كتبتُّ هذا المقال سنة 2004 ونزولا عند رغبة الأحباب الأطياب أعيدُ نشرَهُ وهذا هو النص الكامل:
(( ليس الغرض من هذه الكلمات هو إثبات أعلميه السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) لأن أعلميته تزدادُ وضوحا ً كلما تقدمَ بنا الزمن!!!!!
مع أن تقدم الزمن يستلزم العكس بطبيعة الحال..
ولكن هذه القاعدة لا تنطبق على أعلمية السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) لعدة أسباب هي التي جعلتُها موضوعاً لهذا البحث…
إن السيد الشهيد محمد الصدر ( قدس سره) من الشخصيات النادرة بل ومن فلتات الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف وفي سائر البلدان الإسلامية قم و لبنان و سوريا …….. الخ
وبالرغم من أن الحوزة العلمية الشريفة قد أنجبت الفحول والأساطين من العلماء والمجتهدين والمراجع فقد برزت شخصية السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) وأثبتت وجودها وجدارتها وعلو شأنها و مكانتها وسموها دينيا وروحيا وعلميا ….
فنجد أن السيد الشهيد محمد الصدر ( قدس سره ) أبدع في جوانب كثيرة وأصبح الأول فيها بلا منافس و من أهم هذه الجوانب الفقه والأصول واللغة والتفسير والنحو والأدب والشعر والعرفان والأخلاق والفلسفة وعلم الكلام والتأريخ والفلك والاجتماع والقانون والوعي الإسلامي والطبيعيات كالفيزياء والكيمياء والأحياء والطب…..الخ
وهو بحد ذاته يمثل حوزة علمية شاملة مستقلة ودائرة معارف متكاملة ……
وخير دليل يشهد على ذلك هو آثاره الفكرية المتنوعة كموسوعة الإمام المهدي وموسوعة ما وراء الفقه وفقه الأخلاق ومنة المنان والمعجزة في مفهوم الإسلام والقانون الإسلامي صعوباته ومناهجه وغيرها من المؤلفات العظيمة القيمة والتي تتميز بميزات وخصائص من النادر أن نجدها في المؤلفات الأخرى …….
إضافة إلى ذلك ما قام به (قدس سره) من إحياء الحوزة العلمية الشريفة بعد موت طويل لا حاجة إلى ذكر أسبابه!!!
فكان إحياء السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) للحوزة العلمية يمثل تحديا للطاغوت صدام المقبور خصوصاً أنها أحُييت من قبله بعد ظروف عصيبة مرت بها الحوزة بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 التي أفتى السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) بالجهاد ضد الهدام وبعثه الكافر ……
إن فتح أبواب الحوزة أمام المجتمع من أعظم التحديات لطاغوت العصر وأسياده من الثالوث المشؤوم (( أمريكا – بريطانيا – إسرائيل )) وكان هذا العمل بداية الخير وبداية الهداية للناس من جهة ومن جهة أخرى بداية النهاية للكفر والإلحاد والفسق والفساد والانحراف الذي كان الصفة الغالبة لشعب العراق في ذلك الوقت فما كان من هذا السيد الشهيد إلا أن يستجيب لنداء المعصومين الذي كان يمتثل بما يروى عنهم عليهم السلام:
(( إذا ظهر الفساد في الأرض فعلى العالم أن يُظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله ))….
وبطبيعة الحال أن السيد الشهيد محمد الصدر لا يريد هذه اللعنة لا له و لا لكل العلماء فلابد من إظهار العلم فكان أحياءه لهذه المؤسسة الدينية العظيمة بعد الموت والنوم العميق هو أحد المقدمات المهمة لنشر الهداية والحق ومحاربة الفساد والانحراف وفرصة عظيمة ومؤثرة لإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يقول عنها السيد محمد الصدر في كتاب الغيبة الكبرى أنها وسيلة مهمة لحفظ تماسك المجتمع الإسلامي من التفسخ والتميع وإهمالها يكون سبباً لحصول الغزو من قبل أهل الكفر وكذلك يقول السيد محمد الصدر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون نتيجة وعملاً يأتي بعد الفتح الإسلامي أو ما يُسمى بالجهاد الهجومي فالبلدان الكافرة عندما تفتح عن طريق الغزو ( الجهاد الهجومي ) يكون هذا الفتح مقدمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكي يبقى البلد الذي فُتح مسلماً صالحاً ومتماسكاً….
