3 فبراير، 2025 3:02 ص

التوسّع في الاختصاصات الرقابية لمجلس النواب

التوسّع في الاختصاصات الرقابية لمجلس النواب

يختصُّ مجلسُ النواب، إلى جانب تشريع القوانين الاتحادية، بالرقابة على أداء السلطة التنفيذية، وهو اختصاص واسع لكن يتعيّن أن يمارس على وفق الحدود التي رسمها الدستور.

ويمثل الاختصاص الرقابي لمجلس النواب الجانب الأهم من نشاطه في الدولة الحديثة، بل أن مجلس النواب في حقيقته- كما يقرّر البعض- هو قبل كل شيء جمعية للرقابة على أعمال الحكومة، فهذه المهمة أكثر أهمية من تشريع القوانين، فمراقبة الحكومة عن طريق الوسائل الرقابية مثل الاسئلة والاستجوابات وطرح الثقة وإرغامها على تبرير تصرفاتها أمام مجلس النواب والرأي العام، إنما تمثل في الحقيقة ضمانة أساسية لحقوق الأفراد وحرياتهم(1).

ونظّمتْ المادة (61) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ)، وسائل الرقابة على الحكومة، وحدّدتها بأربع صور، وأضاف الفقه صورة خامسة، مع الإشارة إلى أن المحكمة الاتحادية العليا قضت بأن مجلس النواب ليس ملزماً باتباع التراتبية في هذه الوسائل(2)، والتي هي على النحو الآتي:

أولاً: السؤال البرلماني

يُراد بالسؤال البرلماني، حق كل عضو من أعضاء مجلس النواب في أن يوجه أسئلة للاستيضاح عن مسألة معيّنة والاستفسار بشأنها، فهو يُفيدُ طلب ايضاحات عن موضوع معين من رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء(3).

فالسؤال لا تترتب عليه مناقشة واسعة الأطراف، ولا يؤدي إلى طرح مسألة الثقة بالوزارة، وإنما هو مجرد استفهام عن شأن من الشؤون التي لا يعرفها عضو مجلس النواب ويريد التثبت منها، وقد يقتنع العضو بالإجابة ويكتفي بالمعلومات التي تقدمت له وبذلك ينتهي الأمر عند هذا الحد، ولكن قد تكون الإجابة تنطوي على بعض الغموض فيكون له وحده حق طلب توضيح ما غمض عليه(4).

وتعدّ الأسئلة البرلمانية الوسيلة الأكثر شيوعاً لمباشرة الوظيفة الرقابية على أعمال الحكومة من قبل أعضاء المجلس النيابي، وذلك لإمكان القيام بها من جانب أي عضو من هؤلاء الأعضاء، لكن يتوقف نجاحها إلى حد كبير على مدى التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فوجود علاقة إيجابية يساعد إلى حد كبير على أداء هذه الوسيلة من خلال استخدامها كأداة لتحذير الحكومة أو لفت الانتباه لبعض الموضوعات بغية دفعها نحو اتخاذ القرارات بشأنها، أما إذا كانت العلاقة غير جيدة، فإن ذلك يُفقد الأسئلة البرلمانية كثيراً من اهميتها ويحوّلها إلى وسيلة غير مباشرة لإصدار التوجيهات(5).

وللأسئلة البرلمانية أنواع مختلفة، فهناك الأسئلة الشفوية، وهي الأصل في نظام الأسئلة، وهناك الأسئلة المكتوبة، كما أن هناك بعض الموضوعات ذات الطبيعة الملحة والعاجلة التي لا تتحمل لإثارتها والحصول على رأي الحكومة بشأنها الإجراءات العادية بتقديم الأسئلة وانتظار الإجابة عنها، وهذا ما دفع بعض الدول إلى إيجاد نظام آخر لمواجهة مثل هذه الحالات، وهو نظام الأسئلة العاجلة الذي تختلف الدول في طريقة تبنيه وتنظيمه(6).

وقد أخذ دستور جمهورية العراق بموجب بنظام الأسئلة البرلمانية حيث نصّت المادة (61/ سابعاً/ أ) على الآتي: “لعضو مجلس النواب أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء، أسئلة في أي موضوع يدخل في اختصاصهم، ولكل منهم الاجابة عن أسئلة الأعضاء، وللسائل وحده حق التعقيب على الإجابة”.

