23 ديسمبر، 2024 5:21 ص

السيارة والمسيرة؟!!

السيارة والمسيرة؟!!

لا أظن اليوم أن هناك سيارة واحدة من صنع دولة عربية تسير في شارع عربي , لكني كنت أعرف في بداية سبعينيات القرن العشرين أن هناك المئات من سيارات “نصر” المصرية الصنع تسير في شوارع بلاد العُرب أوطاني.

والعجيب في الأمر حينما سألت عنها في ألفين وتسعة عند زيارتي لمصر , كان الجواب ” إلى رحمة الله”!!

ومن المعروف أن مصر قد أرست البنى التحتية لصناعات متنوعة منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين , لكنها جميعها وبلا إستثناء تراجعت القهقري , وجاءتها أوامر عسكرية تقول :” إلى الوراء دُرْ”!!

وفي العراق تم وضع البنى التحتية لصناعات إليكترونية وميكانيكية منذ بداية السبعينات من القرن العشرين , وأنتج العراق جرارات “عنتر” وآلات ومكائن زراعية أخرى , وبدأ الإنتاج الإليكتروني كالتلفاز والكومبيوتر “صخر” والثلاجة والمبردة والمدفئة والعديد من المنتوجات التي كنا نفخر بأنها عراقية ,إضافة إلى التصنيع العسكري الذي بلغ ذروته , وجميعها ذهبت مع الريح , وداستها أقدام الويلات والمتغيرات الدامية.

وفي العراق أيضا بدأت الصناعات الدوائية قبل أكثر من ستة عقود , وكان عليها أن تتنامى وتتطور وتملأ الأسواق العربية والمحلية بالدواء , لكنها في أفضل الأحوال , “راوح مكانك” , كما أنها فشلت في خلق أجيال ذات خبرات تصنيعية دوائية.

ولا أعرف إن حصل مثل هذا في دول عربية أخرى , لكن الواضح تماما أن العرب في الوقت الحاضر , غسلوا أيديهم وأرجلهم من التصنيع والإبتكار وإستلطفوا أن يكونوا عالة على المجتمعات الأخرى , وما يسير في شوارعهم من صنع الآخرين , وجميع ما في بيوتهم ومكاتبهم وأفواههم من إنتاج غيرهم , وهنا تكمن العلة العُظمى!!

تخيلوا لو أن مصر إستمرت بتصنيع وتطوير سيارتها , ماذا سيكون عليه إقتصادها , وقوتها وهيمنتها التصنيعية على منطقة الشرق الأوسط بكاملها , وكان من الممكن أن تكون فيها شركات صنع سيارات تنافس الشركات العالمية وربما تتفوق عليها , ولكانت اليوم أقوى إقتصاد في المنطقة!!

وتصوروا لو أن العراق إستمر بإنتاج المكننة الزراعية وتطويرها , فماذا سيحصل في بلاد العرب أوطاني , هل ستجوع أو تعجز عن إستصلاح اراضيها وزراعتها؟!

إن المشكلة أننا لا نتواصل ونبخس ما عندنا ونستهين بقدراتنا ونسفه مبتكراتنا , فالدونية تفترسنا والتبعية تمتهننا , وتجدنا نقف كالشحاذين نستجدي من الآخرين ما يصنعون ويبتكرون , وندعي ما ندعيه من القوة والكرامة والسيادة.

نضيّع ما بأيدينا ونتوسل بالآخرين أن يعطونا ما بأيديهم!!

فلماذا لا نؤمن بأنفسنا وعقولنا ونتواصل بصنع ما نريد وما نحن بحاجة إليه؟!!