18 ديسمبر، 2024 3:05 م

الزرادشتية السياسية كمنهج للنظرية القومية عند حركة كازيك

الزرادشتية السياسية كمنهج للنظرية القومية عند حركة كازيك

القسم الاول
يمكن القول أن إعادة الحياة الى الحضارات والأديان القديمة في المشرق الإسلامي كان حلماً يراود المستشرقين والمنصرين، ومن سار في ركابهم، فضلاً عن تلاميذ المدرسة التي سهروا عليها من أبناء الاقليات الدينية بشتى تنوعاتها في الهند وإيران ومصر والشام والعراق.
فحين جاءت القوى الاوروبية الى المشرق الإسلامي وتحديداً الشرق الاوسط والادنى بطرق وأساليب متعددة:
الرحلات والاستكشافات الجغرافية.
البحث عن المخطوطات والعاديات القديمة.
البعثات التنصيرية من الكاثوليك بشتى تنوعاتهم:اليسوعيون، الدومنيكان، الكرمليين والكبوشيين وغيرهم.
البعثات التنصيرية من البروتستانت والانجيليين من الامريكان والبريطانيين والالمان وغيرهم.
رجال المدرسة الاستشراقية من البريطانيين والفرنسيين والهولنديين والايطاليين والالمان وغيرهم.
استعمار البلدان الاسلامية من قبل الدول الاوروبية، فبريطانيا احتلت الهند ومصر والعراق، وجزيرة قبرص وبعض بلدان شرق القارة الافريقية، وأرخبيل الملايو (ماليزيا وسنغافورة الحالية). وفرنسا احتلت بلاد الشام والمغرب العربي وبلدان أفريقية اسلامية عديدة في غرب القارة وفي بلدان الصحراء الافريقية الكبرى. وإيطاليا احتلت الصومال وارتيريا والحبشة (= أثيوبيا)، وهولندة احتلت جزر الهند الشرقية الجنوبية (= اندونيسيا الحالية)، واسبانيا احتلت الريف المغربي المقال لها من الجانب المغربي، ولا زالت تحتل مدينتي سبتة وملليلة المغربيتين الى وقت كتابة هذا البحث.
وأخيراً استطاعوا من إضعاف الخلافة والسلطنة العثمانية، حتى سماها القيصر الروسي نيقولا الاول(1825 – 1855م) بالرجل المريض، وبالتالي استطاعوا اسقاطها بعد توريطها في الدخول الى جانب دول المحور في الحرب العالمية الاولى، ومكنوا لكمال مصطفى أتاتورك من الغاء السلطنة العثمانية في سنة 1922م، واسقاط الخلافة في شهر آذار/ مارس عام1924م، واعلان النظام العَلماني لأول مرة لبلد مسلم حكم بالاسلام طيلة من خمسة قرون .
وخلال القرون الثلاثة ابتداءً من الثامن عشر والتاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، استطاع المستشرقون الاوروبيون اعادة احياء الحضارات والاديان القديمة في المنطقة الاسلامية كجزء من متطلبات البحث العلمي عن الآثار والحضارات القديمة لخدمة مسيرة البشرية!، وكانت حملة نابليون بونابرت على مصر سنة 1798م في مقدمتها، فقد جلب معه العشرات من العلماء الفرنسيين في مختلف التخصصات الانسانية للبحث عن الحضارة المصرية القديمة وفك الخطوط المصرية القديمة (= الخط الهيروغليفي). حيث تمكن العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون( 1790 -–1832م) من فك رموز الهيروغليفية المصرية في سنة 1822م، وبكونه أحد واضعي أسس علم المصريات.
وكان المستشرق والدبلوماسي البريطاني هنري راولينسون(1810 -–1895م) قد وفق هو الآخر إلى حل رموز الكتابة المسمارية عام 1857م.
ويمكن القول إن إعادة ظهور الديانة الزرادشتية كان حلما من أحلام المستشرقون، وكانوا يعلمون بجد من اجل إعادة ظهور الزرادشتية، كجزء من محاولة إعادة إحياء الأديان القديمة في المجتمع الكردي. بغرض عزل المجتمع الكردي عن الشعوب الاسلامية المجاورة، على سبيل المثال وليس الحصر كانوا يتحدثون عن حضارة الفراعنة القديمة في مصر، وفي الشام كانوا يتحدثون عن الحضارات والدويلات الآرامية، وفيما بعد عن السريان القدماء وأخلافهم من المسيحيين، وفي لبنان كانوا يتحدثون عن الفينقيين. وفي فلسطين عن العبرانيين وينسون الكنعانيين سكان فلسطين القدماء؛ وكل هذا من أجل وضع حاجز بين الاسلام والطوائف غير الاسلامية في المشرق الإسلامي.