والملاحظ، أن قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018، وبموجب المادة (27/ ثانياً) منه، قد وسّع نطاق الأسئلة ليشمل بها مسؤولي الهيئات المستقلة، رغم أن المادة (61/ ثامناً/ هـ) من الدستور قد قَصَرَتْ حق الرقابة على هؤلاء المسؤولين بالاستجواب وفقاً للإجراءات المتعلقة بالوزراء والاعفاء، كما شمل رؤساء مجالس المحافظات والمحافظين ورؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة.

وقد أجازت المحكمة الاتحادية العليا حق توجيه الأسئلة النيابية إلى المحافظ ورئيس مجلس المحافظة، على أساس أن المادة (61/ ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي اختصت مجلس النواب بالرقابة على أداء السلطة التنفيذية جاءت بصورة مطلقة وأن هذا الاطلاق يمتد الى منتسبي السلطة التنفيذية الاتحادية والحكومات المحلية وعلى رأسها المحافظ(7).

فيما ذهب النظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022 إلى أبعد من ذلك، عندما أجاز بموجب المادة (50) منه حق توجيه اسئلة خطية إلى رئيس الجمهورية، رغم أن المحكمة الاتحادية العليا لم تجز ذلك، حيث أكدت أن الصلاحية الممنوحة لعضو مجلس النواب بتوجيه الأسئلة بموجب البند (أ) من الفقرة (سابعاً) من المادة (61) من الدستور لا تمتد ولا تشمل رئيس الجمهورية ونوابه(8).

وتأخذ بعض الدول بوسيلة أخرى قريبة من السؤال النيابي كما هو الحال في دستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 (المعدل)، الذي يعطي بموجب المادة (134) منه، لكل عضو من أعضاء مجلس النواب أن يقدم طلب إحاطة أو بياناً عاجلاً، إلى رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، في الأمور العامة العاجلة ذات الأهمية.

ويختلف طلب الإحاطة عن السؤال النيابي الذي يطلب فيه النائب إيضاح مسألة معينة، أما في طلب الإحاطة يلفت نظر رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء إلى مسألة عاجلة مهمة يراها حتى يعطيها عضو الحكومة اهتمامه وعنايته لما لها من أهمية عاجلة(9)، لكن هذه الوسيلة لم يأخذ بها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ).

ثانياً: طرح موضوع عام للمناقشة

وبمقتضى الحق في طرح موضوع عام للمناقشة، يكون لعدد من أعضاء مجلس النواب المطالبة بإثارة موضوع عام مما يتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية للمناقشة في المجلس، مناقشة مفتوحة يشترك فيها من يشاء، فنطاق هذا الحق إذن أوسع من نطاق حق السؤال الذي يعد علاقة شخصية بين المسؤول والسائل، لكنه يشترك معه في أنه أمر استفساري(10).

وتعدّ هذه الوسيلة في الفقه الدستوري من الوسائل الرقابية الهادئة التي تهدف إلى إجراء حوار بين مجلس النواب والحكومة حول موضوع له أهمية معينة، بقصد الوصول إلى حل يتفق عليه الطرفان، ولعل هذا ما أفضى ببعض الفقهاء إلى اعتبارها من قبيل تبادل الرأي والتعاون بين مجلس النواب والحكومة في تحقيق المصلحة العامة، ومن هنا فإن لها أهميتها البالغة لأن مجلس النواب يحقق مبتغاه في معرفة سياسة الحكومة بشأن موضوع ما والتباحث بشأنه، سواء أكان هذا الموضوع متعلقاً بالسياسة الداخلية أو بالسياسة الخارجية من ناحية، ومن ناحية أخرى تكشف للحكومة عن اتجاهات مجلس النواب في شأن المسألة المطروحة للمناقشة ومدى دعمه لها في الإجراءات التي تتخذها لمواجهتها، بنحو تتوقى من خلاله المسألة أمامه سياسياً بشأنها(11).

ونصت المادة (61/ سابعاً/ ب) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ)، على الآتي “يجوز لخمسةٍ وعشرين عضواً في الاقل من اعضاء مجلس النواب، طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة واداء مجلس الوزراء أو احدى الوزارات، ويقدم إلى رئيس مجلس النواب، ويحدد رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء موعداً للحضور امام مجلس النواب لمناقشته”.

