22 ديسمبر، 2024 5:08 م

الزرادشتية السياسية كمنهج للنظرية القومية عند حركة كازيك

الزرادشتية السياسية كمنهج للنظرية القومية عند حركة كازيك

القسم الثاني
ظهور الحركة القومية الكردية (كازيك)
بعد ثورة تموز 1958م سنحت الفرصة لاول مرة للسياسيين والنخبة الكردية في محاولة إنشاء حزب قومي خالص لا يرتبط بالماركسية ولا يستعير أفكاره ولا مبادىء حزبه منها بأي شكل من الاشكال.
فقد عقد جمال نبز في 14/4/1959م مع مجموعة متكونة من ستة أشخاص وهم كل من: فايق عارف، احسان عبد الكريم فؤاد،كامل زير، احمد هردي، عبدالله جوهر، فريدون علي امين، اجتماعاً في بيت احمد هردي في مدينة السليمانية، وشكلوا تجمعاً سرياً باسم كازيك (أي مجموعة الحياة وحرية الكرد)، وهذا التجمع بالرغم من سريته إلا انه كان مغلقا ايضا، وكان على أي شخص يريد الانضمام الى هذه المجموعة السرية ان ينتظر اربع سنوات لكي يصبح عضوا فيها، وفي المرحلة الاولى بقي جمال نبز من عام 1959 الى 1962م يقود تنظيم كازيك، إلا أنه ذهب الى أوروبا وتحديدا المانيا، وبقي اسمه فقط في الكتب والمنشورات التي كان يصدرها تنظيم كازيك في سنتي 1961م و1968م على التوالي.
وفي كردستان بقي احمد هردي يقود التنظيم، وفي المرحلة الثانية توحد كازيك مع حزب قومي آخر تحت مسمى بارتى سوشياليستى كوردستان(باسوك)، الذي تأسس في كركوك في عام 1975 بعد نكسة عام 1975م من قبل بعض المثقفين الكرد أمثال: أحمد هردي وشيركوه بيكس(= الشاعر المعروف) وآزاد مصطفى، حيث قام جمال نبز مؤسس كازيك بتنظيم المؤتمر رغم وجوده في المانيا، وكان باسوك يدافع عن المثل الأعلى المتمثل بكردستان الكبرى، وبعد مؤتمره الأول حشد قوة من البيشمرگه الخاصة به وبدأ بشن عمليات مسلحة ضد السلطة العراقية في السليمانية وأربيل وبشكل خاص داخل الجامعات، وفيما بعد انضم إلى الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) في عام 1982 والجبهة الوطنية الكردستانية في عام 1988م. وبعد مؤتمره المنعقد في عام 1991م، غيّر اسمه إلى حزب استقلال كردستان منضما إلى الحزب الاشتراكي الكردستاني وحزب الشعب الديمقراطي الكردستاني. ينظر: عبد الله ئاكرين. صفحة مشرفة من تاريخ كازيك، (1961-1975)، إقليم كوردستان- العراق. أربيل، مطبعة الشرق، 2013م، ص6.
ويُّعرف أحد الباحثين الكرد اليساريين حركة كازيك بالقول:”كانت كازيك حركة قومية صغيرة، أغلب قادتها ذوي ماضٍ شيوعي…، فيما بعد تغيرت (كازيك) وشكلوا حزب (باسوك)، وهو الآخر اندمج فيما بعد بالحزب الديمقراطي الكردستاني، ينظر، فاروق مصطفى رسول، ذكرياتي، ترجمة: عبدالله طاهر برزنجي، مراجعة: ماجد علاوي، تشرين الثاني عام 2018م، المجلد الاول.
ويذكر بعض الباحثين والمؤرخين الكرد أن تنظيم كازيك كان يعتمد في طرح أفكاره على فكرتين: الاولى القومية العنصرية أي كردستان للكُرد فقط، أي أنهم كانوا متأثراً بالنازية الالمانية والفاشية الايطالية، وهذا ما يذكره الاكاديمي الكردي سلام ناوخوش بقوله:”تفشي الكرد” أي ظهور الفاشية بين الكرد. والثانية المساواة بين أفراد الشعب الكردي، أي محو الطبقات، أي بعبارة أخرى تغيير المجتمع الكردي من مجتمع طبقي الى مجتمع طوباوي يسوده التساوي بين طبقة الاقطاع من الآغوات والشيوخ مع الطبقة الكادحة أو الفقيرة، ويبدو أنه رغم محاولة مؤسسي تنظيم كازيك الابتعاد عن الماركسية من جهة، فإنهم وقعوا في مطبها في الفكرة الثانية حول المساواة وتدمير النظام الطبقي السائد في أغلب المجتمعات بحجة المساواة، وهذا ما جعلهم يتناقضون مع أحدى أهم مبادئهم بضرورة التخلص من الماركسية؟.