ومن جهة أخرى حاولوا بعث الديانة الشامانية بين الأتراك باعتبارها الديانة الخاصة بهم عندما كانوا يعيشون في موطنهم الاصلي في آسيا الوسطى. والامر ينطبق على الايرانيين، حيث حاولوا احياء الزرادشتية من جديد باعتبارها الديانة الرسمية للامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الفتح الاسلامي للهضبة الايرانية. وأن زرادشت هو نبي أو مصلح إيراني، وكانوا لا يألون جهداً لهذا الغرض، فمثلا يشجعون الإيرانيين على محاربة الاسلام بالقول: “إيران كانت صاحبة الحضارة والمدنية الحقيقة ولكن العرب البدو الحفاة العراة! قد جاءوا وفرضوا الإسلام عليكم ولكن الدين الحقيقي لإيران كانت الزرادشتية”، وكان هذا التوجه قويا جدا وبخاصة في الثلاثينيات والأربعينات والخمسينيات من القرن العشرين أيام حكم الشاه رضا بهلوي ونجله الشاه محمد. فعلى سبيل المثال لا الحصر أرغم الشاه الايراني محمد رضا بهلوي من خلال جهاز مخابراته السىء الصيت السافاك، المؤرخ الايراني المشهور حسين زرين كوب على كتابة تاريخ لايران ضد تداعيات الفتح الاسلامي لأيران وأطرافها، فكتب تحت الضغط (دو قرن سكوت)أي (قرنان من الصمت) بسط المؤلف في كتابه ذلك نظرية –شاعت في الدراسات الفارسية بعدُ- مفادها أن القرنين الأوّليْن لدخول الإسلام للهضبة الايرانية كانا قرنيْ صمت وتجهيل واضطهاد ثقافي. وتتأسس النظرية على أن الفاتحين كانوا متخلفين أجلافًا لا يحملون أي شيء يقدمونه، فحاربوا اللغات الايرانية، وفرضوا العربية بحد السِّنان، مما حتّم على الايرانيين التقوقعَ والسكوت الأدبي مائتيْ عام، ولكنه أي حسين زرين كوب بعد ذلك شعر بوخزة الضمير تؤنبه فألف عدة كتب عن الاسلام منها فجر الاسلام وغيرها.
وبخصوص الكرد فإن محاولة بعث الزرادشتية في نفوس النخبة الكردية كانت سهلة على أساس أن الكرد من الجنس الآري وأنهم لا يختلفون عن الفرس وبقية الشعوب الايرانية في هذا المضمار.
ولذلك فإن محاولة إحياء الزرادشتية ولو بالاسم في مدينة السليمانية بعد الحرب العالمية الاولى، لأنها أصبحت مركزا سياسيا وثقافياً، وهناك عدد من المنتورين أو ما يسمى بالمثقفين في هذه الفترة وكانوا من بطانة الشيخ محمود الحفيد ومنهم: توفيق وهبي، جميل صائب، يامور موستةفا، شيخ سلام، جمال ملا عبدالله عرفان، وغيرهم من الشخصيات التي تعد النخبة المثقفة في المجتمع. وإن هذه الشخصيات لم يكونوا متدينين البتة ولكن قسماً منهم كانوا من المتأثرين بالبريطانيين في هذه الفترة. لذا نرى أهل السليمانية المتدينين كانوا يسمونهم (فرمسون) أي الانسان غير الملتزم بمباديء الدين، وكان المتنورون أي النخبة المثقفة تسمي المتدينيين (جل خوار) أي ذوي الملابس الكلاسيكية القديمة، إشارة الى كونهم ناس لا يلبسون الزي المعاصر.
وبعد رحيل الشيخ محمود الحفيد عن الحكم عام 1927م بعد عدة ثورات وانتفاضات ابتداءً من سنة 1919م، بدأت هذه النخبة بكتابة مقالات الاستياء والذم لشخصيته في جريدة (ژیان – الحياة) و هذه الجريدة يعدها البعض من هدايا الانكليز للنخبة المثقفة في المجتمع، وبخاصة الكاتب جميل صائب الذي كان يكتب بقسوة عن شخصية الشيخ محمود الحفيد، وينتقد مبادئه وأفكاره، وطريقة حكمه أثناء حكمداريته أو ملكيته على كردستان في السليمانية وأنحائها.
وما حصل في كوردستان الجنوبية (= العراق)كان امتدادا ًلهذه الجهود المبذولة في إيران وتركيا وبلدان أخرى في الشرق الأوسط، وكلها كانت محاولة من أجل زعزعة الاوضاع السياسية وجعل العقيدة والمباديء الاسلامية هشة في نفوس الفرد المسلم في هذه المناطق، تحت يافطة حرية الاعتقاد والتعبير.
