22 ديسمبر، 2024 7:01 م

الخندقة البشرية… وتكتيكاتها الإستراتيجية !!!

الخندقة البشرية… وتكتيكاتها الإستراتيجية !!!

الخندقة البشرية” لا زلنا نراها تتمتع بدلالات سلبية… لظننا إياها غير مترابطة بالحق والصدق.. ومتشابكة بالبراغماتية والسلوكيات المتلاعبة والمعارضة للنزاهة والحرية… ومتمحورة لنا في تكتيكها الشهير “التشمس في أشعة مجد شخص آخر” !!!
إن الاستراتيجيات وتكتيكات التقديم الخندقي الذاتي تتمثل تنظيماتها في صعوبات كبيرة لأن منطق تحديدها يعتمد بشكل مباشر على المواقف النظرية للدراسات، ويرتبط مفهومها أولاً وقبل كل شيء بأساس الرغبة في التوسع والحفاظ على النفوذ في العلاقات الشخصية أي الرغبة في السلطة، وعلى هذا الأساس نميز خمسة إستراتيجيات كل منها يهدف بتخندق إلى الحصول على نوع معين من القوة، بدءا من اولها وهي إستراتيجية محاولة الإرضاء أو الحصول على موقع يلزم الآخرين بأن يكونوا لطفاء ودودين وبالتالي تتحقق قوة السحر، وان الهدف الرئيسي منها هو إعطاء انطباع إيجابي عن الشريك لتبدو له افكارنا جذابة وسحره بسحرها، ولهذا الغرض يمكن استخدام مجموعة متنوعة من التكتيكات كالتعبير عن التعاطف مع الشريك والمجاملات والإطراء المقنع والنظرات الودية وإيماءات الرأس والابتسامات الودية، كما تعتمد على محاولة ضروسة لخلق مظهر مشابه للشريك للاتصال عبره واكتساب موقعه الخندقي بمحاولته لان يبدو مشابهاً للغاية لشريكه وسيحاول بالتأكيد إجراء تقييمات ووجهات نظر مماثلة حول أحداث أو حقائق محددة وسيُظهر تشابه الأذواق في الأعمال الفنية والإدمان على الطعام وفي الأماكن المفضلة للترفيه والهوايات والرياضة المفضلة الشائعة والفرق والرياضيين وحتى الممثلين والأداء، كما ويستخدم جميع الوسائل المتاحة كالنظام الغذائي الأكثر صرامة ودروس منتظمة في صالات رياضية ونوادي اللياقة البدنية وصالونات التجميل وصالونات الدباغة كما لا يفوتنا إن نذكر كيف أصبحت الجراحة التجميلية للتشبه بشكل الشريك من العمليات الأكثر شيوعًا.
إما الإستراتيجية الخندقية الثانية فتعرف بالترويج الذاتي من قبل شخص مختص يتم تنفيذها باستخدام تكتيكات مظاهر الكفاءة لذلك يشعر فيه الشخص بأنه مؤهل حقًا ويتم توجيه محادثة مع شريك بمهارة في الاتجاه الصحيح ودعمها بحجج وحقائق مختارة جيدًا تجعله يتعرف على كفاءته واستخدام مكان اجتماع لهذا الغرض كما يجب أن يؤكد اختيار المكان على كرامة الفرد وسلطته فإذا كان الشريك رياضياً مشهوراً فسيختار بالتأكيد منشأة رياضية للاجتماع حيث سيشعر بالثقة الكافية وإذا كان مولعا بالفن سيكون مكان الاجتماع مسرحًا ومتحفًا ومعرضًا فنيًا وهكذا دواليك، ولأظهار بيانات الكفاءة لان بعض الأشخاص ليسوا واثقين جدًا من قدرتهم على الإقناع الفوري بكفاءتهم فلذا يقومون بتخزين مجموعة من خطابات التوصية التي تحدد مزاياهم ويحاولون حث الآخرين على معرفة إنجازاتهم بأستخدام سمات الكفاءة وإن الشخص الذي يسعى جاهداً للظهور بمظهر مؤهل في نظر شخص آخر يستخدم بنشاط ترسانة كاملة من سمات الكفاءة ويتسم تقويم العمل الخاص به بالعديد من السجلات وجميع أنواع الاتصالات التي تدق باستمرار وجميع تفاصيل نموذج العمل كي لا تترك لدى أحداً حتى أدنى شك في أنه رجل أعمال ذو كفاءة عالية، ومثل تلك التكتيكات غالبا ما تحقق نتائج ملموسة.
