المجتمعات في منطقة الشرق الأوسط محكومة بآليات النفاق المعمم التي خلاصتها أن الأقوال عدوانية وموجهة ضد جهة معينة , بينما الأفعال تعزز دور تلك الجهة وتحقق مكاسبها وأهدافها , وما تطمح إليه من هيمنة وقدرات تحكم بمصير المنطقة بكاملها.
ويبدو ذلك واضحا بتصريحات رموز الأنظمة والأحزاب التي تسمي نفسها دينية , وهي تنطلق بالخطب النارية ضد تلك الجهة , وبأفعالها تؤمّن لها ما تريد , بل أنها وبواسطتها قد أنجزت إنتصارات تأريخية ومكتسبات لا تحصل عليها لو شنت هجوماتها بأعتى الأسلحة وأحدث الطائرات.
فالمعممون والملتحون يؤدون مراسيم تدمير المنطقة وتحطيم إرادت أهلها , ويفرشون السجادة الحمراء للذين يسمونهم أو يدعون أمام الناس على أنهم أعداؤهم , وهذا هو النفاق الصارخ المرهون بعمامة ولحية تم إضفاء ما لا يجوز من الصفات التقديسية والتأليهية عليها , لكي تكون ذات صوت مسموع وتبعية عمياء.
فما ينطقون به أكاذيب وخداعات وأضاليل لتمرير اللعبة الإبتلاعية للوجود الحضاري والإنساني للمنطقة , وتحويلها إلى رهينة وسلعة تباع في مزادات متاجراتهم بكل شيئ يتصل بها.
فالعدو الأكبر والحقيقي للوجود الإنساني المعاصر هم هؤلاء الدجالون المتظاهرون بالدين , والمتحزبون المتخندقون وراء مَن يرشدهم إلى بضاعة يبيعونها بثمن بخس , ليشفى غليلهم وتنسكب أحقادهم في أوعية القابضين على مصيرهم بإسم مذهب أو طائفة أو دين.
فالمحنة الجوهرية ليست بوجود عدو , فهذا ديدن الوجود البشري منذ الأزل , فلكل حالة ما يعاديها , وعليها أن تتأهب وتتحدى وتقاوم , وتستثمر قدراتها لكي تبقى وتتنامى وتتفوق , لكنها في الذين يوهمون الناس بأنهم يعملون لصالحهم ويعبّرون عمّا فيهم , وهم الذين يترجمون أجندات أعدائهم والطامعين بتدمير وجودهم.
ولإنجاز هذه المهمة الشائكة المضللة ما وجدوا أفضل من الدين وسيلة سهلة , وفعّالة لأخذ الناس إلى جحيمات سقر الدنيوية على أمل الفوز بجنات النعيم الآخروية , فتراهم يتدافعون كالقطيع المنوّم المخلوع الرأس نحو الهاوية التي يريدها لهم أعداؤهم , والمدّعون بالدين يتبخترون ويتمتعون بما وهبهم عدو المساكين من رزق مهين.
فهل لخروج من غفلة العدم , وإعادة الكرامة للعقل والبصر , أم أن الأجيال ستبقى في مسيرات التدحرج إلى وديان الضياع والسقم؟!!