وفصّلت المادة (30/ ثانياً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 (النافذ)، الإجراءات التي تسبق عملية المناقشة، حيث نصت على الآتي “يبلغ الرئيس (رئيس مجلس النواب) رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء المعنيين بالطلب لتحديد موعد لطرح الموضوع للمناقشة والذي يجب أن يكون خلال شهر من تاريخ تقديم الطلب”، فيما وصفت المحكمة الاتحادية العليا النص بأنه تنظيمي لتأمين سير العمل في مجلس النواب(12).

رابعاً: التحقيق البرلماني

يُراد بالتحقيق البرلماني اختصاص مجلس النواب في تأليف لجان خاصة من بين أعضائه للتحقيق في أي موضوع يتعلق بأداء الهيئات العامة في الدولة، وكذلك في حالة توجيه اتهام لأحد الوزراء، وقد يتم تأليف لجنة خاصة للتحقيق في موضوع معين كحالة وجود فساد إداري في وزارة ما، وتنتهي مهمة اللجنة بتقديم التقرير الخاص بذلك إلى مجلس النواب(13).

ويعدّ حق المجالس النيابية في تشكيل لجان تحقيقية من أهم الوسائل الدستورية في مواجهة السلطة التنفيذية من أجل فرض رقابة فعالة على اعمالها، لاسيما إذا ما تشككت بصحة المعلومات المعطاة من قبل الحكومة بمناسبة سؤال مقدم إليها أو ما كشفت عنه المناقشة العامة في موضوع معين، وبهذا تحرص أغلبية الدساتير على تقرير هذا الاختصاص، لكن يذهب البعض من الفقهاء إلى القول إن حق مجلس النواب في تكوين لجان تحقيقية يثبت لها دون حاجة إلى نص دستوري يقرّره بوصفه وسيلة ضرورية تتمكن عن طريقها من مباشرة اختصاصاتها الدستورية(14).

فيما يؤكد اتجاه آخر، أن منح مجلس النواب الحق في التحقيق هو نتيجة لازمة لحق اقتراح القوانين وحق محاسبة الوزراء، فحتى يتمكن المجلس من إصدار حكم صحيح فيما أسند إليه من اختصاصات، يجب أن يمنح الوسائل التي تمكنه من ذلك، وأهمها وسائل البحث والتمحيص والاستنارة(15).

فبواسطة التحقيق الذي يجريه مجلس النواب يمكن التعرف على المساوئ والانحرافات التي تنطوي عليها الأداة الحكومية، وعندئذ يقرّر مجلس النواب الوسائل التي من شأنها القضاء على تلك المساوئ والانحرافات التي يكشف عنها التحقيق(16).

ولم ينص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) على التحقيق البرلماني بوصفه من وسائل الرقابة لمجلس النواب على الحكومة، لكن قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 (النافذ)، أشار إليه حيث نصت المادة (17) على الآتي: “يمارس المجلس اختصاصاته الرقابية الواردة في الدستور والقوانين النافذة والنظام الداخلي وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون ونظامه الداخلي بالوسائل المتاحة بضمنها الآتي:… سادساً: إجراء التحقيق مع أي من مسؤولي السلطة التنفيذية والهيئات المستقلة في الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم”.

وبهذا الصدد قضت المحكمة الاتحادية العليا بأن “المحكمة ترى أنه إن كان من صلاحية مجلس النواب تشكيل اللجان لبحث موضوع معين إلا ان نتائج هذا البحث والتحقيقات الجارية يجب أن لا تصل إلى مستوى التوصيات أو الأوامر للحكومة أو توابعها من الوزارات أو الدوائر أو الجهات غير المنتظمة بوزارة ولا يجوز للحكومة وتوابعها أن تمتثل لهذه التوصيات أو الأوامر”(17).

رابعاً: الاستجواب

يُعدّ الاستجواب من أخطر وسائل رقابة مجلس النواب على أعمال الحكومة، وهو يعني مساءلة رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء عن عمل أو تصرف في شأن من شؤون وزارته أو شأن من الشؤون العامة للحكومة وقد يؤدي إلى التصويت على سحب الثقة عن الوزير أو الحكومة بالمجمل مما يؤدي إلى إسقاطها(18).