ومن هنا يتضح أن إهمال هذه العبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون سبباً للتفسخ والتميع وبالتالي يكون هذا المجتمع عرضة للاحتلال من قبل الكافر وبالتالي يضطر المجتمع إلى الجهاد الذي يسمى الجهاد الدفاعي الاضطراري وهو بطبيعة الحال لا يحتاج إلى إذن الفقيه…
و نلاحظ أن السيد محمد الصدر أحيا هذه الشعيرة واستطاع أن يهّيأ كل المقدمات الضرورية لها ……. وكذلك من جملة آثاره العظيمة المهمة ما قام به السيد محمد الصدر ( قدس سره ) بنفسه من عملية تربية للأمة وأعداد للقواعد الشعبية المؤمنة المتدينة وما قام به من نشر للوعي الإسلامي الاجتماعي والشواهد كثيرة والقصص لا تُعد في هذا المجال وعلى سبيل المثال ما كشفه أحد رجال الشرطة من إحصاءات لنسبة الجرائم في العراق حيث وصلت إلى 95% الهجومي ثم انخفضت إلى 6 % و كان هذا الانخفاض متزامناً مع تصدي السيد محمد الصدر ( قدس سره ) لتربية الأمة والمجتمع العراقي وانخفاض هذه النسبة هو نتيجة لهذه التربية الرسالية….
أن السيد محمد الصدر عن طريق ولايته العامة استطاع أن يرتفع بالأمة إلى هذا المستوى الرفيع من الإيمان و التقوى…
ونحن لابد أن لا ننسى شيئاً مهماً وهو أن السيد محمد الصدر ( قدس سره) في كل أعماله على مستوى التأليف أو الحوزة أو المجتمع تعرض لهجمة شرسة وشعواء من جهات عديدة منها دينية وأخرى دنيوية في الداخل وفي الخارج ولكنه بالرغم من هذه المحاولات من أجل إفشال مرجعيته الرسالية وإطفاء نور الله وإسكات صوت الحق استطاع الصدر المقدس أن يبرهن لنا عملياً كيف أن النصر من عند الله أي مهما كان عدوك ومهما كانت عدته وعدده فإذا كنت مع الله فان الله هو الناصر المعين.
وكان حقا ما قام به السيد محمد الصدر من أعمال عظيمة تشكل بمجموعها فتحاً مبيناً ونصراً لازال إلى يومنا هذا يحتفظ بوهجه كما نراه اليوم على يد المجاهد السيد مقتدى الصدر الابن البار للشهيد الصدر ( قدس سره)
ويمكن اعتبار إنجازات السيد مقتدى الصدر العظيمة هي عمل من أعمال السيد محمد الصدر التي ذكرنا بعضها مسبقا..
و نكتفي بهذا المقدار من الحديث من أعمال السيد محمد الصدر ( قدس سره ) التي شملت جوانب متعددة وهذا الاكتفاء طبقاً للقاعدة التي تقول ما لا يدرك كله لا يترك كله…
و الآن نفتح باب الحديث عن شيء مهم وإنجاز عظيم من إنجازات محمد الصدر التي تدل على أعلميته في الأصول والفقه وهو ما قام به السيد محمد الصدر ( قدس سره ) من سّد فراغ كبير في الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه الإسلامية..
