عندما ترى الكبير يتعامل مع الجميع بعدالة، حينها تستشعر ابوته الحقيقية لهم، ولا يمكن وضعه بصف جهة او طائفة او قومية معينة، حتى انك تأمن العيش بجانبه والالتفاف حوله.
هذا ما رسخه سماحة السيد السيستاني في ذهن بابا الكنيسة الكاثوليكية ورئيس دولة الفاتيكان وفي واذهان الجميع اثناء الحديث معه .
ابتدأ سماحته حديثه حول التحديات الكبيرة، التي تواجهها الانسانية في هذا العصر، وعما تعانيه الشعوب في مختلف البلدان، من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري, وكبت الحريات الاساسية, وغياب العدالة الاجتماعية لدى الغالبية العظمى في كل اقطار العالم، وهذا ما يدل على ان سماحته كان مطلعاً عن كل ما يجري في العالم، ولم يكن كما يقال عنه انه معتكف في داره ولا يعلم بما يدور من صراعات شعوبية ودولية.
ثم بدأ يتحدث عن الاقرب فالأقرب، عند تحوله بالحديث عن الاحداث الجارية في المنطقة، ومعاناة شعوبها من الحروب, وأعمال العنف, والحصار الاقتصادي, وعمليات التهجير القسري وغيرها، ثم ركز بصورة خاصة على الشعب الفلسطيني وما تعانيه الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وهي اشارة واضحة ليست للبابا فرنسيس فقط، وانما رسالة للعالم اجمع ان قضيتنا الفلسطينية لن تموت، وما زالت قائمة وراسخة في اذهاننا، ولن نتنازل عنها حتى وان تنازل قادة بعض الدول العربية، الذين باعوا قضيتهم خوفاً على كراسيهم ومناصبهم، وان تطبيع علاقاتهم مع الكيان الاسرائيلي لا تعني لنا شيء.
اكد سماحته على دور الزعامات الدينية والروحية الكبيرة، في الحد من هذه المآسي، وهو في ذلك الزم البابا بما يقع عليه من مسؤوليات وواجبات، وانه يمثل جزء كبير من الامة المسيحية، وسيكون له دور بمقدار حجمه من سكان العالم، وعليه حثّ الأطراف المعنيّة، ولا سيما القوى العظمى، على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، ووقف التوسع في طلب مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب الاخرى، والسماح لهم بالعيش بحرية وكرامة، والتأكيد على تثبيت قيم التآلف والتعايش السلمي, والتضامن الانساني في كل المجتمعات، ورعاية الحقوق, والاحترام المتبادل, بين أتباع مختلف الاديان والاتجاهات الفكرية.
بعد ذلك تحدث عن مظالم الشعب العراقي ومعاناته، مذكراً سماحته بمكانة العراق وتاريخه المجيد ومحامد شعبه الكريم بمختلف انتماءاته، ثم بين دور المرجعية الدينية في حماية المسحيين، والدفاع عنهم، وعن وسائر الذين نالهم الظلم والأذى في حوادث السنين الماضية، ومعاناتهم عندما استولى الارهاب على مساحات شاسعة في عدة محافظات عراقية، حيث مارسوا فيها ابشع الاعمال اجرامية التي يندى لها جبين الانسانية.
لم يتحدث سماحته بنفس طائفي او قومي او مناطقي، بل تحدث بصورة اوسع من ذلك، واضعاً نفسه في مقام الابوة للجميع، وليس في مقام الزعامة المذهبية او الطائفية.
لذلك وصفه البابا بــ “رجل الله العظيم الحكيم” وتحدث عن شعوره بالفخر عند اللقاء به والحديث معه، ووصفه “إنه رجل متواضع وحكيم” وقال ان لقائي معه “كان جيد لروحي” وهذه حقيقة ما استشعره البابا بالراحة النفسية والروحية اثناء اللقاء.
فعلاً كان السيد السيستاني رجلاً عظيما, ومرجعاً حكيماً, واباً روحياً لجميع العراقيين، لا بل لكافة الشعوب التي تعاني من الظلم والاضطهاد من الممارسات التعسفية والحروب التوسعية والطائفية والمذهبية.
ما ذكره سماحة السيد السيستاني لم يجرء احد من قادة وزعماء العالم اجمع الحديث بمثله، بل على العكس كان الجميع يداهن ويجامل امريكا واسرائيل، لما تقوم به ضد شعوب العالم، خوفاً على مصالحهم، حتى اصبحوا اذلاء امام تلك القوى المستبيحة للحقوق والحريات للشعوب، وبهذا احرج العرب المتأسلمين مدعين العروبية والقومية، عندما تحدث بلسان عربي فصيح وبوطنية عراقية خالصة، وهذا يمثل عمق مدرسة النجف بتاريخها وتراثها ودورها المؤثر في ماضي العراق وحاضره ومستقبله.