17 نوفمبر، 2024 12:45 م
Search
Close this search box.

الدين والسوق في الحرب العراقية – الايرانية

الدين والسوق في الحرب العراقية – الايرانية

 ترجمة : وليد خالد احمد

 كتابةكلود ياريت  

نود لفت انتباه القارئ الى ان المادة كتبت عام 1987 ، لذا نرجوهمراعاة الظروف الزمانية للتحليلات التي جاءت بها  الدراسة . ولاهمية الافكار الواردة فيها وعمق فائدتها في كتابة تاريخ هذه الحرب ،ارتأيت ترجمتها اعماما للفائدة /المترجم============================================================

ان التوكيد الذي اعطي لدور الدين في الحرب العراقيةالايرانية منقبل عدد من المراقبين الغربيين يعكس وجهة نظر المسؤولين العراقيينالمطروحة منذ البداية، وهي وجهة نظر معظم حلفاء العراق من العربايضاً. فهم يعتقدون ان الاصولية الاسلامية في شكلها الشيعيالايراني في الاقل، عقيدة هدامة توسعية لا يمكن ايقافها الا بالقوة،وان الصراع المذهبي بين السنة العراقيين وشيعة ايران، جعل الحربامرا لا مفر منه في عام 1980، وجعل امر ايقافها مستحيلاً. وساعدتتصريحات آية الله روح الله خميني ومسؤولي الحكومة الايرانية منذتأسيس الجمهورية الاسلامية على تعزيز هذا التفسير.

فبالنسبة لاولئك الذين كانوا يؤيدون وضع حد للحربلصالح الطرفينان المهم هم عدم السماح للخطب الطنانة الرسمية لبغداد وطهران انتسيء تفسير ما حدث اساساً وما قد يحدث في المستقبل. واستناداًلذلك فانه من الضروري التعرف على مجموعة الاسباب السوقيةوالتعبويةبصورة منفصلة تماماً عن العامل الدينيالتي حدتبالرئيس العراقي صدام حسين الى اعتبار الحرب امرا لا مفر منهواتخاذ اجراء مسبق كما فعل. ومن دون تحيز الى اي من الطرفين فيالصراع، فانه من الممكن ان حسابات العراق فيما يخص ايران قداثبتت خطأها، وان صدام قد ضاعف من خطأ حساباته الدولية وذلكباطالتها وتكرارها.

وفي هذا السياق من التفسير، يكون التوكيد على التفكير المتصلبداخل حزب البعث العراقي والاسلوب الذي تخطه السلطة داخل الحزبتلك السلطة التي اكتسبها صدام كاملة في 1979 لا يمكن ان تتكيفبسهولة او بسرعة لاجل تغيير الوقائع خارج نطاق الحزب. وعلىالاخص ازاء التغيرات السريعة التي برزت في ميدان المعركة. وقدتجلت هذه الصلابة ذاتها مرتين خلال عقد من السنينفي حربالسبعينات ضد الاكراد وفي الحرب مع ايرانمما فسح المجال امامالانظمة الايرانية الواهنة والضعيفة، الى استغلال اخطاء الحكمالعراقية بعدة سبل وفرض شروط لا ينقصها الا الاستسلام فحسب. ولربما يكون من المفيد، نتيجة لذلك، ان ننظر الى الحرب العراقيةالايرانية من منظور لم يكشفه اي من الطرفين المتحاربين وحسب هذاالتأويل، فان الدين والمذهبية الدينية لم يكونا عاملين متهمين في قرارالعراق بالالتجاء الى الحرببيد انهما اصبحا مهمين فقط بعدماتبين انهما يساعدان على تبرير استمرار الحرب ويعززان من معنويةالجندي الايراني. فالدين قد أمن الدعم العقائدي لتيارات رجال الدينالمتصارعين على السلطة في طهران في عامي 1980 و1981. واصبحالدين مبعث قلق شديد لحلفاء العراق العرب، اذ يعتمد هؤلاء الحكامعلى الشرعية الدينية، ولهذا السبب فان العامل الديني قد عزز رؤيةالطرفين للحرب دون ان يكون له تأثير كبير على ممارساتهما. وقداعارت الصحافة الغربية اهتماماً بالغاً للعامل الديني، ولا يعني هذاالشيء الكثير، لكون الاعلام الغربي ليس له فعليا اي تأثير علىالمقاتلين ولأن ما تم تبليغه للمراسلين الغربيين عن الظروف في كلاالبلدين كان هزيلاً. اما دمج الاسلام والقومية والثورة في العالمالعربي فهو امر معقد ويتباين بشكل جوهري من بلد لآخر ومن قطرالى قطر. فالاصولية الاسلامية كما تفهم حالياً، كانت تحدياً للانظمةالعربية وتعزيزاً لهم ضد خصوم جناح اليسار العلماني. وكان الشيعةالعرب في الماضي يهددون الانظمة المتردية دون اي دعم من ايران،في حين ان الشيعة الايرانيين اقاموا التحالفات مع السنة العرب ضدالمعارضة الشيعية الداخلية. وسابقاً كما هو الآن، كانت المذهبيةالدينية احدى مكونات الصراع بيد انها ليست السبب.وما يختلف الآنهو ان القبضة السنية على السلطة السياسية بدأت تضعف في عمومالشرق الاوسط ولنأخذ شيعة لبنان على سبيل المثال، ألم يكونوا همالمستفيدين الرئيسيين من الحرب الاهلية منذ اندلاعها عام 1975،والنظام العلوي في سوريا أليس هو القوة المهيمنة في العالم العربيعموماً.

