التصلب والصهر القسري للتحولات

التصلب والصهر القسري للتحولات

يعد عدم القراءة الصحيحة الراشدة والاستفادة من التاريخ المشكلة الكبرى في التعامل مع هذا الفرع المعرفي المهم، على الرغم من إن درسه العميق يظل دوماً يلح علينا بالقول ان جوهر الأحداث يتكرر مهما اختلف شكله أو تنوع، ومهما ادعى الجميع أو ذكروا ما تلقيه علينا تلك الأحداث من عبر عميقة وعظيمة في آنٍ واحد.

والمهم ان واحدة من أسباب ذلك السلوك السلبي تجاه التاريخ يكمن في عدم إدراك البعض لإمكانية تغير الأحوال وتبدلها في لحظة واحدة تشكل انتهاءً شديداً لجملة من التراكمات، وتلك حقيقة كبرى نبه إليها القرآن الكريم بالحديث عن سنة التداول، وان لا ثبات لأي موقع مهما كان، فجاءت الآية الكريمة {وتلك الأيام نداولها بين الناس} شاهداَ عظيماً على ذلك.

وعلى الرغم من تلاوة القرآن الكريم ليل نهار، ووجود عشرات الدراسات والأبحاث التي تفسر وتشرح معاني ودلالات تلك الآية الكريمة، ولكن في النهاية يظل البعض أمامها غير مصدق، أو معتبراً أنه سيكون بمنأى عنها، في تعاطي غريب معها.

ولكن الأحداث تعود مجدداً لتلقي بظلال الآية ذاتها واقعاً على الأرض، ولتقول لنا للمرة الألف أن دوام الحال من المحال، وان الاطمئنان إلى بعض قوة ذاتية أو سكون شعب تحت قمع التعذيب، أو اقتصاد مزدهر ظاهراً هو خطأ استراتيجي كبير يولد الغفلة ويحقق الضياع للدول والجماعات.

ما زلت اتأمل ذلك التبديل الكبير في خارطة الأحداث منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، وبعيداً عن التباين في تفسير ما حصل أو مآلاته التي ما زلت كذلك اعتقد انها كانت استراتيجية وبالتالي لا يمكن قياسها على اليوميات، بعيداً عن ذلك فان التغير في موازين القوى كان عظيماً، فمن كان يفكر ولو لوهلة ان نظام الأسد وبعد بقاء متوحش لأكثر من 50 عاماً لم يحتاج إلا لبضع أيام حتى ينهار إلى غير رجعة؟! وان تردداته تتسع لتشمل تضاؤل نفوذ بعض الأطراف، ومحو أسماء كبرى، وتقدم غيرها.. الخ.

والعجيب أن أحداث 7 أكتوبر التي كانت لمدة عام محصورة في بقعة صغيرة مثلت إحدى عوامل التسريع والحسم وذلك التبدل والتغيير!!

إن حركة التاريخ تسير بوتيرة مستمرة، وتظل تدور بين قوة وضعف، وعلو وهبوط، ومعدلات السرعة قد تزداد في لحظة لم يدركها أحد فإذا بها تعيد تشكل صورة العالم برمته.

لذا فالتصلب والجمود وقت الحراك انتحار معلن، والسكون وقت التحولات العظمى اعلان وفاة مبكر، والشاطر من استطاع أن يجد من كل ضيق مخرجاً، ومن كل محنة منحة، واستبدل الضعف بالنفوذ والفاعلية بعد أن يكون قد نجح بتحييد التهديدات عبر توظيف الفرص المتاحة مهما قلت.

هكذا تفعل الدول الحية حين تستحضر التاريخ، فماذا نحن فاعلون؟!