ترتسم المشاهد امامه وهو يستخرج بعض الكتب من مكتبته الكبيرة، لم تعد لها اهمية بقدر الذكريات التي تصحبها، هذا الكتاب اقتنيته بصحبة الشاعر الفلاني، وذاك الكتاب اقتنيته وقد كنا في جولة انا والروائي الفلاني، وهكذا راح يعدد الاسماء والذكريات، بعض الاحيان يقف فذاكرته لاتسعفه وتبقى المناسبة مجهولة لديه، رسم لكل مرحلة عمرية طقوسها، وماذا نهل منها وماذا اعطاها، مجموعات شعرية وكتب نقدية مختلفة، المتنبي ياصديقي يكفيك انك تحتل رفوف مكتبتي منذ زمن طويل، وانت يابشار والاعمال الروائية التي كتبت بلغة كان يعتقد اصحابها انهم اكتشفوا شيئا كبيرا، فراحوا يخلطون التراث بالمعاصرة مع اختلاف في تناول اللغة للدلالة على العصور المختلفة، وهم يسطرون حداثة من نوع خاص، انا لم افهم حداثة الرواية حتى الآن، فالرواية جنس ادبي جديد، الا اذا اراد البعض ان يضع كتب الاسمار والسير الذاتية موضعا يدعي انها جذور للرواية، فهمت الحداثة الشعرية على يد نماذجها في العراق وسوريا ومصر، وقد برر الشعراء وفسروا الانتقالة الشعرية الكبيرة، حيث خلقوا مناخا لتذوق الجديد بعد ان اعتادت الذائقة العربية على العمودي لعصور طويلة، فاعطوا نموذجا متفوقا، لكن في الفن الروائي لم يزل الامر لايعدو المحاولة.
ساجمع روايات اصدقائي التي تهدى لي في مكان آخر، هنالك البعض منها لم اقرأه حتى الآن، زحام الكتب واكتظاظها خلف لدي مزاجا بعدم الاقتراب من المكتبة، كان لمجلة شعر اليد الطولى بتعريف الناس بالفن الشعري الحديث، وعلى المتخصصين ان يهتموا الآن بالرواية علها تسلك سلوك الشعر فتظهر لدينا حركة حداثوية روائية، بدل هذا الاسفاف والتندر وتقليد الغرب بالفنطازيا والغرائبية، مع العلم ان عالمنا مذهل ويتحمل الكثير من الف ليلة وليلة التي راح الاوربيون يقلدونها، نعج بالتراث المكتوب، شخصيات كبيرة وعملاقة لم تتناولها الرواية، افكار وحركات سياسية ودينية عديدة، مراكز فكر تركت اطنانا من المجلدات، تناولها الشعر بحياء كبير، مع تخلصه من قيوده لكنه على يد السياب ظل يراوح في اعتماد المواضيع الحياتية الآنية، وهذا سببه الخوف في الوقوع بشرك الملحمية، والعودة الى طفولة العقل البشري، ومع هذا شاهدنا الاسطورة حاضرة شعريا، كم واحد من الكتاب تناول المتنبي او ابا نؤاس او الحلاج او القرامطة او الشيعة او سواهم من الفرق والشخصيات في عمل روائي حداثي، لم يفعل احد وبقينا نفاخر بالف ليلة وليلة، ولم نحاول استنساخ روح التجربة.
شغلنا بالكتابة عن الوطن بشكل سطحي، ولم نستطع التعريف بحضارتنا العريقة، لم تكن ملحمة كاكامش حاضرة في عقولنا لولا طه باقر، اما سرجون وحمورابي واضع القانون وآشور بانيبال ، فهذه اسماء نقرأها في تاريخ المدارس وينتهي الامر، هل كانت روما وباريس وسواها من المدن العريقة محض تاريخ يقرأ، ام انها دخلت عالم الرواية واستطاع الفن بمالديه من وسائل ان يضع الحقائق التاريخية بشكل مغاير امام المتتبع، الفن يستطيع ان يرسخ الكثير من المفاهيم بطرق اكثر مقبولية، لو اعدنا كتابة التاريخ فنيا ماذا سيحدث، سنعرف العالم اجمع بما لدينا من بضاعة، ونخلصه من وضعنا في آخر القائمة، مع ان التراث العربي يعتمد بالدرجة الاساس على الحكاية، ووصلتنا مجلدات ضخمة سجلت الوقائع كما هي ولم تعالجها فنيا، على غفلة طرق الباب، انه صديقه الروائي المعروف، فرصة طيبة ان تدخل معي الى المكتبة علك تجد مايذكرك بي او مايذكرني بك، لقد كنت في حوار مع الذات بشأن حداثة الرواية، وانا اخرج بعض الكتب رغم ارادتي خارج رفوف المكتبة، لم تعد للكتب اهمية في عالم الانترنيت، لكنني اعتدت على قراءة المطبوعات، اجد صعوبة في قراءة الشاشة مع متعة قليلة مقارنة مع قراءة المطبوع، هذا لانك اعتدت العيش مع المطبوعات، يوميا كنت تقرأ عدد الجريدة كاملا بصفتك رئيس تحريرها.لم اعد رئيسا لاي شيء، لا للتحرير ولالغيره، اعتزلت هنا حتى بدون راتب تقاعدي معتمدا على المدخرات التي لدي، انت مشارك مع البعض دفعتم ثمن حقبة سياسية كاملة، لم تكونوا سببا في قيامها ولستم من ابطالها حتى، لكنكم تسلمتم دورا مهما فيها، كنتم تمتلكون الكلمة او على الاقل تنقلونها، وهل مهمة نقل الكلمة يسيرة بنظرك، للتو كنت اتكلم مع نفسي عن استخدام الفن مع التراث للخروج بمنجز حداثي، لقد كنت احرص ان اخرج الجريدة بشكل فني عدا الصفحة الاولى التي كانت محجوزة وانت تعرف لمن! ليس ذنبي ان تتشوه الصفحة بصورة او بموقف، الم تراجع معي اعداد الجريدة في صفحاتها الثقافية وفي شؤون الناس وسواها، هل الجريدة صفحة واحدة، يا اخي انها جريدة الحزب الحاكم، مجرد العمل بها يعني الكثير، الآن الكثير من الاحزاب الطارئة تمتلك اكثر من صحيفة واكثر من فضائية، وهي تهرج لمؤسسيها، لماذا لانربط هذا بذاك بالرغم من ان القناة الاولى في ذلك الوقت لم تكن للحزب فقط كما هو الآن والصحيفة كذلك، الآن من مميزات الصحافة الكذب المفضوح، كن كاذبا تكن صحفيا مشهورا، في ذلك الوقت كان للرقابة دور كبير، والكذب على الاقل كان باتجاه واحد، دعنا من هذا الكلام فانه لايودي ولايجيب، ستصدر روايتي الجديدة، الحمقى لايرقصون، اردتك ان ان تكون اول من يقرأها، وتعطيني رأيك كما عهدتك بلا مجاملة، سأعطيك رأيي بهؤلاء الحمقى اولا، وبعدها نذهب الى الرقص معا، ضحك الاثنان وغادرا المكتبة.