وتتمتع الجماعات الشيعية اليوم في كل من الكويت والسعودية واماراتالخليج الاخرى بنفوذ اكبر من ذي قبل لتغيير ظروف المنزلةالاقتصادية والسياسية المتدنية التي اجبروا على معايشتها.

وفي هذا السياق، فان الثورة الايرانية ووصول رجال الدين الشيعة الىسدة الحكم كان مساعدا للتطورات العربية هذه. ومن جانب آخر،زادت مناشدات طهران الخرقاء الى التضامن المذهبي عبر الخليج منكبت الانظمة السنية، واوقف في الوقت ذاته من الارتقاء العلمانيللمجتمع العربي الذي استفاد منه الشيعة. ومع هذا فقد اصبحتخرافة لدى حكام السنة العرب بان التحدي الذي يواجهونه من الشيعةالعرب هو وليد مؤامرة حكيت خيوطها في طهران او قم.

في اذار 1985 صعد الطرفان العراقي والايراني من الحرب حيث بادرالعراق بالقصف ومهاجمة اكثر من عشرين مدينة ومركز سكانيايراني بالقذائف الصاروخية، وفي الثالث عشر من شهر اذار شنتالقوات البرية الايرانية هجومها عبر اهوار مستهدفة الطريق العاملبغدادبصرة، الا انه توقف بعد ايام قلائل فقط جراء قتال حادالوطيس ورجع القهقري بسبب الكثافة النارية الهائلة من المدفعيةالعراقية والضربات الجوية المتواصلة وهجمات الغاز. واشتد فيالاسبوع الاول من نيسان اوار حرب المدن بسبب ضربات القذائفالايرانية بعيدة المدى على اهداف في بغداد. والنتائج حسبما اوردهاالناطقون العراقيون الرسميون مع اصوات مؤيديهم الجدد فيواشنطن كانت الدليل على ان العراقيين قد اخذوا زمام المبادرة ثانيةمن يد الايرانيين، واوقعوا الاصابات الجسيمة في جنودهم ومدنييهم،واظهروا لهم بان هذه الورطة العسكرية الايرانية ليس بامكانها خدمةمصلحة ايران. وكما يبدو فان المسؤولين العراقيين يعتقدون كذلك بانهذه الدروس بحد ذاتها قد فعلت مفعولها في طهران وان الفجوة آخذةبالاتساع فيما بين المجموعات الكبيرة لرجال الدين الذين يدعمونمسألة اطالة امد الحرب على صعيد الحكومة الايرانية ومجموعاتالمدنيين والعسكريين الذين يحبذون التفاوض من اجل وضع حدللصراع. وقد ثبت وهم هذه القناعات من جانب العراقيين مرات عديدةفي الماضي، فهم ما كان بمقدورهم معالجة صانعي القرار السياسيالايراني من خلال الوسائل العسكرية، ولهذا فقد ارتدت مساعيهملتحقيق ذلك وبالا عليهم في اغلب الاحيان حيث ازداد الاجماع علىالراىء بدلا من الانقسام ضمن اطار الحكومة الايرانية. ويبدو علىالقادة العراقيين انهم مقتنعون بان في وسعهم الالتجاء الى الحساباتالسياسية غير الدينية والعقائدية، فانه من المهم ومن باب اولى طرحثلاث اسئلة هي:

ما  تأثير الدين على قرار صدام حسين بالذهاب قدما الى الحربفي عام 1980؟

ما  الدور الذي قد لعبه الدين في ادارة العراق لدفة الحرب؟

ما  الدور الذي من المرجح ان يلعبه الدين في الحل المستقبليللصراع؟

* القرار العراقي بخوض الحرب

تكمن اصول القرار العراقي بخوض الحرب في جمله احداث اعقبتوصول صدام الى سدة الرئاسة في العراق في تموز 1979. وكانتهناك اربع خطوات عصيبة قام بها صدام، مما جعل شن الحرب بعدمضي سنة امر لا مناص منه في الاغلب. الاولى حدثت في اواخرتموز 1979، عندما امر بعملية التطهير الحزبي والتي اول ما بدأتفي الجهاز التنفيذي لحزب البعث ثم اتسعت لتشمل مجلس قيادةالثورة ومجلس الوزراء والجماعات في الطبقات البيروقراطية العليا منالحكومة كما واستهدفت عدداً قليلاً من الشيعة، الا ان معظم اولئكالذين تم ابعادهم كانوا من السنة ولم يكن سبب التطهير واضحاً ابداً،الا ان المذهبية الدينية لم تلعب الا دورا ضئيلاً او معدوماً. ومجمل ماحدث تم الحكم على اثنين وعشرين رجلاً منهم بالموت وايداع ثلاثةوثلاثين السجن. ويمكن القول ان تلك كانت اكبر عملية تطهير تجريخلال فترة عشر سنوات، وعلى نقيض الحالات السالفة في تأريخالعراق، فان المتآمرين السابقين لم يطلقوا حتى رصاصة واحدة، وكلما حدث هو ان صدام قام بتصفية جميع اولئك الذين يشكلون تهديداًلسيطرته على الحكومة. اما الخطوة الثانية التي تبعتها مباشرة فيمابعد، هي اتهام صدام لسوريا بالتحريض على مؤامرة ضده وامرباغلاق السفارة السورية في بغداد، وهذا بدوره قد انهى دأب جهودسنة كاملة بذلتها الحكومتان العراقية والسورية وجناحا الحزب لتسويةخلافاتهما وتحقيق اتحاد جزئي.         فبالخطوة الاولى احكم فيهاصدام قبضته على الحكومة وبالثانية اوقف اي احتمال للتحدي يمكنان يتأتى من داخل صفوف حزب البعث. اما سيطرته على القواتالمسلحة فيبدو انها لم تكن موضع شك في ذلك الوقت، رغم انه بعداعدامات شهر آب، وعلى وجه التحديد، جرت عملية تطهير غير معلنةلاربعين ضابطاً في قاعدة الرشيد الجوية والقوة الجوية تحت سيطرةصدام بشكل راسخ.ولم تترك الا ورقة جامحة فقط الا وهي مصدرالتهديد القويايرانوكان تقويم صدام لها مشابهان تقريباً لما لدىمعاصريه واسلافه وهي ان الاستقرار الداخلي للبلدين المتجاورينسيعني بالضرورة ان تكون ارضيهما تميلان الى الاستقرار كذلك دونتحديات تذكر  من اي الجانبين. واذا ما اصبح احدهما غير مستقرفستنقلب الامور وتصبح الحدود نقطة وميض للصراع حيث سيجدالمنشقون في طرف واحد الملاذ والدعم عبر خط الحدود، فبغداد ستتهمطهران بتدخلها والعكس بالعكس.وقد اتخذ هذا التدخل اشكالاً مختلفةوانماطاً عديدة على مر السنين، فخلال حروب العراق مع الاكراد،قدمت ايران الاسلحة والحماية للقوات الكردية تعاونهم بذلك وتحرضهمكل من الولايات المتحدة واسرائيل.

