19 ديسمبر، 2024 1:13 ص

الجابي ذلك الشخص الذي يرتدي البدلة الرمادية , ويحمل الحقيبة الجلدية , ويقطع تذاكر الصعود إلى باص المصلحة الأحمر اللون ذو الطابق أو الطابقين.
وكنا نحفظ أرقام الباصات , ونعرف إلى أين تذهب بنا , ونتمتع بركوبها , خصوصا في الطابق الثاني .
وأجيال النصف الثاني من القرن العشرين لها ذكريات مع الجابي , وباصات المصلحة التي كانت ترفل بها بغداد.
تواردت الذكريات وأنا أراقب تلك الباصات الحمراء تجوب شوارع لندن , وكم تمتعتُ بركوبها.
قبل سنوات كان فيها “الجابي” , أما اليوم فعاصرت التحولات الإليكترونية , وما عاد للجابي عمل إلا ما ندر.
قلت لصديقي: نتحدث عن التقاليد والقيم ونحسبها أقوالا , وأبسط مثال عليها المحافظة على وسائط النقل التي كانت عندنا , وهي باقية في لندن , وتسير في شوارعها , على مدى القرن العشرين وستتواصل في القرن الحادي والعشرين , إنه تقليد ثابت ومتفاعل مع مكانه وزمانه.
فأين ذهبت تقاليدنا؟
قال: إنها كلام وحسب.
لو سألت أحدهم عن التقاليد لأوجع رأسك بما لا يجدي نفعا من الكلام الغثيث , وعندما تريد أن ترى تقليدا فاعلا في حياتنا فستجد الخواء!!
باصات المصلحة التي كانت تجوب شوارع بغداد , وتميزها عن عواصم الدول الأخرى في المنطقة , تقليد مدينة لم نحافظ عليه , فتحولت إلى موجود بلا ملامح ومميزات , وكلٌّ يرى عليها أن تكون وفقا لأهوائه ومنطلقات رؤيته الظلامية السوداء.
فهل سنعيد للمدن تقاليدها , التي ميزتها ومنحتها القوة والقدرة على الحياة , وبث روح الألفة والجمال؟
رحم الله باصات المصلحة في مدينة السلام , التي أطلقت العقول وأثرت الوعي الإنساني بالمعارف والعلوم , والأفكار ذات الإمتدادات الحضارية السامقة.
فإلى متى نبقى نلوك الكلمات , ولا نجيد مهارات الفعل المنير والعمل القدير؟!!