ولهذا، فإن الاستجواب هو أخطر من الوسائل السابقة؛ لأنه يتضمن نقد واتهام إلى الحكومة أو أحد اعضائها من الوزراء عن تصرف من التصرفات العامة، فهو يعني المحاسبة والاتهام بالخطأ والتقصير، ولذلك فالاستجواب لا يحصر المناقشة بين مقدم الاستجواب والوزير أو رئيس مجلس الوزراء كما هو الحال في السؤال، بل يجوز أن تحدث مناقشة عامة داخل مجلس النواب يشترك فيها باقي الأعضاء(19).

فإذا كانت الحقوق الثلاثة السابقة تحمل معنى (طلب المعرفة) أو (تبادل الرأي) أو (الوصول إلى الحقيقة)، فإن هذا الحق يتضمن اتهام الحكومة كلها أو أحد أعضائها، وتجريح سياسته، ينتهي عادة كما قلنا إلى طرح الثقة بالحكومة أو ببعض أعضائها، بعكس استعمال مجلس النواب للحقوق السابقة، بل أن استعمال تلك الحقوق قد يكون مقدمة وتمهيداً للاستجواب(20).

لكن الاستجواب كوسيلة قد تلاشى دورها في الدول المتطورة على أساس أن تلك الدول تتميز بفاعلية المؤسسات السياسية وتأثير الرأي العام، لذا يضطر المسؤول إلى الاستقالة عن أي خطأ يرتكبه، أما في دول العالم الثالث والدول الناشئة ديمقراطياً فإن الحياة السياسية لم تتعود فيها على الاستقالة ومن هنا تأتي أهمية الاستجواب كوسيلة فعّالة لإجبار الوزراء على الاستقالة أو سحب الثقة منهم أو حتى إجبارهم على تبرير تصرفاتهم أمام الرأي العام(21).

وبالرغم من أن بعض الدساتير قد أوردت النص على الاستجواب مقترناً بالسؤال، إلّا أنها في الغالب تخصّه بالضمانات التي يجب أن يُحاط استعماله بها حتى لا تسرف المجالس النيابية في الالتجاء إليه(22).

والمقصود بالضمانات التي يحاط بها الاستجواب هو تفادي عنصر المفاجأة بالنسبة للوزارة، حتى يسير الاستجواب في الاتجاه السليم ولا ينحرف عن هدفه، ويكون وسيلة للرقابة البناءة، وليس سبيلاً من سبل الهدم والتدمير، فيجب أن تتاح الفرصة للوزير الموجه إليه الاستجواب لكي يستعد للمناقشة، ويعد العدة للرد على عضو مجلس النواب، ولا يتحقق هذا الوضع إلا بمنح الوزير الوقت الكافي للاستعداد والرد(23).

والمسلم به، أن الاستجواب ينتهي إلى واحدة من ثلاث نتائج، الأولى إذا تبين من المناقشة أن الحكومة قامت بواجبها خير قيام، وإنها لذلك تستحق الشكر بدلاً من اللوم، ولهذا ينتهي المجلس إلى توجيه الشكر لها بصورة أو أخرى، والنتيجة الثانية إذا تبين أن الحكومة لم ترتكب خطأً وأن خطأها بسيط يمكن تجاوزه، وعندما ينتقل المجلس إلى جدول أعماله، وهذا لا يترتب عليه توجيه اللوم او سحب الثقة، والنتيجة الثالثة هي صدور قرار بإدانة الحكومة أو بعض أعضائها، وهنا قد ينتهي الاستجواب إلى طرح الثقة بالوزارة أو بالوزير الذي يتعلق به القرار(24).

ونصت المادة (61/ سابعاً/ ج) على الآتي: “لعضو مجلس النواب، وبموافقة خمسة وعشرين عضواً، توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب الا بعد سبعة ايام في الاقل من تقديمه”.

ولعل أهم الضمانات التي أوردها الدستور العراقي هي وجود مدة بين تقديم طلب الاستجواب وإجراء المناقشة البالغة سبعة أيام، حيث ذهبت المحكمة الاتحادية العليا، إلى أن “المدة المنصوص عليها في المادة (٦١ / سابعاً/ ج) من الدستور تتصرف لوضوحها على الفترة بين تقديم طلب الاستجواب وقبوله وبين حصول واقعة الاستجواب فعلاً ولا يجوز حضور المستجوب لعملية الاستجواب قبل انتهاء هذه المدة كحد أدنى تمكيناً له من تهيئة الاجابة على الاسئلة التي تضمنها طلب الاستجواب مع مستندات الاجابة ولا تنصرف الى قناعة اعضاء مجلس النواب بأجوبة المستجوب من عدمها فان تقدير ذلك يعود الى اعضاء مجلس النواب ولا يتقيد الاعضاء او المجلس بصورة عامة دستورياً باي مدة لتكوين القناعة من عدمه”(25).