وانحنى حزب البعث العراقي باللائمة على ايران لدعمها السريللتنظيمات الشيعية المعادية للحزب، وادت احتجاجاتهم ضد الحكومةالى اجراءات قمعية صارمة في عام 1974 و 1977 واوائل عام 1979. وعلى الجانب الآخر عندما بدأ الشاه بمواجهة تحدِ داخلي خطير فيعام 1977و 1978 اذار، الضغط على الحكومة العراقية لاجل ترحيلاية الله خميني من محل اقامته في النجف. وكان من الطبيعي لصدامان يتوقع مسبقاً بان عدم استقرار ايران الثورية لربما يؤدي الىاضطرابات جديدة مع الاكراد والى نشاطات سرية جديدة مع الاكرادوالى نشاطات سرية جديدة بين الشيعة. وكان من الطبيعي كذلك توقعاجتذاب الوضع غير المستقر الاهتمامات المتزايدة للقوى العظمى لانهكلما كبر حجم تورط القوى العظمى في ايران زاد من احتمال ضغطهذه القوى على العراق.وفي هذه الظروف، فان صدام رحب بعزلالشاه خصوصا وان ذلك سيضعف من سطوة النفوذ الامريكي فيالمنطقة. بيد انه لاجل سلامته، لم يكن بوسعه ايضاً الترحيب بأية فترةمطولة من الصراع الداخلي والحرب الاهلية عبر الحدود، وارتكز هذاالتقويم على التجربة العراقية الطويلة الا اننا نعود ونقول انه لم تكنلذلك اية صلة بقضية المذهب.

يبد ان خطوة صدام الثالثة كانت مذهبية فابتداء من نيسان 1980 امربجمع الآف من الشيعة الساكنين جنوب العراق سواء اكانوا من حملةالجنسية الايرانية ام من اولئك الذين لم يتمكنوا من اثبات الدليل علىجنسيتهم العراقية حيث اقتيدوا بالشاحنات الى الحدود وارغموا علىالسير الى داخل ايران. وفي غضون ذلك الوقت حظرت تنظيماتالعديد من المنظمات الشيعية السرية والقي القبض على الناشطينالشيعة المشبوهين واودعوا السجن ثم اعدموا.فهذه الخطوات الثلاثةوعمليات التطهير لربما قد كانت كافية لتضمن لصدام الامنالسياسي من التهديدات الداخلية، بيد انها في سياق الحرب الاهليةالمتأزمة في ايران، اعطت فرصة سانحة لخميني وللتيارات المتنافسةحوله بتعريف معاركهم بمصطلح العدو العراقي. وبالتالي فان محاولاتالاكراد والاذربيجانيين والاقليات الايرانية الاخرى لضمان حقوقهمالتي وعدتها اياهم الثورة قد رفضها النظام الايراني بدعوة انهاحركات انفصالية مثارة من قبل العراق. عندها شرع انصار خمينيبمهاجمة ممثلي وقنصليات العراق ومد العراقيون المناوئون لحزبالبعث بالاموال والاسلحة ومنحوا الملاذ الامين. وشرعت المدفعيةالايرانية فيما بعد بفتح نيرانها على القرى العراقية عبر الحدود البريةوجرت حوادث رمي على نهر شط العرب. وهكذا سبق السيف العذل. فصدام كان محقاً في حكمه بان عدم الاستقرار في ايران لسوفيتجاوز الحدود لتهديده، الا ان رده للاذى جعل امر تصعيد الصراع لامفر منه وبانه سيلزم جانبا معينا من الحرب الاهلية الايرانية تماما كمايفعل الايرانيون ضده. وهذا ترك خطوة واحدة اخيرة تعوزها الحرب،تلك التي اتخذها صدام كما يبدو ما بين نيسان وتموز 1980 الا وهيمساندة الانقلاب العسكري الايراني للاطاحة بحكومة بني صدر، وكانهدف الانقلاب هو تنصيب شاهبور بختيار آخر رئيس وزراء في عهدالشاه، كرئيس ايراني جديد، وكان هذا الشخص هو رجل العراق.

