السرقة كلمة عامة غير محددة , نستعملها كما نستخدم العديد من المصطلحات , وهي مبهمة المعنى والدلالة في وعينا الجمعي.
وتوارثنا أن السرقة محددة بالأشياء المادية أيا كان نوعها وقيمتها.
والحقيقة المغيبة أن أفظع السرقات يقوم بها الذين يسرقون أعظم ما عند الإنسان وهو عقله.
وتجدنا في معترك تكاثر سرّاق العقول , وتعطيلها , ليصبح الآلاف والملايين يستعملون عقلا واحدا , ألغى عقولهم وأمات وجودهم , وصبّهم كالشمع في قوالب السمع والطاعة والتبعية والخنوع والإذلال , ونكران الحياة الدنيا والتغني بالموت , وما سيجلبه من نعيم وسعادة وحياة أبدية رائعة.
الكثيرون يجتهدون بحشو الرؤوس بالأضاليل والأكاذيب , ويبترون الناس عن حاضرهم ويخنقونهم في متاريس الأزمان الخالية , وكأن الأرض لا تدور , والعصور قبور.
يريدون قطع يد السارق , ولا يعرفون ماذا يفعلون مع سرّاق العقول , ومُحّاق المصير , والمغيبين لحقوق البشر وقيمته ومعناه , فالناس في عرفهم أرقام مكبوسة في سوح التماهي القطيعي والتواصي بعدم السؤال , فالعقل موؤد وتفعيله كفر وشذوذ وخروج عن طاعة المهيمن والسلطان , فهما يمثلان إرادة الخالق العظيم أو ينوبان عنه , فإياك أن تتكلم بغير لغتهما , وتنظر إلى غير ما ينظران , وترى خلافهما , فالسمع والطاعة من الإيمان.
إن المجتمعات المسروقة العقول , والمتخمة بالضلال والدجل والخذلان والهوان , عليها أن تخرج من قمقم البهتان وترى بعيون العقل , لتبصر مواضع خطواتها , وتدرك سكة مسيرتها , وتنتقل إلى ضفاف العزة والقدرة على بناء الحياة والإنسان.
ومن الواضح تواصل سرقة عقول الأمة على مدى قرون , فهي تجارة مربحة , وآلية سلوكية توفر الجهد وترتّع الناس وتجعلهم يتبعون ويخضعون , وبالكراسي يتبركون , وعلى هذا المنوال مضت الأجيال وعقولها ليست ملكها , وكأنها تمشي على رؤوسها.
فهل من قدرة على ردع سرّاق العقول؟!!