عندما تقرأ في كتاب تأريخ الخلفاء تبحث في الفترة العباسية , تجد نفسك أمام حالة لا تتوافق وبديهيات السلوك وطبائع البشر , خصوصا في الفترة التي ضعفت فيها إرادة السلطان وتحكم بمصيره الآخرون من الحواشي والأعوان.
خليفة يُقتَلْ وآخر يُخلع وغيرهما يتسلم الخلافة , والواحد منهم دون العشرين أو الثلاثين من العمر , وهو يقتلُ في الصباح ويأكل ويشرب ويسرح ويمرح ويعاقر ويفعل ما يفعل عند المساء , ولا تجدنا أمام بشر من دم ولحم ومشاعر وعواطف , وإنما كتب التأريخ تقدم لنا الخلفاء على أنهم روبوتات تتحرك وفقا لإرادة الفاعلين فيها والقابضين على مصيرها.
خليفة صبي , ماذا يعرف من أصول القيادة والحكم , وكيف يمكنه أن يدير إمبراطورية شاسعة الأطراف , وهو يجلس في قصر مزدحم بالجواري والغلمان وما لذ وطاب من المغريات والملهيات!!
فيقولون أنه أمر بقتل ولي عهده , وفعل كذا وكذا , وفي ذات الوقت يدّعون أنه مسرف في الأكل والشرب ومواقعة الجواري والغلمان!!
فكيف بربكم ستبقى عنده قوة وقدرة على الكلام؟!!
خليفة كالديك أو كالكبش وسط القطيع , ماذا تتوقع منه أن يفعل وكيف يقود؟
ربما معظم الخلفاء لم يحكموا وإنما كانت شهواتهم تتحكم بهم , وتستنزف قواهم وطاقاتهم الجسمية والفكرية وتستهلك وقتهم وجهدهم , والذين يهيمنون هم الذين يتخذونهم قناعا أو دريئة من خلفها يحكمون.
تلك حقيقة يبتعد المؤرخون عن الغوص فيها وتسليط الأضواء عليها , ويميلون إلى تكرار الأكاذيب وتعزيز التصورات المناهضة لواقع الحياة في أزمانهم.
فكيف لرجل منهمك بالنكاح والملذات والشهوات أن يحكم؟
علينا أن نقرأ التأريخ بعيون نفسية وسلوكية لكي نرى الحقيقة بوضوح!!