هذه المقالة مكتوبة في 18\2\2011 وعدت إليها متأملا ما يجري في الوقت الراهن من ثوران مطلق التطلعات متنامي الإرادات غير آبه لأقسى التحديات.
العقل يثور , وأعظم الثورات التي قدّمت مشاريع إنسانية منيرة في التأريخ , هي الثورات العاقلة , بمعنى التي عبّرت في شعاراتها وأفكارها ومناهجها عن إرادة نبيلة سامية تؤكد المعايير والقيم العالية , التي تمنح البشرية طريقا واضحا لصناعة الحياة الأفضل.
وفي التظاهرات القادمة , نحن بحاجة إلى شعارات عاقلة وطروحات منيرة ساطعة مؤثرة , تستحضر طاقات الدنيا وإسنادها وتعاطفها معنا.
فلا نريد شعارات كراهية وبغضاء وفرقة وعدوان وإنتقام , أو شعارات إنفعالية ذات شحنات عاطفية سلبية ضارة ومؤذية للجميع.
المطلوب شعارات وطنية إنسانية خالصة. نريد كهرباء وماء صالح للشرب , وتوزيعا عادلا للثروات , وتعليما معاصرا , ونظاما تربويا مستقلا ومتواكبا مع التطورات , ومشاريع بناء وزراعة وصناعة ونقل وخدمات حديثة.
نريد بناء المدن العراقية بلا تمييز وتعزيز الإنتاج الصناعي والزراعي العراقي , ومشاريع فعّالة ضد الجهل والأمية والمرض , والتخلص من الفقر والعوز وعدم توفر السكن الصالح للإنسان.
نريد فرص عمل وخطط جادة للتخلص من البطالة . ونريد حرية رأي وإحترام للمعتقد في أجواء ديمقراطية تصون الكرامة.
نريد حقوقنا في نفطنا وعناية بالنخلة والنهر والآثار والإهتمام بالنظافة والجمال.
نريد بغداد رائعة جميلة زاهية نظيفة بهية , وعراقا جديدا تعلو فيه قيم المواطنة وتتعزز الإرادة الوطنية.
نريد عراقا تكون الكراسي فيه لخدمة الشعب لا غير , ومَن لا يستطيع أن يخدم الشعب عليه أن يبتعد ويترك المكان لمن لديه الرغبة والقدرة على تقديم أفضل الخدمات لوطنه.
نريد عدلا ونظاما وألفة ومحبة وأخوة عراقية.
نريد عَلم العراق الذي نجتمع تحت لوائه , ولا نريد صورة أو شخصا أو حزبا.
فلا نريد ما يفرقنا ويمزقنا , بل نريد شعارات عراقية إنسانية عاقلة, ولا نريد شعارات دينية مذهبية طائفية محاصصاتية بغيضة.
نريد أن تعيش بقلوبنا ونفوسنا وأرواحنا مشاعر الثورة الأصيلة النقية الطاهرة المنبثقة من أعماقنا.
نريد أن نذوب في بودقة الثورة ونتخلق فيها ونكون شعبا واحدا راقيا متقدما , يزهو بالألفة والمحبة والوطنية الصادقة.
نريد أن نقدم مثلا إنسانيا حضاريا ثقافيا تاريخيا وفكريا يلهم الآخرين ويتألق بمسيرتنا عبر العصور كما فعل الشعب التونسي والمصري.
نريد رايات الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وشعارات تنادي ضد الظلم والفساد والقهر والحرمان والثراء الفاحش وسرقة أموال البلاد ووضعها في البنوك الأجنبية.
نريد ما يساهم في تحقيق حياة عراقية إنسانية كريمة ذات قيمة حضارية معاصرة.
نعم نريد تلك الأهداف ونسعى إليها , وإن أخطر ما يواجه يوم الغضب العراقي هو الإنفعال الشديد والعواطف الصاخبة , التي ربما ستحرف التظاهرات وتأخذها إلى إتجاهات تصبح فيها مُدانة لا مُدينة.
إن التعبير الحقيقي تصنعه الروح المتوقدة بقوة الحق ورفض الظلم والفساد , فأمامها تتهاوى معاقل الجبروت بأنواعها مهما تعددت وتعاظمت , ولا يمكن لقوى الأرض أن تساند الأفراد إذا الشعب تعلم مهارات التعبير عن إرادته الحرة في صناعة الحياة.
وعاش الشعب ويحيا العراق