2024 8:40 ص

الشاعر الكبير جودت فخر الدين : يرثي غزالة المعنى

الشاعر الكبير جودت فخر الدين : يرثي غزالة المعنى

ما التقيتُ الشاعر الكبير جودت فخر الدين إلاّ الآن وفي مدينتي البصرة : التقيته شاعرا مشاركا ً في مهرجان المربد الشعري – دورة الشاعر البصري حسين عبد اللطيف – الذي انعقد من مساء السادس من آذار لغاية العاشر منه 2019..التقيته والفضل يعود لرئيسة منتدى أديبات البصرة، الشاعرة والروائية بلقيس خالد وهي تقتحم جلسة الافتتاح المكتظة لتوزع أسئلتها الصحفية كإعلامية في جريدة المهرجان، توزع الأسئلة ثم تعود، بعد دقائق،وبسبب الازدحام بالكاد تصل لتجمع إجابات الذين سألتهم ..ليلتها عرفت ُ منها أن الشاعر الكبير الذي رأيته كثيرا من خلال كتبه وتحديدا منذ (للرؤية وقت ) مجموعته الشعرية الصادرة عن دار الآداب في 1985 هو أحد الذي أجابوا عن أسئلتها..ليلتها قررت بكل الشوق لقياه، في اليوم التالي مبكرا التقيتُ الشاعر الذي أحب قصائده جودت فخر الدين ومعه رفيقة عمره السيدة لطيفة،ما بعد ظهيرة اليوم الأول أعطيته أسئلة مني … وعند العصر سلمني أجوبته.. وتلك الليلة في البيت هيأت ُ هذه الاسئلة، ثم أضفت إليها أسئلة أخرى في اليوم الثالث من المهرجان …
س / مجموعتك الشعرية (حديقة الستين ) استدعت لدي: (حديقة الصخور) للروائي كزنتزاكيس و…كذلك (الحديقة ذات الحدبات) للقاص والروائي دينو بوزاتي ..لكنني في المسافة الفاصلة بين جلستي الظهيرة والمساء، أدخلتني (حديقة الستين) في فضاء لايشبه فضاءي بوزاتي وكزنتزاكيس …!!
ج/ (حديقة الستين ) هي مجموعة من القصائد ،كتبتُها على مدى أربع سنوات تقريبا، ابتداء ً، من بلوغي الستين من العمر، في هذه القصائد تعبير عن خلاصة التجارب التي عشتُها في الأدب والفكر… وغيرهما. وفيها أيضا إشارات إلى تلك الأهداف الغامضة التي أهفو إليها،أو أتبصّر في ظلالها الحائمة .
س/ رحلة الشعر معك، لم تكن من الملاعق الذهب !! أشعرُك نحاتا مثل رودان وشاعرا مثل الفيلسوف نيتشة،كيف استطعت أن تقطف الشمس والقمر وتهديهما لنا ثّم تكتفي بخرقة صوفي وجرة ماء ؟
ج/ نعم،أنا من القائلين بأن القصيدة ينبغي لها أن تكون ذات نظام. وكل قصيدة لها نظامها الخاص. لقد دأبت ُ في كتاباتي الشعرية على محاولة ابتكار ِ نظام ٍ لكل قصيدة ٍ أكتُبها. لقد اجتهدت ُ في استعمالي اللغة، وفي استعمالي الأوزان والصُوَر. ربّما كانت لي اجتهاداتي المميزة. وكل ُّ ذلك في سبيل النظام الذي ينبغي أن تحظى به القصيدة.
س/ الآن والآن تحديدا : مَن المتسبب في افتراس القصيدة الحداثية ؟ رعاية البترو دولار في البلدان ذات الاقتصاد الريعي؟ أم تراجعات الفكر التقدمي ؟
ج/ تواجه الكتابة الشعرية العربية ما لا يُحصى من المصاعب . وفي طليعتها التدهور الثقافي المريع في مختلف المستويات. لا أدري ما السبيل إلى خلخلة الثقافة السائدة، القائمة على قواعد تقليدية متخلفة ، لا أدري ما السبيل إلى ذلك . وهل هي مهمة الفكر الذي هو الآخر في تراجع ٍ وانحسار؟ مهما يكن، تبقى للشعر سُبُلُهُ الغامضة التي تنير لنا آفاق المجهول .
