23 ديسمبر، 2024 1:46 ص

الدَّوالي لا تتشابه في بيتك يا أبي

الدَّوالي لا تتشابه في بيتك يا أبي

وحدَها الشمعةُ خجولةٌ لاتضيءُ عنقودَ عنبٍ في كأسِ ماءٍ باردٍ .
تحتضنُ داليةٌ ذليلةٌ أسوارَ زيتونٍ و طينٍ.
هل تكفي حبةُ زيتونٍ صامدةٌ لتكونَ أشجارُ زيتوننا محطة َدخانٍ و مقبرة حافية.
لم تعدْ الدّاليةُ استراحةً أليفةً للعصافيرِ يا أبي تاركةً ضفافَ شمعةٍ تحترقُ تحتَ حرائقَ في محطةِ الرّوحِ.
لم يعدْ التّلُّ تلّاً و الجبل جبلاً شامخاً بينَ أصابعِ ريحٍ . حينَ دخّنَتْ الأرضُ قلماً أسودَ غابَ سيّدُ الرّملِ .
الوقتُ يذوبُ ثلجاً وكحلاً لأجنحةٍ احترقتْ بين ثلجٍ ونارٍ.
ثمّةَ غربةٌ طينيّةٌ ،قريةٌ غائبةٌ بينَ رموشِ تربةٍ حمراءَ ، يقبّلُ الرّحيمُ شفاهَ داليةٍ ناعسةٍ كلَّ فجرٍ
لا أبوابَ في دفترٍ مقدّسٍ ؛ فهرسُهُ صلصالٌ يتيمٌ ، لمن تغنّي أحجيةٌ في مواسمِ العنبِ.
ما زالَ النّهرُ يسبقُ ظلَّهُ تحتَ جناحي نورسٍ جريحٍ ، رُبّما يأتي قاربٌ من فصيلةِ الهواءِ ليمتطيَ الشمسَ عالياً في خمسِ سنواتٍ و أكثرَ ، وما زالت جهاتُ الزّيتونِ تبحثُ عن جرعةٍ في قميصِ الرصاصِ.
طريقٌ من ماءٍ
طريقٌ لهُ ذاكرةٌ من خرزٍ وبقايا نبيذٍ أحمرَ ، طريقٌ يلوِّحُ للعواصفِ .
من نافذةِ الشّمسِ تصلّي تراتيلٌ في قلبِ الشّمسِ.
من يفكُّ أزرارَ ياقةِ شمسٍ ثكلى،شامخةٍ تحتَ شجرةِ العمر ِ،رافقَتْ غزلانَ اللّيلِ و أعشابَ الحياةِ .
أيّتها المدنُ المتسكّعةُ ، المتسوّلةُ بين ثنايا تربةٍ ضائعةٍ، لا غرفةٌ تنتظرُ قدومَ غائبٍ ، فالبئرُ ينحني لخريفٍ و يغنّي أغنيةً من رمانٍ.
يتيمةٌ سنواتُ تلٍّ مائلٍ ، لم ترسلْ قبلةً ،ولم تذرفْ مسبحةٌ سوداءُ دمعةً على كتفِ الرّيحِ
لم تنمْ شجرةُ التّوتِ في بيتِ أبي يا أبي
ولن تموتَ من وطأةِ سياطِ الغيابِ
لا تبتسمُ مسبحةُ أبي للأعشابِ الذليلةِ وحقولُ التّبغِ نائمةٌ في منفى أصفرَ .
لا تغرقُ الحقولُ في ساقيةٍ ضلَّتْ طريقَ الكلامِ ، فالأغاني تبتسمُ للبيادرِ وظلالِ النّعناعِ
لاتذوبُ سنديانةٌ في واحةٍ مرتجفةٍ
لا تنحني، تستريحُ تحتَ ظلِّ شمعةٍ ، و الانتظارُ زبدُ أغنيةِ المكان .