وفي العاشر من تموز عام 1980، اعلنت السلطات  في ايران انها قداحبطت مؤامرة قامت بها وحدات من القوة الجوية قرب طهران وعناصرمن الجيش والبحرية وضباطها الشرطة الموجودين في خوزستان. والقي القبض على عدة مئات من العسكريين والجندرمة وطردت مئاتعديدة اخرى من مناصبها.

وفي تلك النقطة بدأ العراق بالعد التنازلي للحرب فغزت الاراضيالايرانية يوم  22 ايلول وكانت تلك نتيجة منطقية لخطوات صدامالاربعة المبكرة لضمان امن نظامه. فالحرب ذاتها كانت امتداداًللمحاولة الانقلابية الفاشلة في عقل صدام.وفي الوقت الذي سنحت فيهالفرصة لتغيير الموقف العسكري على طول الحدود لصالح العراقعندما بدأت القوات الايرانية النظامية تتهاوى امام شدة الزخمالعراقي، كانت السلطات المركزية في طهران ينتابها اضطراب عظيم. وكانت حسابات صدام في الاقل انه بالامكان استغلال الضعفالايراني واقامة حزام وقائي عريض على طول الحدود وانهاء حملةالاثنى عشر شهراً من المناوشات المتقطعة.

واعتقد انه ان كان محظوظا، واذا ما كانت حكومة بني صدر ضعيفةكما اخبره عنها بختيار، فستكون هناك عملية انقلاب ناجحة فيطهران لا محالة بعد كل ذلك.

لذا فالحرب كانت فرصة سياسية سانحة ليس بوسع صدام رفضها. وهنا ثانية، كان العامل الديني غير  جوهري نسبياً في حساباته.

* دور الدين في ادارة العراق لدفة الحرب

صدام رجل حذر للغاية وكذلك الضباط العراقيون فهم نتاج السياساتالعراقية الحديثة التي شارك فيها الجيش على مدى خمسين عاما منالمحاولات الانقلابية. وقد تعلم البعث ان لا يسمح للقادة العسكريين ابداًبحرية الانفتاح او المناورة بشكل ربما يهدد النظام نفسه. وهذا يفضيالى نظام قيادة مركزية بطيئة غير مرنة. ولربما قد يكون هذا قوياً فيحالة الدفاع بيد انه يصبح ضعيفاً عند اتخاذ قرار الهجوم لاسنادالصولة البرية.

اما ادارة صدام لدفة الحرب في مرحلتها الهجومية فتحكمها اربعفرضيات، كل منها اثبتت كونها خاطئة، ومع ذلك فالدين لم يلعب الادورا ضئيلاً في الجانب العراقي في الاقل.

وكانت الفرضية الاولى الخاطئة هي كون القوات الايرانية ضعيفة وذلكخطأ استنتاجي ارتكب. فمن الواضح في عام 1980 ان الضباطالايرانيين النظاميين قد حزت اعناقهم، الا ان خسارة الجنرالات لم تكنجوهرية قدر ما كان عليه تطهير ما بين ثلث الى نصف الضباطالميدانيين من رتبة رائد ووصولاً الى رتبة عقيد. بالاضافة الى ذلك، كانمن الواضح ايضا ان الاسلحة الايرانية المتطورةجدا الطائراتوالقذائفقد فقدت صلاحياتها اما بسبب التخريب او الحظرالامريكي.

وما اخبر به صدام عن القوات الايرانية لم يكن بالجديد فقد سبق لهوان سمح الشيء نفسه من عمه وسلفه المهيب احمد حسن البكر. ولعلالرجال العراقيين المسنين عندما كانوا تلاميذ متدربين وضباطاً احداثيتذكرون اداء القوات الايرانية الغازية من الجنوب في عام 1941 فيالوقت الذي كان الجيش السوفييتي يتحرك من الشمال. فالبريطانيونكانوا قادرين على اضعاف القوة الجوية والبحرية الايرانية وارغامالجيش على استسلام سريع دون مقاومة تذكر او لهذا اعتقد صدامبان القوات الايرانية لسوف تنهار قبل ان يصول العراقيون بالضبطتماما كما حدث قبل اربعين عاما خلت. الا ان التأريخ لم يعد نفسه،فالهجوم العراقي لم يدمر القوة الجوية او البحرية الايرانية ولم تتحركالقوات العراقية نحو طهران ولم تستسلم القيادة الايرانية. وبالرغم منان العراقيين قد توقعوا بأن الجنود النظاميين الايرانيين لن يدافعوا عنالنظام الا ان كل من الحرس الثوري والقوات النظامية اظهرا دفاعاصلباً اكثر مما متوقع. وبينما كان المعتقد الديني لهذه القوات يشكلجانباً مهماً من معنوياتهم  ،  كان كذلك بالنسبة للسلطة الايرانيةالقائمة الا انه يمكن القول بانه كان عاملا ثانويا في فشل الهجومالعراقي لتحقيق اهدافه العسكرية او السياسية. وكان خطأ صدامالثاني هو انه قد غالى في تقدير فعاليات قواته، فقوته الجوية فشلتفي مهمتها العصيبة لتعطيل القوة الجوية الايرانية على الارض فياليومين الاوليين من الحرب، حيث نجت اعداد كافية من الطائراتالايرانية لتستأنف مهام القصف الثأري والدفاع الجوي واسنادالفعاليات البرية والبحرية.

اما سبب فشل القوة الجوية العراقية في مهمتها الاولى فهو غيرواضح، بيد انها حالما فشلت، لم يتوقع صدام مقدار الضرر الذي كانبوسع الايرانيين الحاقه في المنشآت النفطية والمينائية العراقية. كماوضاعف الفشل العراقي في تعطيل المدفعية والزوارق المسلحة الايرانيةمن حجم الخسائر العراقية في الجبهة الجنوبية.