لا شك أن التطور العلمي وخصوصاً بعد عصر النهضة في أوربا وعصر الثورة الصناعية التي كان من وراءها الاتجاه الحسي في المعرفة بعد أن دخل الحس والتجربة والمختبرات العلمية كمقدمات ضرورية في اكتشاف أسرار الكون وقوانينه ومنذ ذلك العصر نجد أن هذا الاتجاه لم يقتصر على مجال معين بل شمل حقول متعددة من المعرفة بل تعداها إلى الجوانب التي هي بطبيعتها غير مادية…
ومحل الشاهد من هذا الاستعراض أن الخبرة البشرية في الكون والطبيعة ازدادت كماً ونوعاً و بالتالي ازدادت الحوادث والوقائع التي تحتاج إلى معرفة حكمها الشرعي…
ومن خلال هذا التقدم الهائل والازدياد في الوقائع والحوادث كل هذه الأمور أصبحت من العقبات أمام الفقه وبالتالي أصبح هناك ثغرة كبيرة في التشريع الإسلامي لابد من إشباعها وسد فراغها خصوصاً أن الكثير من المستحدثات التي نتجت عن هذا التطور العلمي أصبحت في محل الابتلاء للفرد والمجتمع
ومن هنا أصبح لزاماً على الفقهاء بيان الأحكام الشرعية على الأقل في حدود ما هو مبتلى
وبالرغم من هذه الثغرة التي كانت تشكّل نقطة ضعف في الفقه الإسلامي بصورة عامة وقتئذ فإنه توجد نقطة قوة لدى الفقه الإمامي وهو أن باب الاجتهاد لازال مفتوحاً الأمر الذي جعل من الممكن سد فراغ هذه الثغرة الكبيرة وكذلك معالجة نقطة الضعف هذه وليس معنى الاجتهاد هو الرأي الشخصي في حال عدم توفر دليل شرعي من الكتاب أو السنة!
وكذلك ليس معناه الاجتهاد مقابل النص ( قال الله كذا و أقول كـذا ) إنما المراد بالاجتهاد الاصطلاح الفقهي الذي يعني عملية الاستنباط وهي استنباط الحكم الشرعي والوظيفة العملية تجاه واقعة ما من الكتاب والسنة ولكن عملية الاستنباط لا يمكن أن يقوم بها الفرد الاعتيادي ما لم تحصل له ملكة الاجتهاد ( ملكة الاستنباط ) وهي تستلزم التبحر في الفقه والمعرفة الواسعة للأحكام مع استيعاب جميع المقدمات اللازمة لذلك سواء كانت مقدمات بعيدة كعلم الرجال والحديث والنحو والصرف وفقه اللغة والمنطق…… الخ
أو مقدمات قريبة كعلمي الأصول والفقه…
وعلى الأغلب أنها تستغرق مدة من الزمن تتجاوز عشرات السنين من الدراسة الجادة الجهيدة المعمقة التي لا توجد لها نظير في اعظم جامعات العالم…
أضف إلى ذلك أن عملية الاستنباط ( الاجتهاد ) هي عملية شرعية أمّر بها الإسلام بل أنها أهم مصاديق التفقه في الدين الذي جاء في الآية الكريمة (( ولو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ))….
أن التطور الذي حصل والذي أنتج كماً هائلاً من الحوادث والمسائل التي هي محل الابتلاء فعلاً أو بالقوة شكلّ في حينه تحدياً واضحاً للفقه الإسلامي…….
ولكن استطاع الفقه الإسلامي أن يصمد وأن ينتصر وأن يثبت ربانية الشريعة الإسلامية وكان ذلك على يد المرجع الكبير السيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) و المرجع الكبير السيد محمد الصدر ( قدس سره)….
