كل من درس موضوع الأخلاق وعلاقتة بالدين أدرك أن هناك شيء من الضبابية يحيط بهما، و لنقارب هذا الفكر دعونا ننظر إلى مجتمعاتنا، إن الشعوب العربية تحب الحديث عن التمسك بالشرف و الأخلاق و أننا شعوب ندافع عن الشرف بالدم، فهل نستطيع تعريف الشرف؟ إذا استبعدنا الجنس من الموضوع نجد أن الشرف هو تمثل الأخلاق الحميدة في سلوكياتنا….. إذاً ما هي الأخلاق الحميدة؟
عندما أقول أني خرجت في نزهة جميلة سعدت بها أو أنني استمع للموسيقى كل يوم فلا أحد سيعتبر هذه الأفعال أخلاقاً حميدة أو حتى فاسدة، فهي من وجهة نظر الأخلاق أفعال محايدة لا حكم أخلاقي عليها.
إذا متى تدخل تصرفاتي حيز التصنيف الأخلاقي؟ الجواب هو عندما يتأثر بهذه التصرفات شخص آخر على الأقل، و هذا هو جوهر الأخلاق في الواقع أي سلوك طرق الكسب المادي أو المعنوي التي يقبلها العيش المشترك و أساسها عدم الإضرار بالغير، بكلمات أخرى هي عدم الإضرار بمصالح الغير خلال السعي لتحقيق المصالح الشخصية، و ذلك لأن هذا الغير عملياً هو الجماعة التي يعيش فيها الفرد و هي التي تحميه، أي أننا نحقق مصالحنا في البقاء بحماية غيرنا. و هذا المفهوم الفطري قد أدركته كافة الحيوانات التي تعيش في قطعان أو مجموعات عندما يكون هناك من يتهدد وجودها، و نستطيع ملاحظة ومضات من الأخلاق في قلب هذه المجتمعات الحيوانية، كما في جماعات الغوريلا حيث تعتني الأمهات بأطفال بعضها البعض لتمكين الأمهات المشغولات بالبحث عن الغذاء من البحث دون عائق.
من الجميل سماع أصوات تفصل بين الأخلاق و الدين و تقر بإمكانية وجود الأخلاق، لكن الإدعاء أنه بدون الدين فإن المنظومة الأخلاقية ستنهار تماماً هي حجة سمعتها مراراً من قبل مؤمني الشرق و الغرب على حد سواء من الآمن القول أن الكثير يعتقد بها. و القول بأن الدين و الأخلاق غير مرتبطان لكن الدين يدعو لها كلام غير دقيق تماماً و ذلك لأن جوهر الدين هو تشريع و التشريع يأمر و لا يدعو، نعم قد تكون هناك نصوص تحض على فعل شيء ما لكن يوجد في مقابله العديد من النصوص الآمرة.
و إذا ما عدنا لجوهر الأخلاق نجد لدينا نوعين منها، الأول هي الأخلاق القادمة من التعامل الاجتماعي، و هي السلوكيات التي يقبلها المجتمع كطريقة للحياة لا تضر العيش المشترك و لها مبرر اجتماعي.
و النوع الثاني هي الأخلاقيات الدينية التي قد يكون لها سبب مبرر أو لا يكون، و مثال ذلك تحريم لحم الخنزير. لكن حتى و لو كان لها سبب فإنه مرتبط بزمانه و هو ثابت بينما المجتمعات متغيرة.
لنأخذ مثال العبودية، فهي كانت ظاهرة طبيعية عند بداية الإسلام، بررها البعض بأنها ضرورة لعدم إمكانية سجن أسرى الحرب، و قد يكون ذلك صحيحاً في جزء منه لكننا بهذا الطرح نغض النظر عن كثير من تاريخنا القديم، ألم يكن مصطلح عبد أسود أو عبدة سوداء منتشراً في ذلك الوقت؟ مما يعني أنهم جاؤوا من إفريقيا فعن أي أسرى حرب نتحدث؟ ألم يكن بالإمكان بيع العبد لمالك آخر؟ هل يبرر استعباد أسير الحرب لاتقاء شره معاملته كسلعة؟ ألم يكن من بين العبيد ما يسمى بالسبايا و هم نساء الأسرى، هل استعبادهم هو لاتقاء شرهم؟ ألم يكن يحق لمالك السبية مضاجعتها متى شاء و إن ولدت منه فإن الولد هو ملك للسيد و يستطيع بيعه لمن يشاء، فهل يمكننا مد حجة اتقاء الشر إلى هذا الحد؟
لا يجادل عاقل أن حض الإسلام على تحرير الأرقاء و معاملتهم بالحسنى هو تغيير ثوري في الإنسانية يختلف عن موقف المسيحية الذي يدفع العبد لطاعة سيده ، لكن هل يكفي ذلك الآن؟
إن من يستقي أخلاقياته من الدين لن يجد أمامه ما يمنعه اليوم من اعتناق ثقافة السبايا إذ لا نص يمنع ذلك.
نستطيع النظر للأخلاق كقانون غير مكتوب، و عليه فإن محاولة تطبيق الأخلاقيات الدينية يشبه تماماً محاولة تطبيق شريعة حمورابي على مجتمعنا المعاصر، قد تكون هذه الشريعة قفزة نوعية في زمانها لكنها لم تعد تصلح لوقتنا الحاضر كلاً أو جزءً.
ربما أصبح يتوجب علينا مناقشة قواعدنا الأخلاقية من وجهة نظر تأثيرها على المجتمع و الحياة المشتركة، و يحضرني هنا مثال تناول الكحول و الذي ينظر في مجتمعاتنا لمن يشربه أنه ساقط أخلاقياً (رغم أنه من خبرتي الشخصية تبين لي أن الكثير ممن يعيب على غيره الشرب يمارسه سراً في منزله أو دائرته الخاصة)، في اليابان مثلاً لا يحتقرون السكير، فهم ينظرون إلى أنه يمارس حريته الخاصة، لكنهم لا يتسامحون أبداً مع من يسكر و يقود السيارة أو حتى يزعج الناس في الشارع. و أيضاً في الولايات المتحدة، إذ يعتبرون مجرد وضع الشخص السكران مفتاح السيارة في ثقبه و لو لم يشغلها مخالفة يسجن بسببها.
و بهذا أخلص للقول أن الأخلاقيات الدينية هي مثل صورة التقطت في زمن ما، قد تكون جميلة أو رائعة لكنها ثابتة، بينما على الأخلاق أن تكون محركة مثل فيلم سينمائي عنوانه ما ينفع و يضر المجتمع.