س/ أين الشعراء في لبنان الذي أطلق لنا : جودت فخر الدين، شوقي بزيع، عباس بيضون، حسن عبدالله، محمد علي شمس الدين ؟ هل ثمة امتداد شعري لهذه الكوكبة؟ أو جهوية جديدة ؟
ج/الشعراء اللبنانيون، الذين أُطلق عليهم يوما ما (شعراء الجنوب) يشكلون حالة ً مميّزة في المشهد الشعري العربي،وإن كانت هناك فروقات ٌ كبيرة ٌ بين الواحد منهم والآخر. التسمية التي جمعت بينهم يوماً لا تشكل رابطة (فنية ) لهم. وهذا أمرٌ إيجابي .فالاختلاف بينهم أفضل من التشابه. ولكن على هؤلاء الشعراء ، كغيرهم من الشعراء العرب، أن يواصلوا بحثهم في الشعر عن الآفاق الجديدة والمعرفة المتجددة . أما عن امتداد لهم، فهنالك أصوات واعدة تحتاج إلى مزيد من التبلور.
س/ ما الذي تعنيه لك (حضرموت)؟ هل كان النهار(غائبا)؟ أم (مغيّبا)؟ في حضرموت؟
ج/ لقد ذهبت ُ إلى اليمن أكثر من عشر مرات .وكان لي في إحداها زيارة ٌ إلى (حضر موت). وكان لي أن أحببت ُ هذا البلد كثيرا. وكانت لي مجموعة شعرية بعنوان (أربع قصائد إلى اليمن) أصدرتها وزارة الثقافة اليمنية في العام 2004. وقد ظلت الصُوَرُ التي انطبعت في ذهني من خلال زياراتي إلى اليمن تحضُر في كتاباتي الشعرية والنثرية. إذا ً هي تجربة خاصة لي مع اليمن، كان لها تأثيرها الكبير في وجداني وفي أشعاري . وحضرموت بالذات أعادتْ إليّ عبَقاً من سحْر الماضي. لقد مررتُ فيها بقرىً وأمكنةٍ ما زالت تحمل أسماء مثل : عندل، الدخول، حومل. كما رأيت أشجاراً قيل لنا إنها “السمُرات” التي تحدّث عنها امرؤ القيس في معلّقته. لقد كانت لي رحلةٌ مدهشةٌ إلى حضرموت، دفعتْني إلى كتابة قصيدتي”لم أخاطبْ سوى الليل في حضرموت”.
س/ وأنت تتناول العالم شعريا، يؤكد مارتن هيدغر في (أصل العمل الفني) وكذلك في(إنشاد المنادى ) وهو يشتغل على التجربة الشعرية للشاعر جورجي تراكل، أنه يسعى لتقديم كشوفاته عن جوهر الأشياء من خلال تفعيل اتصالية بين الجمال الفني وبين الحقيقة، ألا ترى أن التفلسف في هذا الصدد أشبه بتشريح جسد غزالة سقطت للتو كطريدة أو أشبه بانتزاع أوراق الوردة لمعرفة أسرار عطرها؟ كقارىء أرى أن الفلاسفة يزجون أنفسهم في المكان الخطأ؟!
ج/ لا بدّ في الشعر من الفلسفة. أو بالأحرى، في كلِّ شعر نزعةٌ فلسفية، أي نزعةٌ إلى تأويل العالم وأشيائه. وهذا الأمر في نظري هو جزءٌ من طبيعة الشعر. أمّا إذا تصدّت الفلسفة للشعر على سبيل التنظير أو التحليل، فهذا شأن آخر. في هذه الحالة يمكن للتنظير الفلسفي أن يسيء إلى طبيعة الشعر إذا حمّله من الأعباء والمهمات ما قد يخرج به قليلاً أو كثيراً عن طبيعته تلك. ينبغي لنا أن نميِّز بين الفلسفة في الشعر وبين التنظير الفلسفي للشعر.