وتوحي الشهادات التي ادلى بها الضباط العراقيون الهاربون الىالخارج بان صدام قد حظر على جيوشه صراحة اخبار اهاليهم عناندفاعاتهم المبكرة نحو طهران.

واراد كذلك تجنب اية معارك مطولة في المدن الايرانية الجنوبية بهدفتقليل الاصابات العراقية، وهكذا ضحى صدام بالمزايا المبكرة للمناورةوالقوة النارية، ودون اي تفوق جوي وبحري اثلم هجومه الخاص،واعطى الايرانيين الفرصة لاعادة التنظيم واصلاح دفاعاتهم، وبالنهايةقيامهم بالهجوم المقابل. ومع بقاء جزيرة (خرج) دون اذى، اصبح لدىالايرانيين كذلك عوائد نفطية لتسديد اثمان الاسلحة الجديدةوالعتاد.وليس بالضرورة تمحيص القرارات التي اتخذها صدام بشكلمسهب، لانها عند التأمل بها، تبدو كحسابات خاطئة جسيمة بل يكفيالقول ان تصرف صدام تجاه قادته كما هو تصرف البعثي دوما، فهوعديم الثقة ابدا في السماح للعسكريين باية مبادرة في ميدان المعركة. ان انعدام الثقة هنا كان اقل تكلفة في مرحلة الهجوم من الحرب عماهو عليه في مرحلة الهجوم المبكر، الا انه بعدئذ قد اضطر صدام الىدفع ثمن عسكري وسياسي لم يكن متصورا في البداية وخطأ صدامهذا كان تماما من نوع الخطأ الذي يكون عرضة لان يرتكب من رجل لهخلفيته السياسية فالسياسية وليس الدين كانت اذن هي العاملالرئيس. اما خطأ صدام الثالث فهو تقديره الخاطئ لعروبة خوزستان،فمعيار الولاءات العرقية امر يتطلب براعة وحذرا بالغين في منطقةالشرق الاوسط  ، فالاسرائيليون تعلموا الآن درساً ان عليهم دفع ثمنهباهضاً بسبب تقديراتهم الخاطئة لولاءات الشيعة في الجنوب اللبناني. وهكذا فان صدام ليس بمفرده بل لديه الجنرال شارون والجنرال ايتانبصحبته. ورغم انتقال سكان خوزستان عبر الحدود العراقية ذهاباًواياباً بشكل تقليدي ويشتركون بروابط عائلية ويؤدون الحج المعهودالى الاضرحة في كربلاء والنجف، فان عرب خوزستان يلتبس فهمهمسواء في طهران او بغداد ،  فالوعي العربي لهذه الجالية قد تحللبسبب التزاوج الكثير مع العنصر الفارسي وهجرة الايرانيين من غيرالعرب الى المنطقة، قد قلل من النسبة العربية لاجمالي سكانخوزستان. وبسبب التأريخ السابق للتلاعب بالولاءات المحلية من قبلالبريطانيين الذين كانوا يسيطرون انذاك على حقول النفط بذل الشاهجهوداً، حثيثة للتعاون معهم او لتحييدهم.

ولا بد ان خامر صدام شعور بالارتياب في عدم انحياز عرب خوزستانالى العراق بعدما تقدمت القوات العراقية الى مناطقهم. وفي الحقيقةانهم شعروا بالخيبة جراء نكث النظام الثوري لوعوده، الا ان هذاالاحساس لم يتبلور الى درجة اعلان الانفصال. فالمسؤولون العراقيونالكبار الذين التقيتهم في 1980و 1981 خبروني بانه لم تكن لديهمالنية في تشجيع عرب خوزستان على الانفصال عن ايران او بدمجهذا الاقليم الى الاراضي العراقية، ومن الواضح ايضاً انه لم يكنهناك اي دعم جماهيري يمكن ان يعول عليه في خوزستان بالنسبةللاحتلال العراقي. فاذا ما اخذنا بنظر الاعتبار، الدمار والضراوة التيجلبها الاحتلال بمعيته، لن تنتابنا الدهشة بالكاد. بيد انه من انعدامهذا الشعور الموالي للعراق، لا يمكننا ان نفتقر الى استنتاج مفاده انالشيعة العرب في خوزستان قد انحازوا بصورة معتمدة الى منيشاركهم في المعتقد من غير العرب، لسبب واحد هو لا احد متأكد فعلامن ماهية  التعاطف المذهبي للعرب الخوزستانيين، وكم هو عدد السنةالموجودين بينهم. والسبب الآخر هو ان العرب العراقيين القاطنين هناكفي الوقت الذي وصلت فيه القوات العراقية، لربما كانوا كأقلية فيمقاطعتهم ذاتها. واسهل استنتاج يمكن التوصل اليه هو انهمانحصروا ما بين الجيش العراقي والايراني مما حدا بهم اي عربخوزستان الى محاولة ايجاد منفذ للخروج منه، ففروا تجاه هويتهمالوطنية الايرانية بدلاً من توجههم نحو عرقهم العربي. فلو حل دماربمنشآت التصدير النفطي الايرانية قدر ما حل بالعراقية، لكانالاحتلال العراقي لخوزستان له مغزاه. وبدلا عن ذلك، فان الاحتلالاعطى لطهران الفرصة لمناورة العراقيين في ارض صعبة ومعادية،ولهذا نرى ان القادة العراقيين الذين ادركوا حقيقة الامر، لم يسمح لهمصدام بتاتا بتحسين مواقعهم الا بعد فوات الاوان. اما خطأ حساباتصدام الرابع فهو يكمن في فشله بتقويم الاستجابات السوفيييةلعدوانه بصورة صحيحة فعندما بدأت الحرب، كان الاتحاد السوفييتيمجهز العراق العسكري الاساس ومن اكبر شركائه التجاريينومستشاره الفني الرئيس في الانتاج والتنقيب عن النفط. وفي الظاهران صدام افترض بان موسكو سوف تدعم تحركه، ففي الوقت الذيفشلت الطائرات العراقية في تأدية مهامها لتدمير القوة الجوية الايرانيةكان طارق عزيز يجابه الفشل في موسكو للحصول على دعم سوفييتيللحرب. لذلك اعلن المسؤولون العراقيون بانهم قد كدسوا الاسلحةوالاعتدة لضمان عدم الحاجة للتزود بالسلاح لمتطلبات حملة ربماتطول اكثر من ستة اشهر لتصل الى اثني عشر شهراً. ومع ذلك فانهملم يكونوا متوقعين تلك اللهجة القوية التي اعلمهم فيها السوفييت بانهميرتكبون خطأ فادحاً. فالحظر السوفييي الجزئي للاسلحة الذي اعقبذلك مع ما رافقه من محاولة سوفييتية للبقاء على الحياد بين بغدادوطهران، كانت مفاجئة لصدام. وهذه الممارسات السوفييتية يحتمل انعجلت بآمر التكيف العقائدي لمجلس قيادة الثورة تجاه الولاياتالمتحدة. اما اعادة التقارب اللاحق ما بين موسكو وبغداد واستئنافامدادات الاسلحة فيرجع بالاساس الى التدهور الذي اخذ سبيله بينايران والاتحاد السوفييتي، اكثر مما هو اعادة تقويم جوهرية منجانب موسكو لحكمة السياسة العراقية.