هذان الهدفان غير الواقعيان أضعفا كازيك وجعلها تترنح في مكانها كفكرة قومية ضيقة طوباوية؟، وبالتالي أدى الى انعزالها؛ بسبب وجود غير الكرد بكردستان منذ القدم، فرفض غير الكرد ورفض الآخرين يدعو للعنصرية الكردية، فضلاً عن وجود حزب كردي عريق في الساحة السياسية ذو طرح واقعي وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني وقيادته لثورة إيلول عام 1961 – 1975م بقيادة الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني، لذلك انضمت هذه الحركة الى حزب آخر له طروحات قريبة من فكرها من الناحية الشكلية الحزب الاشتراكي الكردي ( الباسوك)، وهو الآخر لم ينجح بسبب عدم واقعيته، وبالتالي انضم الى الحزب الديمقراطي الكردستاني في عقد التسعينيات من القرن العشرين .
ومن جهة أخرى يستشهد منظروا فكرة كازيك بالفكرة السائدة في أوروبا حول انفصال الكنائس المسيحية الاوروبية تبعاً لانقسام القوميات والمذاهب، فالكنيسة الكاثوليكية اعتمدت على اللاتين في نشر مذهبها، والكنيسة الارثوذكسية التي انفصلت عن الكاثوليكية عام 1054م استندت على العنصر السلافي في نشر مذهبها، فيما اعتمدت الكتيسة البروتستانتية المنشقة عن الكاثوليكية بقيادة مارتن لوثر عام 1530م على العنصر الجرماني في نشر مذهبها، أي بعبارة أخرى تطابق المذهب مع فكرة العنصر آنذاك.
فعند النظر في رسائل الكازيك فإنهم كانوا يضربون المثل بما جرى في أوروبا كمثال:” نستطيع حساب أول انفصال للكينسة الارثوذكسية بعمل قومي، لان بعد انفصالها مباشرة جعلت اللغة اليونانية اللغة الرسمية لها وبهذا الشكل تخلص العديد من سكان أوروبا الشرقية من مشكلة لغة الغرباء اللاتينية. وحتى ان انفصال الكنيسة البلغارية عن الكنيسة الارثوذكسية الام دليل قوي على هذا الكلام. وهذا يعني من وجهة نظر الكازيين مثلما انفصلت الكنيسة الارثوذكسية عن الكنيسة الكاثوليكية في سنة 1054م، لاسباب كثيرة منها الخلاف بين القوميتين الايطالية واليونانية والخلاف بين اللغتين الاتينية واليونانية، وعلى إثرها تكونت الشخصية القومية الايطالية واليونانية، وظهرت أيضاً اللغتان اللاتينية واليونانية كلغتين للكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية. وعلى إثرها تكونت الشخصية القومية واللغة القومية.
فعلى سبيل المثال فإن الكازيين يعدون أية حركة خرجت من ربقة الاسلام يعدونها حركة قومية بشكل ما كما جاء في نهاية القسم الثاني من رسائل كازيك:”… في الدين الاسلامي ايضا حركة الخوارج والشيعة والشعوبية… مثال جيد لإظهار القومية، وهنا نرى ان المفكر العربي ساطع الحصري(1879 – 1968م) يقول بهذا الشأن: “هذه الحركات الشعبوية للذين اشتهروا في التاريخ الاسلامي كانوا بمثابة حركات إحياء قومي بكل معنى الكلمة”. سلام ناوخوش، كورد وزده شتيه ت، لناو كورد وزه رده شتيه ت جه ند ليكولينه وه يه كى زانستى، ئاما ده كاران: عوسمان على وديدار مصطفى، 2019ز، لابه ر 739- 739.
ويأتي مفكروا الكازيك بمثال من الواقع الكردي بالقول:” على نفس الشكل تم انفصال أهل الحق ويارسان واليزيديون عن الاسلام بإنشاء قومية وحضارة، لان الحركتين الاوروبية والكردية قبل ان يكونوا حركة دينية كانوا حركة قومية!. سلام ناوخوش، كورد وزده شتيه ت، لابه ر 739- 739.
ومن جانب آخر فإن رسائل كازيك لا تتقلل من شأن حضارة عباد الاصنام، بل تعدها كطريقة للحفاظ على القومية واللغة معاً، لذا تقول بكل شفافية: “بهذا الشكل نستطيع القول أن جميع الديانات عباد الزمن أو الفلك اجماعا يعدونها عملاُ قومياُ، لان كل شخص فعل جميع أنواع الرجاء والنذر والعبادة لهذه الاصنام بلغتة القومية. وبعبارة أخرى فإن من شأن المحافظة على اللغة حفظ القومية ايضا، وهذا يعني من وجهة نظر الزرادشتية السياسية نوع من التقديس القومي خاص بعبادة الاصنام وذلك لان الرجاء والنذر بهذه العملية كانت باللغة القومية!، ولا تعد خروجاً على القيم السائدة كما هو معروف.
فالكازيكيون صبغوا هذه الحركات المذهبية والمتمردة بالقضايا القومية ليجعلوا منها حركات دينية – قومية.