أما كيف ؟
فنجيب بوضوح:
ان ما قام به السيد محمد باقر الصدر ومن بعده السيد محمد الصدر من تجديد في علم أصول الفقه حيث أن المعلوم أن الصدرين المقدسين هم من عظماء المحققين في علم أصول المذهب الإمامي وبالتالي من عظماء المذاهب الإسلامية الأخرى بطريق أولى ……
لأنهما أستوعبا علم أصول الفقه وطرحوه خطوات متقدمة إلى الأمام فالسيد محمد باقر الصدر طرح علم أصول الفقه بتأسيسه مدرسة في الأصول متقدمة عن ما وصل إليه أصول الفقه خلال أكثر من ثمان قرون والتي كان وريثها المحقق الخوئي (قدس سره)…
وجاء السيد محمد الصدر وكان من حسن التوفيق أن يحضر أبحاث الخارج في علم أصول الفقه لدى أعظم المحققين في عصره وهما المحقق الخوئي والمحقق محمد باقر الصدر ( قدس الله سرهما ) مع أن الفرق بينهما أن أصول محمد باقر الصدر ( قدس سره ) خطوة متقدمة أمام المحقق الخوئي(قدس سره…….
فالسيد محمد الصدر أستوعب هاتين المدرستين العظيمتين في الأصول وأضاف إليها خطوات عظيمة إلى الأمام….
وكلامنا عن التحدي الذي واجه الفقه الإسلامي وبالتالي الشريعة الإسلامية وهي تقف أمام هذا التفجر في حقول المعرفة والازدياد في الحوادث………
ولو لا أن باب الاجتهاد لازال مفتوحاً وبصورة أدق لولا علم أصول الفقه لما تمكن علم الفقه من سد هذه الثغرة الكبيرة……..
و من هنا تأتي أهمية علم أصول الفقه حتى على علم الفقه نفسه، بل أنه لا معنى لعلم الفقه بدون علم أصول الفقه!
أو قل أنه لو كان علم الفقه قد استغنى عن تطوّر علم أصول الفقه أو استغنى عن تحقيقاته العميقة لما أمكنه سد الفراغ والتصدي لهذا التحدي الذي أستغله أعداء الإسلام فترة طويلة استمرت إلى أن جاء السيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) بحيث اوصل علم أصول الفقه إلى ذروة الكمال على حد تعبير السيد كاظم الجابري(دام ظله)…
ولم يكتف السيد محمد باقر الصدر في وضع هذا الأساس النظري المعمق لعلم أصول الفقه بل تجاوزه إلى مرحلة التطبيق وهو يقوم بسد هذا الفراغ الكبير ومعالجة نقطة الضعف التي كانت تواجه الفقه الإسلامي بصورة عامة…
فأهتم السيد محمد باقر الصدر بتأسيس الأنظمة الإسلامية التي ترتكز على الفقه والذي بدوره يرتكز على علم أصول الفقه …….
فقام بتأسيس المذهب الاقتصادي الإسلامي وهذا العمل يعتبر أعجاز وخارق للعادة فكان هو الرجل الأول الذي أستطاع أن يُجسّد و يبلّور المذهب الاقتصادي الإسلامي…
وقال السيد محمد باقر الصدر من الممكن تأسيس أكثر من مذهب اقتصادي إسلامي وكلها تتصف بالشرعية وذلك استنادا إلى الاختلافات الفقهية التي تحصل بين الفقهاء وهذا يعني أن تأسيس المذهب الاقتصادي جاء نتيجة تعميمات وقواعد عامة مستقرئة من فتاوى فقهية التي هي بدورها ارتكزت على أصول الفقه …….
وكان هذا العمل ولازال ثورة فكرية إسلامية وخطوة مهمة لمواجهة ذلك التحدي وسد الفراغ الذي نتج عن التطور العلمي من جهة وعدم تصدي الفقهاء لبيان الأحكام بإزائه من جهة أخرى!
و كلنا يعلم أن عمر السيد محمد باقر الصدر قصير جداً وحجم المسؤوليات التي كان يتصدى لها كبيرة الأمر الذي حال بينه وبين الاستمرار في سد الفراغ ولكنه استطاع أن يضع الأساس النظري لذلك خصوصاً في علم أصول الفقه والذي يدّلُ على هذا القول ما جاء في بنود أطروحة المرجعية الصالحة وهي بيان الأحكام الشرعية في كل ميادين الحياة النظرية والعملية….