وقد ساورت حزب البعث الشكوك بالاتحاد السوفييتي على الدوام،وكان هنالك ضمن نطاق مجلس قيادة الثورة من يمثل الخط التقليديالمناوئ نسبياً للسوفييت مقارنة باولئك الذين يكنون العداوة للولاياتالمتحدة اولا. الا ان ذلك يمكن اعتباره موقفاً مرناً يمكن تغييره بسرعةلاسباب شخصية او حزبية او سوقية. وسوقيا، يعترف جميع المسؤولينالعراقيين بأهمية توازن النفوذ للقوى العظمى في المنطقة، الا ان منبين بعض هؤلاء المسؤولين من قادة ذلك الى التفاؤل الساذج وهو انهماي العراقيين سيتمكنون من اثارة موسكو ضد واشنطن والعكسبالعكس.

* مخططات المستقبل

ان كان الدين قد لعب دوراً هامشياً في القرار العراقي بخوض الحربوفي ادارة دفتها فماذا يمكن ان يقال عن دور الدين في المستقبل؟

في الحقيقة ان العقيدة الدينية سوف تنفذ داخل الاحزاب السياسيةالتي نجت من ويلات الحرب الاهلية، وسيكون مهما بالنسبة لهاالمناداة بشرعية الهجومات الايرانية الباهظة والمداومة على تبرير رفضالشروط العراقية للتسوية وان تسعى الى تمجيد التضحيات التييبذلها الشعب الايراني والتي يستوجب عليه تقديمها طالما بقي هذاالمأزق العسكري. ومن الصحيح كذلك ان العراق قد افلح في اقناعحلفائه العرب بان اي تقدم شيعي مفاجئ يحرز في الحرب معناهتهديد العوائل السنية الحاكمة ابتداء من الرياض وانتهاء بمسقط. بيدان هذا لن يغير من حقيقة الاستنتاج بان الصراع الذي يهدد دولالخليج هو ليس دينيا بالمقام الاول ولن تحسمه ايضا قوة وسلطةالولاءات الدينية او المذهبية.

وهنالك مخططان آخران يطرحان انفسهما في المستقبل القريب للحربوتأثيرها على منطقة الخليج. ويفترض كلا المخططين بان ايران لنتتمكن من اختراق الدفاعات العراقية وان العراق لن يكون قادرا علىاكراه ايران بالموافقة على التسوية من خلال حرب استنزاف ضدالاهداف المدنية السكانية والناقلات والمنشآت النفطية في الخليج. كمايفترضان ان صدام لن يتنازل طواعية وانه اذا ما مات خميني، فانخلفه لن يشعر بثقة كافية لانهاء الحرب بشروط العراق الحالية.

وهنالك مخطط بوسعنا تسميته النقلة الجيدة* والنقلة الرديئة. فالجيدوالرديء ها هنا انما هما تقويمان من المنظور العراقي بينما سيكونللآخرين تقويماتهم الخاصة بهم. ففي النقلة الجيدة سيوسع العراقباستمرار من قدرته على تصدير النفط عبر خط الانابيب التركيالموسع وعبر الخطوط الفرعية الاردنية او السعودية او من كليهما. وستبلغ العوائد من مليون الى ثلاثة  ملايين برميل يوميا بحيث ستنتفيالحاجة لمبيعات النفط السعودي والكويتية لحساب العراق، مماسيساعده ذلك في الشروع ثانية بالمشاريع التنموية التي تباطأت اوتوقفت. وما ان تبتدئ عملية سداد الديون العراقية فان الحصول علىاعتمادات للمشاريع الجديدة ستكون اسهل بكثير، ويصبح صدامقادرا على رفع جانب من التقشف المفروض على الاقتصاد المحلي،وستسير الاموال الكثيرة لكي تغدق  على الطبقة الحضرية المتوسطةمن اجل كسب وتعزيز ولائها وكذلك الحال بالنسبة لشيعة الجنوبواكراد الشمال. ويزاح الضغط الملقي على كاهل القيادة من داخلالحزب ويرتاح العسكريون من شدة العناء والمشقة، وبذا ينجو صدامسياسيا.