وأخيرا يبدو للمراقب بأن رؤية الكازيكيين حول ظهور الحركة القومية تنطوي على عدة أسس:
مثلما انفصل الالمان عن المذهب الكاثوليكي، واعتنقوا المذهب البروتستانتي بقيادة مارتن لوثر، الذي أكد على ترجمة الكتاب المقدس إلى كل اللغات بما فيها الالمانية؛ كل ذلك عزز من مكانة اللغة الالمانية اللغة القومية لهم.
حتى إذا كان أبناء قومية ما عباداً للأصنام والاوثان تستطيع ضمهم الى نفس القومية المطلوبة.
الزرادشتية كحركة سياسية شعبية هي حركة إحياء قومي كردي.
وبكل شفافية ينظر منظروا فكرة كازيك الى القول :”إن الانفصال عن الاسلام هو الطريق الوحيد لصنع الشخصية القومية الكردية!؟.
وعلى أية حال فإن موضوع الزرادشتية لدى الكازيين لم يكن موضوعا دينيا ونوستاليجيا ( = أي حنياً الى الماضي) للديانة القديمة، بل عدم قبول الماركسية بالنكهة الكردية، والابتعاد عن الاسلام، وذلك لأنهم يعتقدون ان تحت سلطة الدين الاسلامي استطاع العرب تكوين (كيان ديني) خاص بهم لكي يضعوا كردستان تحت ارادتهم. وكان هذان العاملان هما السببان الرئيسيان للكازيين، الذين يتوجهون به نحو الزرادشتية السياسية ( زرادشتية بالنكهة القومية) وليست الدينية ذات الطقوس والمراسيم.
وكانت الزرادشتية في العصر الميدي تعد زرادشتية دينية نصية قائمة على الآفستا، لان زرادشت ذاته كان بعاصر حكم الملك الميدي فراورتيس حسب وجهة النظر الكازيكية، ولم يتقبل الكازيون الدين الزرادشتي للميديين كما اعترفوا بذلك في القسم الثاني من كازيكنامة:” بالرغم من ان الكازيين لم يهتموا بالامبراطورية الميدية؛ وذلك لانها حسب اعتقادهم لم تستطع تلك الدولة تقديم خدمات للكرد والتفكير الكردي. فحسب، واخير يصلون الى نتيجة مفادها: أن الشيء الوحيد الذي يستطيع الكرد الافتخار به قبل اسلامهم، الامبراطورية الميدية بقولهم ” الكرد أحفاد الميديين”، وفق النظرية التي طرحها المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي (1877 – 1966م) التي طرحها في المؤتمر الدولي العشرون للاستشراق الذي عقد في بروكسل عام 1938م.
استطاع الميديون لاول مرة السيطرة ووضع القومية الفارسية تحت سلطتهم، ويعود هذا النصر للميديين بسبب الديانة الزرادشتية وفق المنظور الكازيكي، ويعلم منظروا كازيك كل هذه الامور إلا انها رغم ذلك لم تكن تهتم بالديانة الزرادشتية، كما اشير في البداية، فقط أشاروا الى أن الميديين سيطروا على مناطق تواجد الفرس لا غير: “استطاعت الامبراطورية الميدية الكردية بسبب الديانة الزرادشتية ان تثبت نفسها داخل فارس وتضع مناطق فارس تحت سيطرتها”. ينظر: ئه ده بياتى كازيك،كوكرنه وه ى: هاورى باخه وان.لابه ر 13.
وعلى أية حال فإن منظور الكازيكيين الى الزرادشتية ليس بعثها كديانة ذات نصوص وطقوس على غرار الزرادشتية القديمة، بقدر ما يمكن الاستفادة منها من الناحية الفلسفية والفكرية فقط لخلق تنظير للكرد خارج الفكرة الاسلامية، حيث ان هذه الزرادشتية تعتمد في عبادتها على النار (عباد النيران)، وهذا لا يقلل من شأنها لان الطريق الوحيد الذي يستطيع الكرد تأسيس قومية وكيان خاص بهم هي الاعتماد على الزرادشتية السياسية كخلاص للكرد، وهذا يشبه الى حدٍ ما طريقة تناول البروتستانت الانجيليون للمسيحية عديمة الطقوس عكس الكاثوليكية، ما عدا اعتبار السيد المسيح هو المخلص.
إن العقيدة أو ما يسمونها اليوم بالفلسفة الزرادشتية لا تنسجم بأي حال من الأحوال مع الأديان االسماوية، وعلى العكس من ذلك فهناك من يعتقد بأن تصرفات ذوي المعتقد الزرادشتي أصبحوا مصدرا لتشويه الزرادشتية الحقيقية، فرغم وجود أقلية كردية تتعاطف مع الزرادشتية لاسباب تاريخية وعاطفية حتى وصل الامر بهم الى تسمية أبنائهم بزرادشت وتسمية بناتهم بـ (آفيستا) نسبة الى الكتاب المقدس للزرادشتيين، ولكن يظهر أن الفلسفة الجديدة للزرادشتية التي يطرحها الزرادشتيون السياسيون الجدد قد أدت إلى حدوث نوع من الكراهية لدى الشارع الكردي تجاه هذه المجاميع التي لا يجمعها جامع سوى كره الدين الاسلامي والانتقاص منه .