وكذلك ما جاء في مقالة له في مجلة الإيمان بعنوان (( الاتجاهات المستقبلية لحركة الاجتهاد )) والتي فسرّ من خلالها سبب انكماش موضوعات الفقه وتقلصها والذي أشرنا إليه في هذا البحث بعنوان«الفراغ الفقهي تجاه الحوادث» ودعا إلى أن يكون الفقه شاملاً لكل الجوانب والأصعدة )) …….
و بعد استشهاده ( قدس سره ) لم نجد صدى إصلاحاته العظيمة ودعوته إلى أستيعاب الفقه لكل جوانب الحياة إلى أن جاء السيد محمد الصدر ( قدس سره ) واستطاع هذا المفكر العظيم والمرجع الأعظم أن يبعث الحياة لكل ما دعا إليه محمد باقر الصدر من إصلاحات ويجعلها فاعلة
فأكمل كل ما كان يصبو إليه السيد محمد باقر الصـدر ( قدس سره) من هموم وأهداف وطموحات….
و لحسن التوفيق أن أول كتاب طُبع للسيد محمد الصدر بعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) هو (( فقه الفضاء )) و هو رسالة عملية فقهية لا يوجد لها نظير في الفقه الإسلامي بصورة عامة والفقه الإمامي بصورة خاصة ولحد هذه اللحظة….
وستظل مدة طويلة من الزمن وهي لوحدها كافية لإثبات أعلميه السيد محمد الصدر ( قدس سره ) في الفقه وفي الأصول ونحن أسميناها عملية لأن السفر إلى الفضاء أصبح من الأمور الممكنة لدى الإنسان وخصوصاً رواد الفضاء مع أن الشريعة الإسلامية لا تختص بفئة دون فئة بل هي تشمل المسلم والكافر وكذلك لو تسنى لأحد المسلمين السفر إلى الفضاء وهو بحكم تبعيته للإسلام يكون ملزماً لممارسة العبادات فكيف وهو لا يجد فتاوى شرعية تحدد له كيفية الصلاة وسائر الأحكام الأخرى ……
ونحن نعلم أن الفقهاء يفتون بنحو الاحتياط الوجوبي بحرمة السفر إلى مكان ما إذا كان فيه سبب لعدم القيام بالوظيفة الشرعية كما هو الحال في الدائرتين القطبيتين ومن باب أولى يكون السفر إلى الفضاء من قبل المسلمين يكون محل منع ولو بنحو الاحتياط الوجوبي وبالتالي سوف يكون أمام المسلم عقبة أما أن لا يمتثل لتعاليم دينه أو أن لا يتقدم في العلم…
فجاءت رسالة فقه الفضاء حلاً وفتحاً مبيناً والسؤال الذي ينبغي أن يطرح
كيف تمكن السيد محمد الصدر من تأليف هذه الرسالة العملية وعجز غيره من العلماء والمراجع في الحوزة والنجف الأشرف وقم المقدسة ؟
و يكون الجواب عن ذلك بعدة نقاط :
النقطة الأولى :
أعلميه السيد محمد الصدر في علم أصول الفقه حيث استطاع أن يستوعب المقاصد الحقيقية والنهائية لأستاذيه المحققين الضوئي والصدر الاول وأزاد عليهما خطوة إلى الأمام وطرحها للفكر الأمامي..
يقول السيد محمد باقر الصدر في الحلقة الأولى من دروس في علم الأصول ما مضمونه أن الفقه كلما يواجه مشاكل وصعوبات ( كما هو الحال في ما ينتج عن التطور العلمي من حوادث ووقائع ومستحدثات) يأتي علم أصول الفقه بالحل والعلاج عن طريق تأسيس القواعد والنظريات التي تمهد السبيل للفقيه في أن يطبقها لمواجهة هذه الصعوبات فعلم الأصول هو منطق علم الفقه .