اما في النقلة الرديئة فان ايران قد تديم ضغطها العسكري موقعةالاصابات الجسيمة يوميا. ولا تدر بدائل خط الانابيب العراقية العوائدلتستخدم في نطاق محلي لترضي احتياجات الشعب بنمو سريع. ومما يجدر ذكره ان هنالك مؤشرات حالياً تدلل بان اياً من خطوطالانابيب الجديدة سوف يكمل السرعة التي تكهن بها المسؤولونالعراقيون، ولربما لا تتحقق بعض الخطط الطموحة للخطين السعوديوالاردني مطلقاً. وحتى عندما ستزداد سعة استيعاب خطوط الانابيبالعراقية بمستويات اعلى من سعتها الحالية، فان حكومة بغداد لربماترغب على تخصيص جميع العائدات الجديدة لسداد ديونها المتراكمةوبوجه خاص الى دولة فرنسا والاتحاد السوفييتي والبرازيل التييعتمد العراق عليهم في موارده العسكرية. وهذه الدول ولحد الآن معدائني العراق المدنيين الكبار (المانيا الغربية، اليابان، الهند، كورياالجنوبية، وبريطانيا) لا زالت صابرة ومرنة تجاه ضمان تأجيل سدادالقروض لكن هذا الصبر لا بد ان ينفذ يوما ما.

ومن المحتمل كذلك ان تزاد احباطات الضباط العراقيين. فمعركة اهوارالحويزة نجم عنها في الاقل 20 الف اصابة مقدرة في الجانبالايراني وقد بين القادة العراقيون الميدانيون، ان الاختراق البريالاولي الذي قامت به القوات الايرانية كان نتيجة خدعة مقصودة منقبل العراقيين، لان افضل وسيلة لابادة الايرانيين هي حصرهم فيمنطقة قتل لا يتمكنون فيها من الفرار. ومع ذلك فان الدليل العملييوحي بان الهجوم الايراني قد اوقع اصابات عراقية بالغة لربما تتراوحما بين 7500 الى 10000. وبالاعتبارات البشرية فان ذلك يمثل نصراًباهضاً وان كان باهرا بالنسبة لصدام، فما من قواده سيتيح تحملهاثانية. فالضباط العراقيون يعون الآن بان الاستقلالية العسكرية التيفازوا بها قد تضررت بقسوة نتيجة خسائرهم امام ايران، ولجوئهم الىاستخدام غاز الخردل كاجراء يائس وقابلية الايرانيين على ضرباهداف رئيسية على مقربة اميال قليلة من القصر الجمهوري، لا بد وانتحمل كمؤشرات على الضعف العسكري بالجانب العراقي رغم تفوقهمالساحق في القوة النارية.

ولاول مرة في تأريخية، يوضع العراق تحت مراقبة كاملة تماماً من قبلدول عظمى. ففي الستينات والسبعينات كانت محطات الاتصالالامريكية تراقب الاتصالات العسكرية العراقية من مواقع سرية في كلمن ايران وتركيا كما وان مرور الاقمار الصناعية وطائرات التجسساضافت معلومات اخرى عن انفتاح القطعات العسكرية العراقية.

وحالياً تقوم منظومة طائرات الانذار والسيطرة الجوية المحمولة(الاواكس)الامريكية المتواجدة في جنوب شرق تركيا وشمال غربالسعودية بتأمين ذلك النوع من التغطية للاراضي العراقية وهو امركان من الطبيعي ان يرفضه العسكريون في الماضي. وتزيد هذهالمراقبة من حجم التدخل الاجنبي بشكل بالغ علما بان هذه الترتيباتفي القواعد الامريكية بتركيا تفعل الامر ذاته. وخلال زيارة رئيسالوزراء التركي توركوت اوزال الى واشنطن في اوائل نيسان 1985 اثير موضوع تحريك القوات التركية وهو اهتمام تركي قديم الى شمالالعراق ثانية مع مسؤولي وزارة الدفاع الامريكية وهذا ان عكس شيئافهو يعكس المطالبة التركية التأريخية بالمنطقة الغنية بالنفط حولالموصل التي اقتطعت من السيادة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى. ومن جانب آخر فانها تعكس ايضاً الفرصة التي يراها القادةالعسكريون الاتراك في استغلال ضعف العراق العسكري وحربالعصابات المستمرة مع الاكراد.

فهم يرغبون باحتلال مساحة اوسع من الاراضي عن تلك التي اتفقعليها المسؤولون العراقيون والاتراك على معالجتها كمنطقة عملياتلمطاردة حامية ضد الاكراد. وقد كانت وقتئذ الاستجابة الامريكيةلاوزال سلبية. ولان ادارة ريغان لا ترغب بزعزعة نظام صدام او تشجععلى تقسيم البلد بيد ان المقاومة الامريكية للافكار التركية لربما تتجزأفي حالة قيامانقلاب داخلي ضد صدام او اختراق عسكري تقوم بهايران في الجنوب.

ان هذا الموقف يجعل العراق واهنا تماما كما كان حاله في عام 1958 عندما اطيح بالنظام الهاشمي للملك فيصل الثاني ورئيس الوزراءنوري السعيد من قبل الضباط العسكريين بقيادة عبد الكريم قاسم.