وكانت إيران في مقدمة البلدان التي قاموا بتجربة إحياء الزرادشتية عليها بعد تجربة البارسيين الهنود (= الزرادشتيون) في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وبما أن الكرد أيضا من سلالة القومية (آلارية) وكانت الزرادشتية متواجدة في شرق كردستان في العصر الساساني كما هو معروف؛ لذا كانت تجربة بعث العقيدة الزرادشتية في نفوس الكرد سهلة الى حدٍ ما .
ويرى الباحث إن الزرادشتية الجديدة المراد إحيائها في جنوب كردستان تختلف تمام الاختلاف عن الزرادشتية القديمة، وان الزرادشتية الجديدة تحاول جهد الإمكان نزع الجذور الاسلامية للكرد، وانتقاد الإسلام بقسوة بعيدا ًعن الإنصاف والحقائق التأريخية، والكتابة بصورة غير حيادية عن الخلفاء الراشدين وبخاصة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رائد الفتوحات الإسلامية.
وغني عن القول الى أنَ أول نشاط جنيني يبشر بالفكر الماركسي في كردستان الجنوبية – العراق قد ارتبط بعودة الأسرى الكرد المنضوين في الجيش العثماني الذي كانوا يحاربون الجيش الروسي القيصري في الحرب العالمية الاولى، والذين أطلق سراحهم الجيش الاحمر بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية عام1917، إذ شرع هؤلاء يروّجون تصوراتهم عن الثورة البلشفية وقائدها لينين في مدينتي السليمانية وكويسنجق. ومن أبرز هؤلاء الضابط جمال ملا عبدالله عرفان(1881 – 1922م) الذي شكل في مطلع عام1920م عدة مجموعات سياسية في السليمانية هي: كوردستان، كه زه نك (= الشعاع)، فيداكارانى كورد(= فدائيو الكرد)، وه ته ن بروران(= عشاق الوطن)، وبه رزى وه لات(= تعالي الوطن)، ودعت هذه المجموعات الى إرباك سلطات الاحتلال البريطاني واداراتها في السليمانية التي كانت تمهد لعودة الشيخ محمود الحفيد الى كردستان، كما أخذت تنشر الافكار اليسارية والماركسية، وقد اغتيل الضابط جمال عرفان في مدينة السليمانية في12 كانون الاول/ ديسمبر عام1922م بسبب نشره الافكار الاشتراكية والشيوعية، وبدسيسة من الاستعمار البريطاني والرجعية على حد تعبير أحد الباحثين الشيوعيين.
بعد الفشل الثاني لثورة الشيخ محمود الحفيد وسجنه وعودته للسليمانية ما بين عامي 1926 و1927م ظهرت لأول مرة فرصة لتأسيس منظمات وجمعيات كردية منها: الجمعية العلمية، جمعية الشباب، الجماعة الاخوية، جماعة داركر، جماعة الامل، حزب الانقاذ، حزب الثورة، مجموعة النضال (كومونيست الكرد)، وكان اغلب هذه المنظمات قومية او ماركسية.
ففي سنة 1926م شكل مجموعة من مثقفي السليملنية جماعة سرية باسم الجماعة الزرادشتية، في حين أن باحث آخر يحدد سنة 1928م تاريخ ظهور هذه الجمعية، وظهور هذه الجمعيات والمنظمات في تلك الحقبة كان له اسبابه المختلفة من سياسية وثقافية وغيرها، ولم يكن هناك في الحقيقة اي جذر زرادشتي سياسي بين الكرد في تلك الحقبة بتاتاً، ولكن يبدو أن ظهور الزرادشتية في إيران المجاورة لكردستان وخصوصاً مدينة السليمانية، كان أحد الاسباب، فضلاً عن نشاط الضباط الانكليز في السليمانية في تلك الاونة، وخصوصاً الضابط المشهور الميجر سون الذي له كتابات عديدة حول تاريخ ولغة وأدب الكرد من أبرزها: رحلة متنكر الى بلاد ما بين النهرين، لذا يشاع ان هذه المجموعة السرية كانت حاملة للزرادشتية السياسية كمحاولة للبعث القومي، وليست الزرادشتية الدينية المبنية على النصوص المقدسة والطقوس والمراسيم المترتبة عليها، كما هي عليها الآن عند غالبية الزرادشتيين الجدد في العقد الثاني من الالفية الثانية. ينظر: ئه ده بياتى كازيك،كوكرنه وه ى: هاورى باخه وان، جابى يه كه م، لا به ره 32. وهذا يعني وجود مجموعة سرية ونخبة في عام 1926م في السليمانية قبل مجموعة الحرية والحياة واتحاد الكرد (كازيك).