وعلم أصول الفقه يمثل النظرية وعلم الفقه يمثل التطبيق ولا يمكن أن يتم التطبيق بدون نظرية واضحة دقيقة بل كلما كانت النظرية عميقة كان التطبيق يستلزم دقة أيضا…
ومن هنا يتضح أن علم أصول الفقه وعلم الفقه مترابطان ترابطاً عضوياً غير قابل للأنفكاك ولا معنى بعد هذا إلى القول بأن الأعلم بالفقه هو الأعلم على الإطلاق وليت شعري لماذا عجز كل من يدعي هذا القول على فرض انه فعلاً أعلم بالفقه ( تنزلاً ) لماذا عجز عن تحديد فقه الفضاء وغيره من المستحدثات؟ ولماذا نجد التوقف عندهم في كثير من المسائل وعدم القدرة على تشخيص الحكم الشرعي لو كانت لديهم أعلميه بالفقه؟ وكيف يمكن أن نتصور أعلميه بالفقه بدون اعلميه في أصول الفقه؟
وأن فقه الفضاء و غيره من المستحدثات تفرّد بها السيد محمد الصدر وعجز غيره عنها والسبب هو أعلميته بالأصول وعمق تحقيقاته التي زوّدت الفقه بنظريات ذللت أمامه الصعاب…
النقطة الثانية :
وكذلك يمكن القول أن السبب في ذلك أي تفرد السيد محمد الصدر في فقه الفضاء وفقه الطب وفقه الموضوعات الحديثة وفقه الدائرتين القطبيتين وفقه العشائر …….. الخ
هو أيضاً اعلميته في الفقه وذلك بسبب دقته في التطبيق فهو في علم أصول الفقه لديه عمق في النظريات وفي الفقه يستلزم هذا العمق الأصولي دقة تتناسب مع ذلك العمق …….
ولذلك نجد أن البحوث الاستدلالية الفقهية للسيد محمد الصدر ( قدس سره ) ليس لها نظير إطلاقا من حيث الدقة واللطافة والشمول والإبداع..
النقطة الثالثة :
وهي أيضا ميزة للسيد محمد الصدر ( قدس سره ) أخذها من أستاذه العظيم محمد باقر الصدر ( قدس) وهي ما كان يلزم به طلابه بأن أي مسالة شرعية إذا توقف استنباط الحكم الشرعي على قضية علمية في الفيزياء أو الكيمياء أو الفلك أو أي مقدمة فينبغي أن يكون الفقيه مجتهداً في تلك المسألة وهذا مسلك جديد يتبناه السيد محمد باقر الصدر ( قدس سره) وبالتالي يُعتبر العلاج المؤثر إضافة إلى ما ذكرناه بخصوص علم أصول الفقه أمام هذه الصعوبات التي تواجه الفقه …….
و لذلك يلاحظ أن السيد محمد الصدر له اطلاعات وتخصصات متعددة في موضوعات وعلوم وثقافات متعددة وخير شاهد على ذلك هذا الفقه الذي أنفتح على موضوعات متعددة كالفضاء والدائرتين والطب والموضوعات الحديثة ……
وكذلك كتابه العظيم ( موسوعة ما وراء الفقه ) نجد أن السيد محمد الصدر غطى كل العلوم التي ترتبط بالفقه ارتباطا ثانوياً ونجد هذا التعدد في العلوم واضحاً في الكتاب…
النقطة الرابعة :
أن السبب في ذلك ما يعتقده السيد محمد الصدر (قدس سره) في وجوب نصرة الدين ونشر شريعة سيد المرسلين والبرهنة على ربانية الشريعة وإثبات ما جاء في القرآن الكريم ((ما فرطنا في الكتاب من شيء )) و كذلك ما جاء ما من واقعة إلا و لها حكم……
وهذا كله يندرج تحت عنوان إقامة الحجة على الناس…