وفي استراتيجيتنا الخندقية الثالثة نجد إن التخويف او مظاهر القوة هي التي تلزم الآخرين بالطاعة وتحقيق قوة العمل ونجاحه عبر الخوف ويُظهر الساسة باستمرار أنماط التعبير عن الذات القائمة بوضوح على التخويف والعدوان ومع ذلك فهم بحاجه إلى دروس في التواصل وأن السبب في هجماته العدوانية هو عدم القدرة على التواصل، وتبين أن عدم البناء الواضح في هذه الحالة هو استراتيجية تقديم ذاتي واعية تمامًا وكل شيء يتحدد بالهدف الذي حدده لنفسه فلا يكون الهدف هو الاتفاق وليس حل المشكلة ولكن التركيز على جلب وتوفير انتباه الآخرين لإظهار نفسه كشخص يمكنه أن يبرز من دائرة السياسيين المحترمين لاجتذاب مؤيدين جدد يتشاركون بآرائه، وان الغرض من تقديم الذات هو تحديد العلامات اللفظية والوسائل غير اللفظية كتقنيات تكتيكية، وكلما كان الشخص أقل ثقة في نفسه وفي قدراته كلما حالت مشاعره العدوانية من تفوقه وادت إلى احباطه وافشاله ولذا يجب إن ندرك انه غالبًا ما يكون الفائز هو الذي يتمكن من إثارة خوف الخصم من هزيمة محتملة حتى قبل الاتصال الأول.
إما استراتيجياتنا الخندقية الرابعة فترتكز على التوضيح بالقدوة واقناع شريك التواصل في مكانته وقدراته الاجتماعية العالية وهي بذلك تساعد على تحقيق قوة الارشاد ومن بين العديد من التكتيكات المستخدمة لتحقيق هذا الهدف فإن الأكثر فعالية أن تستند آلية التصور الاجتماعي على علامات موضوعية وعلامات التفوق بالملابس وطريقة الكلام والسلوك ولكن نظرًا لأن التقديم الذاتي هو إدارة انطباع الشريك فإن الشيء الرئيسي هو أن هذه العلامات المرئية حقًا والمهجنة فلن تؤثر كملابس الشباب العصرية على الآخرين إلا إذا شوهدت على خلفية أشخاص آخرين يرتدون ملابس غير عصرية، وحينما ما يقوم طالب وهو يستعد للامتحان بأفتعال رابطًا صارمًا مع زميل ما ويسعى لذلك عبر أرتداء ملابس افخم بمحاولة ليقلل من وضع زميله ويعطي نفسه ألشكل الأفضل فهنا يأتي دور الأستاذ الذي ذهب إلى نفس الامتحان مرتديا سروالاً وسترة في محاولة جدوى منه وبذات الطريقة في عرض نفسه للحد من خطأ التميز وإضعافه من أجل تحسين التفاعل مع الطلاب وبينهم.ولذلك يعد التفوق الذاتي مهمًا جدًا للأشخاص الذين تتضمن مهنتهم التواصل المهني في مجال الأعمال وهم يدركون لكنهم أنفسهم لا يستطيعون دائمًا حل مشكلة تحقيق النجاح، ولهذا السبب يوجد في العديد من البلدان شركات استشارية متخصصة في تنظيم العرض الشخصي للشخص المناسب فيعتمد عملهم على معرفة كيف يتصرف في الظروف المحددة لجماعة اجتماعية معينة وكيف يتم تمثيل ممثلي المجموعات الأخرى وكيف ينبغي أن ينظروا ويفعلوا من أجل أن تكون أنشطتهم فعالة ومع ذلك إذا كان إظهار التفوق بمساعدة الملابس أمرًا بسيطًا جدًا كما ذكرنا مسبقا إلا إن إظهار التفوق في طريقة السلوك والكلام يكون أكثر صعوبة، وكعلامة على تفوق الشخص وكفاءته يبرز استقلال الرأي ووجهة النظر المنطقية والمفردات الغنية والقدرة على بناء العبارات والاسترخاء لا الغرور الذي يقف وراء ثقة الشخص في نفسه وإن القدرة على التأكيد على تفوق الفرد بطريقة السلوك هي علامة على قدرة الفرد الاستثنائية والتي يمكن أن تجبر المحاور على إدراك تفوقها في عملية الاتصال وجعله يتعرف على دور الشخص وشخصيته. كما وسيتم الانتباه والاهتمام في تزيين الأمتعة الخاصة تدل عبر