س/ إنني كقارىء أريد نزهتي أن تكون فردية ومشروطة بحريتي أنا في تذوقي المتمهل للشعر وللحياة أشعر بأنك منحتني هكذا حرية ..والسؤال كيف استطعت غواية القارىء : هل بسبب قدراتك اللغوية والشعرية ؟ أم نبرتك الخفيضة التي تميَّزتَ بها ؟
ج/ لكل شاعر مميّز لغته الشعرية المتميزة أو الخاصة. والقارئ إذْ يتفاعل مع شاعر معين إنما ينجذب إلى خصوصية ٍ في لغته الشعرية. وبالنسبة إليّ، إذا ما تسنّى لي جذبُ القارئ، فذلك ربما بسبب من لغتي الشعرية التي تقوم على خصوصيات في التركيب والموسيقى والنبرة … وما إلى ذلك.
س/ أقترض منك في محاورة معك وأرتب سؤالا بثلاث شعب : اللغة الشعرية هل هي طريقتك في أن تتنفس هواءً غير مستعمل؟ أم اللغة هي طريقتك في الرؤية الشعرية؟ أم اللغة طريقتك في التفكير؟…
ج/ هي كلّ ما ذكرتَه في سؤالك. “اللغة الشعرية” هي المصطلح الأكثر تعبيراً عن خصوصية التجربة في كتابة الشعر. والقصيدة هي كيانٌ لغويٌّ في المقام الأول. لغة القصيدة هي مصدر الأفكار فيها، والرؤى، والمعاني، … وكلّ ما يتّصلُ بما يسميه الدارسون “المضمون” أو “المحتوى”.
أنتقل إلى أسئلةٍ تتنزه في (حديقة الستين) :
س/ تقول (حصة ُ النساء منيّ قليلة ٌ جدا
ربما لأني سعيت ُ دائما
إلى احتفاظي بنفسي
حصتي من النساء كبيرة ٌ جدا :
زوجتي .. وحدَها )
سؤالي قد يبدو استفزازيا، فاحتمل مشاكستي المعرفية: هل اكتفيت بها لأنها كلك وكائنتيك وصيرورتك الجديدة؟
ج/ يمكننا أن نثبتَ ما جاء في سؤالك. فأنا في هذا المقطع رميتُ إلى الإفصاح عن علاقتي بزوجتي، التي أراها فريدةً على نحْو ما. ومن جهة ثانية، أردتُ الإشارة إلى أن كلَّ علاقة بين حبيبيْن إنما هي مشروعٌ للتكامل. يرغبان في أن يصبحا واحداً، ولكنهما يبقيان اثنيْن. يتحدّان ويستقلان في الوقت نفسه !
س/ في (قصيدة نثرٍ .. ثانية) هناك ثنائية : أقل / أكثر، ومن خلالها أنت مسكون بأنوار المتعدد في الواحد، كما علمنا جيل دولوز.. ؟

ج/ “قصيدة نثر…ثانية” هي القصيدة الأخيرة في مجموعتي التي صدرت قبل سنتيْن بعنوان “حديقة الستين”. وعنوان القصيدة يشير إلى وجود قصيدة نثر أولى في المجموعة. هذه القصيدة عنوانها “قصيدةٌ… أو أجمل”. وهاتان القصيدتان هما الوحيدتان بلا وزن في شعري كله. وهما لا تعبّران عن تغيير في خياري الذي هو الوزن. فأنا كنت ولا أزال أحب الوزن في الشعر وأجد فيه مصدر جمال وغنى له، خصوصأ إذا كانت لدى الشاعر القدرة على التفنن والتنويع والتجديد في استعماله. أقول هذا وأنا ليس عندي أيُّ تعصب للوزن أو ضدّه، بل أنا مع الحرية في الخيارات الشعرية على أنواعها… إزاء الوزن أو غيره من مقومات القصيدة. وأنا خياري هو الوزن في الشعر. وشعري كله موزون باستثناء القصيدتيْن اللتيْن ذكرتُهما، واللتيْن كتبتُهما بمحض المصادفة. أما الثنائية التي أشرتَ إليها في سؤالك، فهي قد وردت أيضاً على نحْو تلقائي، أي دون تدبّر أو تقصّد.