ومن الضمانات التي أشارت إليها المحكمة الاتحادية العليا، هي وجوب أن يزود رئيس مجلس الوزراء أو الوزير في حالة استجوابه بالأسئلة كاملة وصور موثقة من الأسانيد والأدلة(26).

وأشارت المحكمة في قرار آخر الى وجوب ان يكون الاستجواب في جميع الحالات مهنياً وموضوعياً بعيداً عن الدوافع السياسية والأسباب الشخصية(27).

لكنها أكدت أن الفرز بين الدوافع الشخصية والمصلحة العامة وراء الاستجواب امر يعود تقديره الى مجلس النواب عند اجراء عملية الاستجواب ولا تختص المحكمة الاتحادية العليا بالتحقيق فيه(28).

كما قضت المحكمة الاتحادية العليا، بأن الاستجواب يشمل اضافة الى الوزير المكلف اصالة الوزير الذي يكلف بإدارة وزارة أخرى بالوكالة اذا منح الصلاحيات الممنوحة للأصيل كاملة وذلك بحكم كونه وزيرا صادق مجلس النواب على تعيينه وفقا للدستور(29).

فيما منحت المادة (36) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 (المعدل)، الضوء الأخضر لإجراء الاستجواب غيابياً في حال عدم تقديم عذر مشروع، وهو ما كانت قد قضت به المحكمة الاتحادية العليا وعدت عدم الحضور بعد تبلغه ودون عذر مشروع هو إقرار بما نسب في الأسئلة وتنازل عن حق الرد(30).

كما منعت المحكمة الاتحادية العليا تعطيل الاستجواب ما لم يصدر قرار مسبب من محكمة مختصة بتأخير الاستجواب، طالما أن الاستجواب مستوف لشروطه، وقضت بأن الطعن في الاستجواب لا يكون سبباً لعدم المضي فيه(31).

وحظرت المادة (33/ ثانياً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته إحالة المستجوب إلى التقاعد أو قبول استقالته أو إقالته أو اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يبعده عن المسؤولية اثناء مدة الاستجواب، وذلك قد أيّدته المحكمة الاتحادية العليا عندما وجدت أن هذا النص هو لتأمين الصالح العام وعدم فتح المجالس للتهرب من المسؤولية ووضع لفترة محددة وهي فترة الاستجواب ويعتبر اذا ما تعارض مع نص في قانون التقاعد معدلاً لذلك النص بالقدر الذي يخص المستوجب وليس فيه مخالفة للدستور(32).

كما أن المادة (61/ ثامناً/ ه) أجازت استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة أيضاً، لكن قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 (النافذ) وبموجب المادة (31) منه قد توسع في الاستجواب وشمل به المحافظين، لكن المحكمة الاتحادية العليا قضت في وقت لاحق بعدم دستورية ذلك، مؤكدة في قرارها بالرقم أن الدستور حدد عناوين المناصب التي يحق لمجلس النواب استجوابهم حصراً وليس من بينهم المحافظين(33).

خامساً: المسؤولية السياسية (سحب الثقة)

يُقصد بالمسؤولية السياسية، حق مجلس النواب في سحب الثقة عن أحد الوزراء أو من الحكومة بأكملها مما يؤدي إلى استقالة الوزير والحكومة نتيجة لسحب الثقة منها(34) ، وهي أخطر وأهم سلاح رقابي لمجلس النواب على الحكومة وأعضائها(35).

ويعرفها الفقه بأنها ذلك الحق الذي يخول مجلس النواب المنتخب سحب الثقة عن هيئة الوزارة كلها كوحدة أو من أحد الوزراء، متى كان التصرف الصادر من الوزير أو من الحكومة مستوجباً للمساءلة، وترتب على هذا التصرف البرلماني وجوب استقالة الوزارة أو الوزير، وذلك نتيجة سحب الثقة منهما(36).

