23 ديسمبر، 2024 10:06 ص

الثورة الكهربائية

الثورة الكهربائية

قبل الولوج في الموضوع أود تقبيل جبين كل شاب خرج في تظاهرة الحادي والثلاثين من تموز في ساحة التحرير فأصغركم سنا خير من كاتب هذه الأسطر ..
ولكن ..
هل لنا أن نلقي نظرة بانورامية على المشهد العراقي ككل ؟؟
فالعراق بعد ٢٠٠٣ وحتى اللحظة يسير في خط بياني متهاوٍ سنة بعد أخرى ..  فساد باعلى المستويات ، اقتصاد متهالك ، عمالة سياسية ، خدمات معدومة ، أمن مفقود  ، مؤسسة امنية ضعيفة ، ميليشيات متعددة الجنسيات ، تهجير داخلي وخارجي ، استخفاف بدماء الناس وهدر لكرامتهم ، وضياع محافظات بأكملها بيد الارهاب ، وغير ذلك من الأسباب التي جعلت البلد يصل الى الدرك الاسفل من الانهيار ..
كل تلك الاسباب لم تجعلنا ننتفض ولم تحرك الشارع وما حرّكه انعدام الكهرباء وحرارة الصيف بمعنى لو توفر الحد الادنى من تزويد الطاقة الكهربائية لما رأينا تلك الجموع الغفيرة !! وهذا اشكال واضح ينم عن نقص في الوعي وتقزيم للأزمة التي يمر بها البلد .. فالقضية لا تقتصر على فساد وزارة الكهرباء ووزيرها ولو افترضنا جدلا ان الاخير استقال وجيء ببديل عنه فهل سنتوقع شخصا يحمل عصا سحرية لحل الازمة ؟؟ وهل سيأتي من خارج الحلبة السياسية( النزيهة) الموجودة اليوم ؟؟!!
هؤلاء وزراء يكمل بعضهم بعضا فالكهرباء متعلقة بالنفط والنفط بالطاقة وكلهم وزراء بعضهم أفسد من بعض وهم تحت مظلة رئاسة الوزراء .. فالقضية اكبر بكثير من اختزالها بذيل الأزمة .
ينبغي على الجميع ان يُدرك أن الحلول الترقيعية والنظر بعين واحدة والتفكير السطحي العاطفي لا يأتي بجديد بل هو كمن ينقش في الماء !!
ولا بد أن يستشعر العراقيون حجم الازمة في بلادهم فبعد شهرين او ثلاثة ستنقضي موجة الصيف ويفتح الشتاء ابوابه وتبدأ صفحات فيسبوك تتحدث عن غلاء المشتقات النفطية وسوء شبكات الصرف الصحي اثناء الامطار وهكذا في مشهد دوري يتكرر كل عام لسلسلة ازمات ننتفض في موسمها ثم يبدأ معدل الانتفاض ينخفض شيئا فشيئا وكل ذلك سببه التسطيحرالفكري وعدم استشعار حجم الازمة الحقيقي .
ومما لفت انتباهي حين متابعتي لمجريات التظاهرة انني قرأت كلاما لأحد المنظمين لها يقول ( هي ساعتين نتظاهر وكلمن يرجع لبيته ) !!! طيب وهل الغاية في التظاهر ام ان التظاهر وسيلة للوصول الى غاية ؟؟ فهذا الكلام يعطي انطباعا بأن المنظمين للتظاهرة غير مقتنعين انها ستؤتي أكلها لأنهم يعلمون مسبقا ان ( السمچة من راسها خايس ) كما المثل العراقي الشهير والجسد المصاب بالسرطان لا يجديه نفعا ان تعطيه مسكنا للآلام فبالنهاية هو جسد ميت .
انا اعلم ان اغلب المتظاهرين خرجوا بنية حسنة وهمهم العراق واعرف الكثير منهم شخصيا ولكن يا شباب كفانا سطحية وليكن انتفاضكم لتغيير الواقع المر الذي اهلك الحرث والنسل واعاد البلد قرونا الى الوراء ، ولا بد من اعادة النظر بخياراتنا فالمجرّب لا يُجرّب ونحن احوج ما نكون لتغيير جذري  ، فانتفضوا على من جعل البلد تابعا ذليلا ضعيفا مُعدما موشكا على الافلاس وكرامة ابنائه منتهكة ودماءهم مستباحة مهما كان انتماؤه والجهة التي تقف خلفه مرجعية كانت ام مؤسسة ام دولة فالانسان اقدس من أي مسمى والحفاظ على كرامته فوق كل عمامة بأي لون كانت والسنوات العجاف التي مرت علينا كفيلة بأن نحذر لدغة الثعابين مرة أخرى .