الدول أما أن تتكامل وتتكافل أو أنها تتناقص وتتعاضل , وحتى في الجراثيم هناك سلوكيات تكاملية وتناقصية , فمثلا هناك العديد من أنواع الجراثيم التي تعيش داخل أبداننا في تواؤم وتكافل وتبادل منفعة , وما أن نهاجم أي صنف منها بالمضادات الحيوية فأن الأنواع الأخرى تتنامى وتتشرس وتتحذر من العدوان فتصيبنا بأضرار , لغياب عنصر التوازن والتآلف الذي كان قائما وحارسا لأي سلوك منحرف أو مضطرب.
وهذا قانون بقاء يتحكم بالعديد من الموجودات الأرضية وربما الكونية قاطبة , وبعض البشر يدركه والكثير منهم يجهله ولا يعرف آليات التعامل به والحفاظ على قوته وبقائه.
وفي عالمنا العربي نعيش أمية تكاملية وغيبوبة تكافلية فادحة النتائج والتداعيات , فالدول العربية برغم ما فيها من عناصر ومرتكزات التكامل والتكافل فأنها تتخذ سبل التناقص والإضعاف البقائي الفتاك , فلو نظرنا إلى ثروة النفط وكيف تم توظيفها لتبين لنا بوضوح دامغ مناهج التناقص والهوان والخسران , التي تسلكها دول العرب وتمعن في شراستها العدوانية على بعضها , وتأبى التكامل والتفاعل الإيجابي وتبادل المنفعة والإعتصام بالمصالح المشتركة والهدف النافع للجميع.
فالتكامل العربي ممنوع ومن المحرمات السلوكية , ولا يمكنه أن يتحقق مهما توهم العرب وكتبوا وفكروا , لأن فيه تأثير خطير على مصالح وتطلعات عاصفة في المنطقة العربية منذ نهاية النصف الأول من القرن العشرين , وسيُجنى أوكلها في العقود القليلة القادمة , بعد أن تُقرأ الفاتحة على أمة العرب.
فعندما تتساءل لماذا لا يتكامل العرب , يكون الجواب لأن العرب محكومون بغير العرب , محكومون بمن يبدون كعرب وما هم في دخيلتهم وأنفسهم ورؤاهم بعرب , وإنما هم من أمم أخرى وأصحاب أجندات غير عربية , ووجودهم مرهون بالتنفيذ , وإن حاد الواحد منهم عن جادة الأمر بتحقيق المصالح والأهداف فأنه سيُلقى في سعير الذل والهوان وبأسرع ما يتصور , مهما توهم بأنه قوي وصاحب قدرة على التعبير عن مشروع عربي أصيل.
ولهذا فأن العدوانية قائمة ما بين الحاكم والعربي المحكوم , لتعزيز إنتماء الحاكم إلى مَن يمده بوسائل البقاء في الحكم , ويأسّده على الشعب المُبتلى به والمُستعبد بكرسية , وبأدواته القمعية الشرسة التي تمعن بإستلاب وجوده ومصادرة حقوقه , والقوى المدعية بحقوق الإنسان تغض ألف طرف وطرف عنه , لأنه عاملها الأمين , ويدها التي تنفذ الأوامر بأقسى وأبرع ما يكون عليه التنفيذ.
ولن تتحقق المصالحة بين أنظمة الحكم والشعب , لأن في ذلك تعارض مع المصالح وإعتداء سافر على الثوابت والمتطلبات اللازمة لتأمين الأهداف , وتطوير المشاريع وإستلاب الثروات والقدرات , وتعميم الجهل والأمية والإنحرافات السلوكية القاضية بتصارع الأخوان وتناقص الأعوان.
ولهذا تجد الأنظمة العربية تهرع إلى غيرها وتستعين بها على أخيها العربي , كما حصل في العراق واليمن وليبيا وسوريا , ودول أخرى تريد أن يكون لها دور وشأن في تقرير المصير العربي وبناء الحاضر الأفضل والمستقبل الأجمل.
وتلك حقائق مرعبة على الأجيال أن تدركها لكي تلد من بينها مَن فيه قدرات التنوير والتطوير والتحرر من أصفادها الثقيلة المتراكمة.
والمشكلة المعضلة أن العرب فيهم من الإستعدادات السلبية ما لا يتوفر عند غيرهم من أمم الأرض التي تدين بمصالحها الوطنية !!