والمسؤولية السياسية نوعان، الأول هو مسؤولية تضامنية وتقوم على أساس تضمان الوزراء في السياسة العامة التي ينتهجونها في إدارة شؤون الدولة، فمبدأ التضامن الوزاري يتطلب وجود المسؤولية الجماعية لمجلس الوزراء، ومؤدى ذلك أن الوزراء مجتمعون يؤلفون هيئة يكون لها كيان دستوري مستقل وإرادة جامعية، والمسؤولية على هذا النحو تؤدي إلى استقالة الوزارة بأكملها، والنوع الثاني هو المسؤولية الفردية ويقصد بها مسؤولية كل وزير على حدة، وتنشأ نتيجة تصرف فردي لأحد الوزراء في أمر يتعلق بإدارة وزارته ويترتب عليها اعتبار الوزير مستقيلاً بعد سحب الثقة منه دون المساس ببقية زملائه من اعضاء الوزارة(37).

ونصت المادة (83) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ)، على الآتي: “تكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء امام مجلس النواب تضامنية وشخصية”.

وفي كثير من الأحيان، قد تكون هناك صعوبة في تمييز الأعمال الموجبة للمسؤولية التضامنية عن الأعمال الموجبة للمسؤولية الفردية، إلّا أن رئيس الوزارة يتدخل في بعض الأحيان ليحدد موقف وزارته(38).

ونصت المادة (61/ ثامناً/ أ) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على الآتي: “لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء بالأغلبية المطلقة، ويعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير الا بناءً على رغبته، أو طلب موقع من خمسين عضواً، اثر مناقشة استجواب موجه اليه، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب الا بعد سبعة ايام في الاقل من تأريخ تقديمه”.

كما نصت المادة (61/ ثامناً/ ب) على الآتي: “… 2. لمجلس النواب، بناء على طلب خمس (1/5) أعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولا يجوز ان يقدم هذا الطلب الا بعد استجواب موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، وبعد سبعة ايام في الاقل من تقديم الطلب .3 ـ يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه”، فيما نصت الفقرة (ج) على الآتي: “تعد الوزارة مستقيلةً في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء”.

والملاحظ أن النص الدستوري قد أورد حدد نصاب سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء بـ (الاغلبية المطلقة لعدد الأعضاء)، اما بالنسبة للوزراء فأكتفى بلفظ (الأغلبية المطلقة)، لكن المحكمة الاتحادية العليا وفي آخر توجهاتها، ذهبت إلى المقصود بالأغلبية المطلقة أكثر من نصف العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب اينما وردت عبارة (الاغلبية المطلقة) سواء اقترن ذكرها بعبارة عدد اعضائه ام جاءت مجردة(39).

الخلاصة:

إذا سلّمنا بأن الفقه أقرّ للمجالس النيابية إجراء التحقيقات البرلمانية حتى لو لم ينص الدستور على ذلك، فإن قانون مجلس النواب رقم (13) لسنة 2018 (النافذ) وبموجب المادة (17) منه، أناط بالمجلس اختصاصات أخرى واسعة لا علاقة لها بما ورد في الدستور، نذكر منها على سبيل المثال طلب المعلومات والوثائق من أية جهة رسمية، بشأن أي موضوع يتعلق بالمصلحة العامة أو حقوق المواطنين أو تنفيذ القوانين أو تطبيقات من مؤسسات السلطة التنفيذية والهيئات المستقلة، طلب حضور أي شخص للإدلاء بشهادة أو توضيح موقف أو بيان معلومات بشأن أي موضوع كان معروضاً أمام المجلس، القيام بزيارات تفقدية إلى الوزارات ودوائر الدولة للاطلاع على حسن سير وتطبيق أحكام الدستور والقانون والانظمة والتعليمات والقرارات النافذة.

لكننا نجد أن حدود مجلس النواب في الرقابة على الحكومة تقف عند الإجراءات التي نصت عليها المادة (61) من دستور جمهورية العراق وهي (السؤال النيابي، طرح موضوع عام للمناقشة، الاستجواب، سحب الثقة)، وأن إضافة أي اختصاص آخر سوف يتعارض مع إرادة المشرع الدستوري، كما أنه يتعارض مع طبيعة الرقابة بأصولها المتبعة في الأنظمة البرلمانية.

