“يس يم يس” , ” إلى الوراء در” , إلى الأمام سر” , والحقيقة أن واقعنا إستلطف المراوحة في ذات المكان , وآمن بأن الأرض لا تدور , ولابد من الإستكانة في بقعة زمنية ما وعدم مبارحتها , لأنها صارت مقدسة , ومن الكفر القفز عليها وتجاوزها.
عالمنا المعاصر ورائي بإمتياز , لا يعرف ما حوله وما أمامه , بل الإندساس في حفرة التضليل والتدجيل والعيش في بئر الويلات والتداعيات المطلوبة للفوز بجنات النعيم.
والخرافة تؤسس لمناهج تفكيرنا وترسم رؤانا وتصوراتنا , وكأننا لا نزال في عصور ما قبل التأريخ , فما فينا لا يوحي بأننا أبناء زماننا ومكاننا , ولا نقترب من مفردات وتفاعلات القرن الحادي والعشرين , وما أسهل وأسرع تصديقنا وإيماننا بالخرافات، أما التفكير العلمي والقول المنطقي المعقول الموضوعي الأدلة والبراهين فهو عدونا الأكبر , ونتهم أصحابه بالجنون أو الخروج عن صراط الأمة , وسعيها الحثيث للتعبير عن إرادة رب العالمين.
الوصاية المعرفية تهيمن علينا , ولابد لنا أن نقيس ونسند الخرافة بخرافة قبلها , وأن يكون قولنا مرسلا مسهبا مبهما , ولا نريد القول الحصيف والكلام النقدي الدقيق الواعي الخالي من الإدعاءات الفارغة.
ونجد وسائل الإعلام والتواصل المعاصرة في ذروة نشرها ما يعزز التمسك بالخرافات والأضاليل , وتدجين الناس ورصفهم في ميادين القطيع , لتأمين إرادة السمع والطاعة , وعدم التساؤل والنظر بعقل متفحص جريئ , لأن الجرأة كفر وزندقة , وكل من إدّعى الدين لابد من تكليله بالقدسية , وأنه لا ينطق عن الهوى , فيمارس دين هواه , ونحن تبّع قبّع خدّع.
في عالمنا الخرافي هناك ثوابت مقدسة , ومسلمات مطلقة لا يجوز الإقتراب منها , بل علينا أن نؤمن بها , ولا نعترف بدوران الأرض وبالتغيير , فالنسبي ممنوع , وكل شيئ يبقى كما كان , ودعنا من أدعياء التفكير العلمي النقدي , فهم من المشاغبين المعادين لإعتصام الأمة بحبل الدين المتين.
فلا تأتي بأدلة وبراهين موضوعية فهي من البهتان , ولا تكن دقيقا وواضحا وعلميا , لأنك تخاطبنا بلسان الشيطان , وإياك أن تستحضر المعارف العلمية وتحاجج ذوي العاهات الإدراكية الغاطسين في ظلمات , كان وقال.
أيها المجرم والعدو الفتاك إبتعد عن صراط إستعبادنا للناس , فنحن أدرى بتجارتنا وتسويق بضائعنا , التي تدر علينا ما تشتهي نفوسنا المؤمنة , يا أيها المتأبلس الرجيم!!