س/ في قصيدة (طيور الشعر) أرى سيرتين بقصيدة واحدة :
*وجيز سيرة الشاعر وأعني بذلك تجربته مع الشعر
*وجيز مرثية المكان والزمان العربيين
هل هي أعمارنا المهدورة والملأى خيبة؟
ج/ نعم. هي أعمارنا المهدورة في زمن عربي مفعم بالخيبة. هذا مما أقوله في قصيدتي “طيور الشعر”، مع إشارات عديدة في القصيدة إلى أن الشعر يبقى لدينا مصدراً من مصادر الأمل، إنْ لم نقُلْ مصدراً وحيداً. الشعر في هذه القصيدة هو الأمل، وطيورُهُ التي تحوم حائرةً في ديارنا (الحائرة) هي التي وحدَها تحاول أن تفتح لنا أبواب الفضاء.

س: من قصيدتك (هكذا سوف أمضي إلى هدفي..) أقترض السؤال التالي: هل الشاعر المتفرد بعزلته جودت فخر الدين : هادف ٌ أم هدف؟
ج/ إنه واحدٌ من الأسئلة الكثيرة التي تطرحها هذه القصيدة، التي توحي في بدايتها وفي عنوانها بأن لي هدفاً أعرفه وأسعى إليه. ثم يظهر في سياق القصيدة أن الحيْرة هي السائدة، وأن هدفي هو أن لا يكون لي هدف ! في سياق القصيدة يتعاظم لديّ الشعور بأني مستهدَف، مستهدَف في كلّ شيء.عندها ينطلق السؤال كأنه صرخة: “ترى أأنا هادفٌ أم هدفْ ؟”.
س/ مجموعتك “حديقة الستين” هل هي سيرة شعرية ؟
سؤالي هذا ينبجس من قصيدتك ( قصيدة ٌ…أو أجمل) ودون أن ننسى القصائد الأخرى، فالأب متألق في قصيدتك (جلسة لأبي) ج/ في “حديقة الستين”، كما في غيرها من مجموعاتي الشعرية السابقة، عملتُ دائماً على تقديم صُوَرٍ من تجاربي الخاصة، أي من سيرتي الذاتية. ولكنها صُوَرٌ تنطوي على علاقات متحركة، أو بالأحرى على علاقات هي في سياق من التطور، بمعنى أنها لا تحتضن الماضي والحاضر إلا لتتجه بهما نحو المستقبل. هكذا مثلاً هي علاقتي بزوجتي، وعلاقتي بأبي، وعلاقتي بقريتي… وكذلك بكل الأمكنة والمراحل التي عرفتُها وصوّرتُها في قصائدي.
س / في قصيدتك (داء ٌ هو المعنى ) تقترب من الهايكو، من خلال شفافية ندى الورد بتوقيت غبش الفجر!! واقترابك بكامل بصمتك الشعرية .. ماهو رأيك ؟ وهذا الأمر أستنشقه أيضا في قصيدتك (نباتات الشرفة).
ج/ أنت هنا في سؤالك ربما تريد الإشارة إلى أسلوبي في التكثيف اللغوي القادر على إطلاق اللمعة الشعرية. وأظنّ ذلك موجوداً في قصائدي وليس مقتصراً على القصيدتيْن اللتين ذكرتَهما… أظنّ ذلك.
س/ في قصيدة (جلسة لأبي) ثمة تماهٍ مع الأب، والتراسل المرآوي بين الوالد والولد لا يتوقف عن استنطاق المكان والزمان.
(لستُ أدري: أأنظرُ،أم هو ينظرُ؟
ماذا نرى؟
هل تغير شيءٌ هنا أو هنالك؟)
(..إلى أين كنت أروحُ وأتركه ُ)
ج/ نعم، هنالك ما يشبه تقمّص الشخصية، شخصية أبي. أنا أتكلّم بلسانه، وهو يتكلّم بلساني. هذا كلّه يظهر في عدة قصائد كتبتُها بعد وفاة أبي، ومنها القصيدة التي عنوانها “جلسة لأبي”. وهذا ناتجٌ عن الأثر البعيد الذي تركه أبي في تكويني العاطفي والثقافي.