ولذلك، ليس لأعضاء مجلس النواب ممارسة اختصاصات أخرى ذات طابع رقابي أو الحلول محل الإدارة في سلطة التعقيب على القرارات أو إصدار التوجيهات، ومنها على سبيل المثال القيام بجولات تفتيشية إلى مؤسسات الدولة، أو توجيه السؤال إلى الموظفين العاملين في هذه المؤسسات (غير العنوانين التي حددها الدستور)، أو طلب معلومات أو وثائق منهم، أو القيام بأي نوع من أنواع الوساطة بين المواطن والمسؤول، كتقديم الطلبات عبر مكاتب السادة النواب، أو التوجيه إلى الدوائر البلدية للقيام بأعمال خدمية تحت إشرافهم، فكل هذه الأعمال وغيرها يخرج المهام الرقابية عن حدودها الدستورية.

وعلى هذا الأساس، نجد ضرورة إجراء تعديلات على قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 (النافذ)، والنظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022، من خلال حصر وسائل الرقابة بالصور التي تحدث عنها الدستور، والاقتصار على المواد التنظيمية التي تسهل عملية الرقابة، ولا توسع من نطاقها أو تضيف اختصاصات رقابية جديدة.

 

………….

 

الهوامش

1- د. جابر جاد نصار، الاستجواب، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، مصر، 1999، ص5.

2- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (30/ اتحادية/ 2017).

3- د. محمد رفعت عبد الوهاب، القانون الدستوري، دار الجامعة الجديدة، مصر، 2007، ص431.

4- د. محمد كامل ليلة، النظم السياسية، دار النهضة العربية، لبنان، 1969، ص924.

5- د. حسن مصطفى البحري، النظم السياسية المقارنة، منشورات جامعة الشام الخاصة، سوريا، 2022، ص358.

6- د. عادل الطبطبائي، الاسئلة البرلمانية: نشأتها، أنواعها، ووظائفها، الطبعة الأولى، منشورات جامعة الكويت، الكويت، 1987، ص9.

7- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (80/ اتحادية/ 2017).

8- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (42/ اتحادية/ 2019).

9- د. محمد رفعت عبد الوهاب، مصدر سابق، ص431.

10- د. سليمان محمد الطماوي، السلطات الثلاث، دار الفكر العربي، مصر، 1967، ص361.

11- د. حسن مصطفى البحري، مصدر سابق، ص361.

12- قرار المحكمة الاتحادية العلي (140 وموحدتها 141/ اتحادية/ 2018).

13- د. حميد حنون خالد، الأنظمة السياسية، المكتبة القانونية، العراق، 2015، ص71.

14- د. عادل الطبطبائي، الحدود الدستورية بين السلطتين التشريعية والقضائية، منشورات جامعة الكويت، الكويت، 2000، ص74.

15- د. فؤاد كمال، الأوضاع البرلمانية، الطبعة الأولى، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، مصر، 1927، ص258.

16- د. حسن مصطفى البحري، مصدر سابق، ص363.

17- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (195/ اتحادية/ 2023).

18- د. حمدي علي عمر، النظام الدستوري المصري، منشاة المعارف بالإسكندرية، مصر، 2016، ص100.

19- د. محمد رفعت عبد الوهاب، مصدر سابق، ص431- 432.

20- د. سليمان محمد الطماوي، مصدر سابق، ص364.

21- د. جابر جاد نصار، مصدر سابق، ص6- 7.

22- د. نعمان أحمد الخطيب، الوجيز في النظم السياسية، الطبعة الثانية، دائر الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2011، ص383.

23- د. محمد كامل ليلة، مصدر سابق، ص926.

24- د. سليمان محمد الطماوي، مصدر سابق، ص373.

25- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (78/ اتحادية/ 2016).

26- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (52/ اتحادية/ 2017).

27- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (114/ اتحادية/ 2015).

28- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (36/ اتحادية/ 2017).

29- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (48/ اتحادية/ 2017).

30- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (37/ اتحادية/ 2017).

31- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (80/ اتحادية/ 2017).

32- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (140 وموحدتها 141/ اتحادية/ 2018).

33- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (227 وموحدتها 232/ اتحادية/ 2018).

34- د. حميد حنون خالد، مصدر سابق، ص71.

35- د. محمد رفعت عبد الوهاب، مصدر سابق، ص433.

36- د. حسن مصطفى البحري، مصدر سابق، ص270.

37- د. محمد كامل ليلة، مصدر سابق، ص929.

38- د. السيد صبري، حكومة الوزارة، المطبعة العالمية، مصر، 1953، ص25.

39- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (90/ اتحادية/ 2019).