الحضور الحاشد لتيار الحكيم وسط بغداد،استقبالاً للعام الهجري الجديد و “طف الحسين” حمل رسائل عديدة من حيث التوقيت والروى.
فالحكيم الذي عاش غريباً عن فهم أكثر مقربيه أفكاره ورؤاه،فيما يتعلق بإدارة الدولة العراقية بعد تغيير النظام عام (2003 ).
فضلاً عن الضغوطات والإرادات الوافدة عبر الحدود،التي عملت على تصديع العلاقات تارة مع الجمهور وتارة مع القوى الفاعلة في المشهد العراقي.
يطل الحكيم اليوم على المشهد بقوة،مرتكزاً على فهم “القوة المجتمعية” للمصلحة العراقية الحقيقية،وتالية مستلهماً رؤية المرجعية الدينية العليا في تأصيل نموذج “الدولة المدنية” التي تصان بها الكرامات وتحترم فيها عقائد المجتمع.
هاتان الركيزتان هما “المعجزة المفقودة” التي بواسطتها يمكن للعراق أن يرسو عن طريقهما بر الأمان،ويتخلص من حجم الخراب والدمار التي لحقت به بفعل السياسات السابقة.
فالعراق الذي قدره متعدد القوميات والمذاهب،لا يمكن لجهة واحدة أن تديره منفردة،مهما طغت وتجبرت،بدليل أن أجرام وطغيان “صدام والبعث” على شدتهما،عجزا عن فرض الدكتاتورية كنظام مطلق،لينهار بعد أربعة عقود من أدارة الدولة العراقية.
الحكيم لا يملك “عصا موسى”،لتحقيق المعجزة لوحده،ما يتطلب وجود أسباب حقيقية لا تقترن بمجاملة، لإسقاط رؤيته على ارض الواقع.
هناك أسباب داخلية مشخصة،تأخر كثيراً علاجها،ولو أن ملاحظاتنا التي سبقت الحشد الجماهيري تشير أن مرحلة العلاج قضي بها،من خلال غياب وتحييد بعض الوجوه المنفرة للرأي العام ،وحجبها من الظهور إعلاميا،ً و”فرملة حماوة” البعض لتسويق أنفسهم على حساب المشروع، بأساليب “الفهلوة”!،ما يعني أن قرار ردم “البركة العميقة” اتُخذ، وأسباب خارجية تتمثل بالتواصل ولقاء الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة في الملف العراقي،وطمأنة الجميع على مصالحهم،شريطة أن تدور في فلك المصلحة العراقية.
يبدو أن المهمة صعبة،لكنها ليست مستحيلة،فقد خفف استحالتها “النهايات العقيمة”،لمشاريع “المحاور” و”التطرف”،التي لم تحدث متغيراً لحساب طرف ما على آخر،فيما تكلست الإرادات الخارجية على أولوية مصالحها،فنُحرت قوى سياسية دون “طارف جفن”،على منحر مصالح تلك الإرادات!.
اليوم يبدو المشهد مناسب للحكيم لإسقاط مفهوم “الدولة المدنية” على الأرض،بعد أن اقتنعت جميع الإرادات الخارجية والداخلية،أن لا بر نرسي عليه سوى الدولة المدنية.
بوجود شخصية مطمئنة بعمق الحكيم،يمكن أن تدير ذلك المشروع الكبير،ما يتطلب الدعم والإسناد من الرأي العام العراقي،والقوى السياسية،لبناء عراق قوي مستقر آمن بعيداً عن الصراعات،يحظى الجميع فيه بمحبة وسلام دون عقد.