يأخذُ العمرُ أشياءً تشبهُ لونَهُ من صفصافةٍ ذابلةٍ .
لاتضحكُ الشّمسُ للقمرِ مرّتين
يبتسمُ الكوكبُ كلّما ذاقتْ السّنينُ وشاحاً من دخانٍ فالشّمسُ تعيدُ رائحةَ الزّبيبِ
الشّمسُ قلبُها أخضرُ تضيءُ قميصَ الطفولةِ حتّى يفيضَ النّهر ُعن مجرى الزّيزفونِ.
داليةٌ من وحلٍ ،وحلٌ إيقاعُهُ خرزٌ
داليةٌ لن تعيدَ للحقلِ ألحانَ روحِ قصيدةٍ غائبةٍ
داليةٌ تنزفُ عناقيدَ مكبّلةٍ تحتَ شجرةِ الزّيتونِ ، وتأخذُ بقايا ومضةٍ عالقةٍ في ميناءِ راحتيكَ
داليةٌ مثقلةٌ بضوءٍ لايغنّي للعصافيرِ كلَّ صباحٍ
من أشعلَ الحرائقَ في رئةِ الحبقِ ، لاتهزمُ لغةٌ على شفاهِ تنورةٍ عتيقةٍ.
نجمةُ الصَّباحِ تمشي عاليةً بين ثقوبِ حياةٍ
من قال: إنّهم ملحُ المكانِ؟
لا تدعْ يدكَ تطفو فوقَ صهوةِ الرّملِ
فالتّربةُ قاموسٌ كسيحٌ تحتَ لبلابِ البيتِ
و الطّفولةُ مرآةُ التّربةِ في سجلٍّ أزرقَ
أيّها المشهدُ لا تكنْ غامضاً خلفَ الطّريقِ
سأكونُ عنواناً في عيونِ الشّمالِ
الأرضُ أخبرتْ الشّمسَ بشهدِ اللّيالي على ناصيةِ نهرٍ في ومضةٍ ،يمضي ليعانقَ ظلّهُ ؛ ويرافقَ الحجلَ و لا يغرقْ
ولا ينتظرْ أغنيةً مهملةً على سفحِ الهواءِ
حتّى لا يفسدَ المشهدُ وتحترقَ القصيدةُ في مشهدٍ من غبارٍ
من قالَ: إنّكَ سلطانُ الكونِ
ومازلتَ نائماً تحتَ الرِّمالِ
فالنّهرُ لايعطشُ ولاينامُ على سريرٍ ؛ معطفُهُ مبلَّلٌ بذاكرةِ اللّامكانِ.
لم تتذكرْ السماءُ هويةَ الوردةِ و أسماءَ أحفادِ الفراتِ
لم يغازلْها الرّحيمُ في كتابٍ من ماءٍ
أو عزفِ أغنيةٍ تراقصُ النّهرين في جسدٍ من نعناعٍ
أسدلَ النّهرُ السّتارَ على عشقِهِ الأوّلِ
خطواتُهُ ترسمُ تاريخاً ومقصلةً .
اذا جئتُمْ تبحثونَ عن فرحٍ
وحدهُم يحلمونَ بالفرحِ العتيقِ
وحده قد ينجو من عاصفةِ الموتى
يتوضّأُ بالشّمسِ في محرابِ تراتيلِ مقبرةِ المكانِ
فالأنهار لا تتشابهُ في بيتك يا أبي
النهرُ كائنٌ حيٌّ
لايحملُ ذكرياتِ الحطّابِ في ذاكرةِ الخرابِ
والشّوق يخطفُ خريرَهُ في جزيرةِ القلب
شريطٌ طويلٌ ضلَّ طريقَ نهرٍ قصيرٍ
لم ينتحرْ ولم يذُبْ في عنوانٍ عريضٍ
اللّوحةُ هي الشّمالُ والمقاماتُ من رحمِ شموخِ الشّمالِ.