ففي ذلك الوقت كانت سوريا مناوئة للعراق، وعبأت القوات التركية علىالحدود واستعدت للتدخل بحجة مزعومة الا وهي اعادة الهاشمين،فالحكومتان البريطانية والامريكية لم يكن بمقدورهما انقاذ النظام اوحتى السيطرة على الاحداث المتلاحقة، الا ان التهديد السوفييتيبالتدخل حينئذ هو الذي ثنا الاتراك بالعدول عن تحركهم.

وكلما يبدو صدام اكثر ميلا تجاه الولايات المتحدة في الظروف الحالية،كثر التململ في صفوف الحزب وبين الضباط الاحداث. فبالنسبة لهملربما يرون ان الاطاحة بالرئيس هو السبيل الوحيد لانهاء التورطالعسكري مع ايران، وبذا يتحرر العراق من ربقة الاعتماد المتزايد علىالولايات المتحدة والغرب عموما ومن الدول العربية الموالية للغرب. فالوطنيون العراقيون ما اعتادوا ابدا التحمل بهذا المنوال الطويل هذاالعدد من التهديدات الحدودية القوية ولا الاعتماد على القوى الكبرىفي الذود عن حياضهم.وبينما هو من الممكن ان يلاقي انقلاب ضدصدام النجاح فانه من المستبعد جدا ان يكون شيعيا في انبثاقه اومواليا لايران في المعتقد. وسيكون قادة مثل هذا الانقلاب على الارجحمنحازين الى سوريا ولربما يتمكنون من خلال الرئيس اسد تحقيقتسوية مع ايران.

ان مثل هذا الانحياز لربما يكون مناوئا للغرب دون ان يهدد جيرانالعراق من العرب مباشرة، ولن يستدعي الحاجة الى تفكيك الحزب،ومن غير المحتمل كذلك ان تقوم دعائم نظام شيعي ملائي في بغدادعلى غرار ما موجود في طهران.اذن ما هو تأثير هذه المخططات علىدول الخليج العربية؟

قبل خمس سنوات خلت، كان هنالك دعم من اعلى المستويات فيالحزب ومجلس قيادة الثورة للمتمردين العسكريين السعوديين الذينكانوا يتآمرون لاسقاط النظام الملكي. ومنذ فترة ليست بالقصيرة قدمالعراقيون الدعم لمتمردي ظفار ضد قابوس سلطان عمان وطالبواايضاً بتنازلات اقليمية من عائلة الصباح الحاكمة في الكويت. والسياسة الرسمية لحزب البعث وكما هو معروف وقتئذ تدعو الىمعارضة اي توجه نحو الغرب من قبل مجلس التعاون الخليجي لتقديمتسهيلات قواعدية وامتيازات عسكرية على اراضي دول المجلس لايةقوة اجنبية.

ان اعتماد العراق على جيرانه العرب وفشل حربة السوقية قد دفعتبهذه السياسات جانباً، الا انه ما ان تضع الحرب اوزارها فانها علىالارجح ستعود الى الظهور ثانية.وفي الوقت ذاته، فان القوى الداخليةغير راضية عن حصتها في السلطة الاقتصادية والسياسية فيالكويت وستستمر السعودية ودول الخليج الاخرى بالتعبير عن نفسهامستغلة بذلك اية فرصة سانحة يؤمنها سير الحرب.ان التجمعاتالشيعية مع مالها من الاحزان والمعاناة الطويلة الامد جراء ممارساتعوائل المشايخ الحاكمة ليسوا هم الوحيدين في هذا الشأن بل توجدطبقة تتنامى من التجمعات السنية عانت ما عانت من المآسي الكثيرة،وهذه الطبقة تحتضن بين طياتها الشباب وحرفي المدن من ذويالثقافات العالية.وقد دفعت الممارسات القمعية للانظمة الخليجية هذهالجماعات المنشقة الى ان تعبر عن نفسها بلغة الاسلام وتجتمع فيالجوامع وتقوم بتعريف العقائد الاصولية لان البديل، هي الصيغالعلمانية للتعبير السياسي محظور عليها بشدة. وهذا لا يعنيبالضرورة ان الاصولية هي سبب الصراع في الخليج او ان الشيعةالايرانيين هم مصدر المشاكل. ان فكرة وجود تدفق متأت من الثورةالايرانية هي بالذات كنظرية الدومينو القديمة في جنوب شرق آسيا اوامريكا الوسطى. فالتهويل والتبسيط هما امران يبدو ان لاولئك الذينلا يفهمون تعقيد السياسات الداخلية وكذلك لاولئك الذين لا يرغبونبتقديم التنازلات لنقادهم المحليين.ومما يبعث على الطمأنينة لاولئكالذين يسعون للحفاظ على ما هو عليه في الخليج، ان يروا اماماعينهم ان المساعي الايرانية للتأثير او لتخريب السياسات الخليجيةكانت خرقاء وعقيمة قدر ما كانت عليه المساعي العراقية قبل عقد اوعقدين من الزمان. واذا ما كان رجال الدين الشيعة حمقى بقدر ما همعليه السنة العلمانيون، فان الصفة الدينية التي يحملونها ربما لنيكون لها اي معنى على الاطلاق.

++ استخدمت الكاتبة لكلمة stulmate بمعناها الحرفي  ( كش ملك ) المتداولة في لعبة الشطرنج ورتأينا ترجمتها بكلمة ( نقلة ) وهي حركةاللاعب للبيادق وما شابه ذلك . المترجم

* المصدر

كلود يارايتالدين والسوق في الحرب العراقيةالايرانية، مجلة العالمالثالث (لندن)، عدد تشرين اول/ 1985. ترجمة وليد خالد احمد

[email protected]

[email protected]

أحدث المقالات