س: عتبك على السماء يبدو عميقا عمق السماء!! هل هي نزعةٌ كونفوشيوسية ؟ يقول كونفوشيوس:(أحمد لله أنني لستُ خالق هذا العالم. منظر هذا العالم يقززني) لكن المنتصر في قصيدتك هذه هو أنت . هكذا أخبرني المقطع السابع أو الإحالة التكرارية السابعة من قصيدتك (لم تدعْني السماءُ وشأني). هل أنا أخطأت ؟
ج/ “السماء” في قصيدتي هذه تحتمل الكثير من الدلالات الرمزية،وتالياً تحتمل الكثير من التأويلات. مخاطبتي للسماء تشتمل على الشغف والشعور بالسمُوّ من جهة، وعلى العتاب والسخط والتبرّم من جهة ٍثانية. إنها السماء التي تغريك بالانعتاق من كل شيء، وهي نفسها التي تنغلق دونك، فلا تنكشف ولا تسيل. إن المواجهة مع السماء في هذه القصيدة هي مواجهة مع الحياة والطبيعة بكل تعقيداتهما وتجلياتهما.إنها مواجهةٌ تنزعُ إلى إطلاق السماء من جمودها، تنزع إلى تطويع السماء أو ترويضها. لعلها تصبح أكثرَ تفهُّماً ورحمة.
س/ أنت الخائف ورفيقة قصيدتك هي الأقوى …أعني السيدة الكريمة(لطيفة ) أم هدى، أستوحي هذا من خلال قصيدتك (تلطّف) التي تبدو طوافاً حول تجربة مرّة جداً مررتما بها؟
ج/ نعم.في هذه القصيدة كلامٌ على تجربة مرّة مرّتْ بنا وتخطيْناها. هي حالةٌ مرضيةٌ عانتْ منها زوجتي وخرجت منها بقوة. في أثناء المرض، وبالأخص في بدايته، أي عند ظهور الإصابة به لدى زوجتي، كنتُ خائفاً جداً، وكانت هي أقوى مني.
س/ الفنان التشكيلي العراقي الكبير محمود صبري – طيّب الله ثراه – حاول الاستفادة فنيا من المنجزات العلمية فاجترح (نظرية الكم الواقعية) . الأستاذ الحاصل على درجة ماجستير في الفيزياء : الشاعر جودت فخر الدين ، هل حاول الاستفادة شعرياً من علم الفيزياء؟
ج/ أظنُّ أن دراستي العلمية، التي سبقت حصولي على الدكتوراه في الأدب، كان لها انعكاساتُها الإيجابية في شعري، بل وفي تكوّني الثقافي بوجهٍ عام. لقد جعلتْني أنظر إلى كلّ شيء بدقة، وأحرص على تنظيم أفكاري.من هنا حرْصي على أن يكون للقصيدة نظامها، وكذلك حرْصي على أن تكون القصيدة قادرة على النفاذ والكشْف.
س/ ماذا عن “غزالة المعنى”، وكيف غدتْ لفظا كسيحاً ؟
ج/ “غزالة المعنى” تعبيرٌ ورد في قصيدتي “طيور الشعر”، وتكرّر فيها عدة مرّات. في هذا التعبير تشبيهٌ ضمنيٌّ للمعنى بالغزالة. والمعنى مطارَدٌ في الشعر كما هي الغزالة مطارَدةٌ دائماً. وأنا في قصيدتي تجاوزتُ هذا التشبيه إلى الشكوى من أننا فقدْنا المعنى في كلّ شيء. هكذا في عالمنا العربي كلّه… نعم، نحن في حاجة إلى ابتكار المعاني. ولطالما كان الشعر دربنا الأثير والأجمل إلى المعاني الجديدة والآفاق الجديدة. في قصيدتي “طيور الشعر” أردتُ لغزالة المعنى أن تنطلق من جديد، فلا تغدو لفظاً كسيحاً.
س/ الآن كيف يقضي الشاعر جودت فخر الدين ساعات يومه ؟
ج/ أحاول ألا تكون أيامي متشابهة، وإنْ كان في خلالها بعض الفقرات الثابتة. من ذلك مثلاً جلسةُ منتصف النهار مع بعض الأصدقاء في مقهى أمام البحر (مقهى الروضة في بيروت). ومن ذلك أيضاً بعض ساعات التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت. أما الفقرات الباقية، غير الثابتة، فأحاول أن أختلس في خلالها لحظاتٍ أو ساعاتٍ للقراءة أو الكتابة أو السهر.
*الحوار منشورة في مجلة (الثقافة الجديدة) العدد/ 409/ كانون الثاني 2020