جوهر التداعيات العاصفة في الواقع العربي فقدان آليات الحلول للمشاكل , فالساسة العرب يجهلون الحلول ولا يفهمون بمهاراتها وقوانينها ومعادلاتها ومنطلقاتها المعاصرة , ما يعرفونه أنهم يولدون المشاكل ويعوقون الحلول.
وهذا السلوك ينطبق على معظم الحكومات العربية منذ تأسيسها وحتى اليوم , ولهذا تفاقمت المشاكل وتشابكت وتعقدت , ذلك أن العقلية ذات آليات إنعكاسية وتفاعلات غابية لا تمت بصلة للعصر , وإنما القوة التي تمسك بعنق السلطة تتحول إلى وحش كاسر , والجالس على الكرسي يتقلد سيفه ويضع النطع أمامه ويبدأ بقطع الرؤوس لكي يؤكد أنه القائد المقدام والفارس الهمام , ولا رأي يعلو على رأيه الأريب.
فعقلية حل المشكلة غائبة تماما وغير متصورة في الواقع السياسي العربي , والعلة تكمن في أن التعليم المدرسي والبيتي والإجتماعي والديني وغيره لا يعطي هذا السلوك أي أهمية , فلم يتعلم الإنسان ومنذ طفولته كيف يجد حلا للمشكلة التي تواجهه إلا بأساليب أولية عتيقة وبالية , وخلاصتها العُراك والعدوان وإطلاق أشواك أمّارة السوء.
بينما المجتمعات الأخرى تعلم أبناءها كيفيات إبتكار الحلول للمشاكل التي تواجهها وكيفيات التصدي للتحديات , وبهذا يتم إعمال العقل وإستنفار قدراته الإبداعية , وتعلم ترصيد الحلول في بنوك الذاكرة والوعي الفردي والجمعي.
ومن الأمثلة على سلوك إيجاد الحلول , أن الرئيس الأمريكي أوباما عندما شغل منصبه وجد نفسه أمام معضلة إقتصادية كبيرة , فبدأ بإستنفار وإستحضار آليات الحلول الممكنة للتصدي لها وتجاوزها , وبتفاعل العقول الباحثة عن الحل الأصلح , تمكن من الإنتصار عليها وتجاوزها.
وفي دول أوربا كذلك , تجد العقول السياسية تجتهد بالحلول , أما في دولنا فالكراسي من أكثر كراسي الدنيا إنتاجا للمشاكل وتعويقا للحلول , والعلة تكمن في أن الدول المتقدمة تحكم بمهارات الوصول إلى الحلول المجدية النافعة , والدول المتأخرة تحكم بمهارات توليد المشاكل وتعقيدها , والجد والإجتهاد في تفاقمها , لأنها الوسيلة اللازمة لإلهاء الشعب وإطلاق بد الحكومة لتحقيق مشاريعها في النهب والسلب والفساد وسرقة ثروات الشعب وحقوقه.
فلو نظرنا إلى حكومة كالتي بدأت في العراق منذ ألفين وثلاثة , لوجدنا أنها فشلت في حل أبسط المشاكل , ونجحت وبإمتياز في توليد أفظع المشكلات وتأجيج الصراعات , وإلهاء الناس بالحاجات الأساسية , وكبلتهم بالحرمان من الكهرباء , وهي تبدع بمهارات الفساد والإفساد والتضليل , ولا يزال حبل توليد المشاكل على الجرار.
وهذا مثل صريح على أن العقلية السياسية في دولنا تقتقد مهارات إيجاد الحلول , وتتمادى في الإستثمار بالمشاكل لكي تبقى في الحكم لفترة أطول تمكنها من الإستحواذ الأكبر على حقوق الآخرين.
ولهذا فأن الحياة لن تكون أفضل ما دامت قدرات إيجاد الحلول مفقودة أو مغيبة ومحذورة , إذ لا يُعقل أن مجتمعا فيه طوابير من العقول المهنية والعلمية المتميزة ويعجز عن حل مشكلة كالكهرباء , أو النقل وغيرها من التحديات الأساسية التي تجاوزتها معظم الشعوب.
وعليه فالتفسير الأصوب أن المشكلة وسيلة للحكم في دولنا المبتلاة بالمسيطرين على كراسي السلطة والحكم وتقرير مصير الناس دون حق قانوني أو أخلاقي , ولهذا فأنهم يكبلون الناس بأنواع المشاكل , ويتصومعون في قصورهم ومناطقهم , وهم يأكلون الذهب والناس يتحسرون ويضرسون , وينطبخون في أوعية الضغط العالي , فيحققون إنفجارا مدويا , يتم إخماده بمتوالية إنفجارات تدميرية وترويعية , وليتلذذ المطبوخ بوجيع الفوران ويستلطف الحياة في مواقد االحرمان والحسرات والأنين!!
فهل من قدرات حلّ؟!!