18 ديسمبر، 2024 8:02 م

الحكيم وأسباب الإغتيال

الحكيم وأسباب الإغتيال

يجب أن نعرف أيها الاخوة، بعد وحدة كلمتنا، نحتاج أن نكون مستقلين, وسوف نبذل وتبذلون، نبذل جهودنا جميعاً من أجل الاستقلال، ونعمل من اجل أن تكون لدينا حكومة عراقيّة تمثل كل العراقيين، حكومة تمثل الجميع على نسبهم، ووجودهم وحقائقهم على الأرض.
أنتم تمتلكون الحرية، واجتمعوا على كلمةٍ واحدة، وقولوا رأيكم بالحكومة المنتخبة، انتخبوا حكومة تمثلكم، حتى يمكن لهذه الحكومة ان ترعى حقوقكم، واذا وجدتموها لا ترعى حقوقكم ضعوها على جانب والتزموا حكومة أخرى، ولا تقبلوا بحاكمٍ اجنبي، نحن لسنا قاصرين، لسنا أيتامهم، ولا نقبل لأحدٍ ان يفرض هيمنته علينا.

أيها الاخوة يجب علينا ان نشد العزم، وانا اقولها في هذا الصحن الشريف امام هذه الآلاف من الجماهير، فكل هؤلاء يريدون حكومةً ينتخبونها بأنفسهم، وهم يديرون شؤونهم بأنفسهم، ولا يقبلون القيمومة من أحدٍ عليهم، نحن نعبر عن هذا الموقف بالاستقلال، الشعب العراقي يحتاج الى إرادة مستقلة تعبر عن وجوده، تظاهرات اعتصامات إضرابات اذا منعونا، نبذل كل جهودنا من اجل ان نعبر عن رأينا، ونقول بصوتٍ واحد نعم نعم للإستقلال.

كانت تلك مقتطفات من خطاب السيد الشهيد (محمد باقر الحكيم) في الصحن العلوي المقدس، في الْيَوْمَ الاول الذي وصل فيه الى النجف الأشرف، بوجود الآلاف من العراقيين، اللذين استقبلوه من الحدود الإيرانية حتى مدينة النجف.

تلك الكلمات والعبارات التي أطلقها شهيد المِحْراب، امام الجماهير، هي من أصبحت سبباً في اغتياله، فما إن وطأة أقدامه ارض العراق حتى بدأ يطالب بالاستقلال، وقبل ان يعلن التحالف الدولي بقيادة أمريكا إنهم محتلون وليسوا محررين، فكان رحمه الله يعلم بهم قبل ان يعلنوا هم ذلك، لذلك طالب بالاستقلال والانتخابات الديمقراطية، لتأسيس حكومة عراقية حرة.

فدعى الى وحدة الكلمة, والعمل سوياً بدون تفرقة, من اجل الاستقلال والبناء، ما دمنا نمتلك الحرية، فبإمكاننا ان نختار حكومتنا بأيدينا، حتى وان اخترنا حكومة غير كفؤه، نتركها جانباً ونختار اخرى، وهذا لم يأتي عن فراغ وإنما جاء عن حنكة ودراية ومعرفة، فوضع خيار الانتخابات ليكون هو الحاكم لدى الشعب، هذا من جانب.

اما الجانب الآخر؛ فلقد أرسل رسالة واضحة المعالم الى الاحتلال، بأنه لا قيمومة لأحد على العراقيين، فهم يمتلكون القدرة على ادارة بلدهم، فلا سلطان لأحدٍ عليهم، فنحن لسنا ايتام لأحد ليكون وصياً علينا، فوصايتنا على أنفسنا نحن، كما أشار في معرض حديثه الى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وضرورة التمسك بها والامتثال لأوامرها ونواهيها، فهي احرص مما تكون على البلاد.

الحديث طويل فلقد تطرق السيد (محمد باقر الحكيم) الى الكثير من المواضيع التي تهم البلاد، لا يسع ذكرها في تلك الأسطر، لكننا اخترنا بعضها.

فالاستقلال, والانتخابات, وكتابة الدستور، كلام لا يرضي دول الاحتلال، فهم جاءوا ليرسموا خارطة طريق حسب مقاساتهم، التي تلائم سياستهم ومصالحهم، وهذا ما يتنافى مع ما أطلقه شهيد المحراب في خطبته، هذا الامر هو من دع دول الاحتلال بالعموم، وأمريكا بالخصوص الى ازاحة الحكيم عن طريقها، والى الأبد، فعمدت الى إعداد خطة لإزاحته عن طريقها، لتتمكن من تنفيذ مشاريعها بدون مواجهة والاعتراض من احد.

إن الذي يستمع لخطبته كاملةً يدرك جيداً إن طريقه قصير جداً، ولا يمكنه اليسير فيه طويلاً، فلقد اتهمها هي وروسيا بدعم صدام في السابق، وكان ذلك جلياً في احداث عام ١٩٩١، في مساعدته في القضاء على الانتفاضة الشعبانية، ثم عمدت الى الخلاص منه، بعدما ادركت انه اصبح لا يلبي مصالحهم، ويلزمها البحث عن بديل آخر ليمثلهم في المنطقة.

لم يطول الامر بالحكيم الا قرابة الأربعة أشهر، حتى أغتيل بسيارة مفخخة، في اليوم الاول من شهر رجب، لسنة 1424هـ الموافق ٢٩ آب 2003م ، بعد إتمامه صلاة الجمعة في باب الصحن العلوي الشريف، فتناثرت أشلائه على اعتاب حرم الامام علي عليه السلام، فعرج الى ربه شهيداً مظلوماً مهاجراً في سبيل الله، مع ثلة من المؤمنين المخضبين بدمائهم، في قوافل الشهداء، ليحصل على التسلسل (٦٤)، ضمن قافلة شهداء آل الحكيم النجباء.