أن موضوعات الفقه في زمن الصدرين أنفتحت واتسعت وهجرت ذلك الانكماش الذي كان يعانيه ولازال السيد محمد الصدر ( قدس سره) بما قدّمه من بيان الأحكام الشرعية في الحقول المتعددة فريداً من نوعه وهذا يعني أن جميع المسلمين وجميع أبناء المذهب من مقلدين ومجتهدين عجزوا عن الكثير من المستعصيات وسواء كان المقلدون يقلدوه أم يقلدوا غيره ينبغي لهم الرجوع إلى هذه الفتاوى التي تخص هذه الجوانب المهمة ولذلك صح منا القول حينما نطلق على السيد محمد الصدر بأنه مجتهد المجتهدين ومرجع المراجع أجمعين…
وعلى سبيل المثال لو كان أحد المراجع الكبار ( أدام الله ظلهم الشريف) قد صادف أن يسافر إلى الفضاء أو يذهب إلى إحدى الدائرتين القطبيتين ماذا يصنع؟ هل يعمل باجتهاده؟
أن اجتهاده وفقهه لا يعيّن له لا الحكم الشرعي ولا الموقف العملي ومادام أن هناك فقيهاً قد أفتى وحدد الوظيفة الشرعية فيلزم هذا المجتهد أن يقلد السيد محمد الصدر في هذه المسائل وأن لم يفعل فهو المقصر أمام الشريعة وأمام الله وهذا وحده كافٍ لإثبات أعلميه السيد محمد الصدر في الفقه والأصول….
ورد أن الفقهاء يفتون بأن الدائرتين القطبيتين هي عبارة عن ستة اشهر ليل وستة اشهر نهار وهذا يعني من قولهم عدم جواز السفر إليها…
و لكن السيد محمد الصدر استطاع أن يثبت خلاف هذا القول كما جاء في كتابه العظيم ما وراء الفقه الجزء الأول القسم الثاني حيث استطاع أن يحدد الوضع هناك وأثبت أن الليل فقط شهر واحد والنهار شهر واحد وباقي الأشهر العشرة يختلف الحال من وقت إلى آخر باختلاف الأشهر ودوران الأرض ولم يكتف بذلك فقد استطاع أن يحدد الأوقات الشرعية والوظيفية من حيث الصلاة والصوم والقبلة …….الخ وهذا البحث يعتبر رسالة عملية فريدة ونفس الأسباب التي اعتبرناها جواباً عن سؤال لماذا عجز الآخرون عن مثل هذه الموضوعات ؟
ولا حاجة إلى التكرار مع أن موضوع الدائرتين لا يحتاج السفر إليه إلى مركبة فضائية ويكون من السهل على أي إنسان السفر إلى ذلك المكان فتكون في محل الابتلاء الفعلي لدى الكثير من المسلمين وغيرهم كما لا يخفى ذلك….
وهذا رد على المستشكل حينما يعترض على الفضاء نحن لسنا بحاجة إلى تحديد أحكامه مع أن هذا القول باطل من أساسه وإقرار بالعجز واضح ولكن ماذا يجيب المستشكل في موضوع الدائرتين القطبيتين وماذا يجيب المستشكل على فقه الطب وفقه الموضوعات وغيرها …..
وماذا نجيب نحن لأعداء الإسلام والكفرة حينما يقولون أن دينكم عاجز عن تحديد القوانين والتشريعات بل أن التطور العلمي هو بحد ذاته بديلاً عن الدين والشريعة بماذا نجيبهم طبعاً نقدم لهم فقه الفضاء واقتصادنا والقانون الإسلامي الذي آلفه السيد محمد الصدر والدستور الإسلامي والإسلام يقود الحياة للسيد محمد باقر الصدر ( قدس سره) وجميع المؤلفات التي قام بها هذان العظيمان ( قدس الله روحهما ) وجميع المؤلفات الإسلامية التي تندرج تحت هذا العنوان…
فيا أيها الناس ويا أيها المسلمون ويا أيها المؤمنون عليكم بالتمسك بهذا التراث العظيم من العلم والمعرفة الدينية التي تركها لنا الصدران المقدسان فينبغي علينا أن نتعلمها ونعلمها ونحييها لأنها الركيزة الأساسية للوعي الإسلامي والحمد لله رب العالمين….))