تكتيكات الاستهلاك المهدر والتي تبدو متشابهة المعنى في مختلف ارجاء العالم وخلاف ذلك يمكنه أن يسقط من دائرته ويفقد هالة التفوق، كما وتسمى أحد التكتيكات الشائعة “بالتشمس في أشعة مجد شخص آخر” وذلك عبر اللجوء إليها ليوضحوا للناس أنهم مرتبطون بطريقة أو بأخرى بشخصيات مرموقة وجذابة وحقيقية تتمتع بوضع أو قوة على أمل أن يعزز ذلك من جاذبيتها الشخصية في عيون الآخرين والعمل على قطع الفشل المنعكس بأن ينأوا بأنفسهم عن الأشخاص ذوي المكانة الفاشلة. ولم تنته تلك التكتيكات الإستراتيجية إذ هناك تكتيك شائع آخر يتمثل في التأكيد على موقف الفرد المهيمن من خلال السلوك غير اللفظي في الموقف والإيماءات وموقف هؤلاء الناس يكون مندفعا لابراز مكانتهم العالية وفي المحادثة لا يكادون يستمعون إلى المحاور وبدون ظل الإحراج يشغلون أفضل المقاعد المرموقة في القاعة فالشيء الرئيس هو أن الجميع مقتنعين بأنهم حاضرين للتأكيد بزيف وبلا حدود على أهمية ذلك الحدث مهما كانت طبيعته وقيمته الفعلية.
واخيرا نذكر إستراتيجية الخندقة الخماسية والمتعلقة في الشعوب العربية بلا منازع وهي إستراتيجية الدعاء المتمحورة حول الضعف وطلب الرحمة، وهي في كل حال ليست اختيار دائما من قبل الناس الضعفاء حقا إذ وفي أغلب الأحيان يتم اللجوء إليها في الحالات التي لا تعطي فيها المواجهة المفتوحة التأثير المطلوب بسبب الميزة الواضحة للخصم ولكنها تستخدم لإيقاف يقظته وجعله متسامحًا واحيانا يمكن لها أن تحقق أرباحًا أكبر بكثير من نتائج الاستراتيجيات السابقة عبر التكتيك والتركيز على الضعف الجسدي، كما ويلجأ الناس عبرها إلى التأكيد على عدم أهميتهم عبر إنهم لا يعبرون عن آرائهم بشأن القضايا التي تتم مناقشتها ويتفقون مع جميع المتطلبات الخاصة بهم ويظهرون الإهمال المفرط ويحاولون التأكيد عليهم بشكل غير مرئي وغالبًا ما تعبر تعبيرات وجههم عن المعاناة ولا تجف الدموع في أعينهم من أجلها أو بدونها وبكلمة واحدة يجب على الجميع أن يروا أن الشخص يعاني وبالتالي فإنه من الضروري أن يظهروا تعاطف وتجاوب معه.
هذه القائمة لا تستنفد المجموعة الكاملة لاستراتيجيات وتكتيكات الخندقة الذاتية لكن كل منهم يفرض على الآخرين طريقة معينة في السلوك وينبغي ملاحظة إن عبارة “الخندقة الذاتية” حتى الآن لها دلالة سلبية لانها لا زالت غير مرتبطة بالصدق ونراها مترابطة بالبراغماتية والسلوك المتلاعب ومعارضة النزاهة والدين ومع ذلك فأنها مهارة تواصلية ضرورية تتجلى في مجموعة واسعة من المواقف الاجتماعية أي كقيمة إيجابية تمحي الخجل والقلق الاجتماعي والعجز واستبدالهم بالقدرة على إدارة الانطباع، وان تحليل العرض الذاتي ذو صلة وارتباط بالكشف الذاتي في الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والإيديولوجي المعقد إلى حد ما وتزايد متطلبات الإدارة على جميع المستويات الانطباعية على الرغم من أنها تنتمي مباشرة إلى الظواهر الاجتماعية والنفسية الفعلية لكنها ترتبط أيضًا بشكل مباشر بالقدرة على تنظيم الأعمال للقيام بتنفيذ إستراتيجية محددة في التواصل، وعبرها يمكن أن يسهم التطوير النظري لمشاكل الإفصاح عن الذات والتعرف الشخصي في التواصل والاستخدام العملي للنتائج التي تم الحصول عليها بشكل نشط في حل المشكلات الاستثنائية التي تنشأ في عملية تحديث حياة مجتمعنا.