17 نوفمبر، 2024 4:56 م
Search
Close this search box.

الحرب هي الحرب ….. رحماك يا سامي

الحرب هي الحرب ….. رحماك يا سامي

وأنا أقرأ لك أتخيلك وأنت تكتب، أرى وجهك، جلستك، حركة يديك، مكتبك… فأشتاق أكثر!
#رضوى_عاشور.

أنصت لجلبة في الخارج وأتذكرك كم كنت هادئاً حينَ تنكفئ على بطنك لتكتب قصيدة تظل تحك بجبينك تتوتر، ثم تعانق القلم. ها أنا أطالع خبايا نفسي بعد أشهر غيابك حين حظيت ذات ليلة شتاء ولأول مرة برؤياك تبكي وأنت المعاند للحزن الصلب في مشكلات قد تقع، فقد كانت (في يوم في شهر في سنة) سميرك في تلك الليلة، وبحفلة لعبد الحليم وكنت مندمجاً معه، سألتك حين هدأت لم تبكي، قلت إنه سامي عليوي الذي استشهد في الحرب. وبقيت تردد بعدها حانقاً، الحرب هي الحرب الحرب هي الحرب الآن أسأل نفسي هل كنت تتنبأ بنهايتك أنت ايضاً المبكرة؟ (وداع يا دنيا الهنا وداع يا حب يا أحلام ده عمري جرحي أنا أطول من الأيام) وأنت المولع بحبيبتك ومولع بالسفر واكتشاف مجاهل المدن وعقدك لصداقات مع أهلها. أتذكر رحلتك لبراغ وكيف أجّرتَ غرفة مع عائلة تشيكية فقيرة، وحملت لبغداد معك صورهم وحكايا ليالي شتاء باردة. ورحلة اليونان التي جلبت لي معها أحلى الفساتين، تعرفت من خلالك ببلند الحيدري وسعدي يوسف وكزار حنتوش والتكرلي وجبرا ومجلة كلمة البيروتية وأميل زولا وبورخيس ورامبو وكم لا يعد ولا يحصى من أدباء العالم، حيث خاطبتني ذات مرة أستاذتي للعربية، من أين تعرفين كل ذلك والذي لا يناهز عمرك، قلت دليلي في البيت الذي يرشدني لكل هذه الدرر. أتذكر حين انفعلت بشدة بل استشطت غضباً حين تلصص أحد أقربائنا وسرق من مكتبة البيت روائع من الكتب ولم تهدأ إلا أن أرجعها، (لو طالب قلبي أعطيه لكن إلا الكتب). قد رحل بعدك شعراء مثلك فهل التقيت بهم، هل تباحثتم الشعر، هل التقيت بأمي وأبي، هل سألوك عن كيف تقضون نهاركم، كيف أنتم؟ وأنت غدوت روح لا تسمع ولاترى. با مُغيباً عن عالمنا لأجيبك بأنني بساعات يعتصر الحنين روحي أسفح ما تبقى من ماء عيوني ثم أخاطبك، تعال، ارجع، انثر التراب من حولك، مر بأقربائنا هناك، استحم وتعطر وارتدي أفخر الثياب وارجع. أعرف أناقتك، أعرف أن الموت ليس به إجازة أوعطل، ولكن دعني أتصور، دعني اتأمل، دعني أنسى بأني لم أرك بعد ذلك وأن قصائدك الناقصة المنسدلة على ورقك تنتظر إشارة منك لتأخذ مكانها في المواقع وفي المجلات. كلنا عيوننا على طريقك نكاد لانصدق حديقتك وعشبها الذي شاب وكأنه حزين لفراقك، أشيائك الصغرى والكبرى. أخيراً أوصيك إن اجتمعت بصحبك، علقوا العراق تمائم برقابكم وادعوا ربكم الذي أنتم ضيوف بملكوته أن يحفظه من الذئاب التي حوله ومن كل طامع وحاقد فاقد للضمير ولشعب تحمل ما تحمل.
أُعاهدك لن أنساك ابداً.

*
سامي عليوي حافظ خريج أكاديمية الفنون الجميلة، شاب بوهيمي عاشق للمسرح قام بدور صغير بفيلم الأيام الطويلة. استشهد بالحرب أيضاً.

أحدث المقالات