23 ديسمبر، 2024 4:52 ص

ظاهرتان سلوكيتان تستحقان النظر والدراسة والتحليل العلمي الرصين , لأنهما فاعلتان في كيان الأمة , لكنهما يتجسدان بوضوح وإستثمارية عالية في بعض مجتمعاتها , فالتشكي سلوك متَعلم وتساهم بتعليمه البيئة الإجتماعية إنطلاقا من البيت , فمعظم الأمهات يتحولن أمام أولادهن وبناتهم إلى شاكيات من ظلم الزوج أو الأب أو الأخ , وتفوح من كلماتهن عواصف التشكي والتظلم , وكأن العلاقة ما بين الرجل والمرأة علاقة ظالم ومظلوم.
كما أن تجار الدين يستثمرون بسلوك التشكي والتظلم لتحقيق مآربهم الرغبوية , فتجد مواعظهم وخطبهم وما ينطقون به يحث عليه , ويعززه بل ويقدسه ويجعله من صدق الإيمان.
وهو راسخ في الفرد ويتفاعل ويتمدد ليشمل المجتمع , وبتراكم التشكي وتعميق التظلم يتحقق الإنفجار العدواني العشوائي , الذي يقبض على الشاكي والمتظلم ويزيده قهرا وبؤسا وظلما.
وبتكرار هذه التفاعلات المفرغة , يميل الناس إلى التوسل , وهكذا ترى الناس تتوسل وتتودد لأصحاب الكراسي وتستجدي منهم , وتغفل عن مساوئهم وما يقومون به من آثام وخطايا , فإن إستجابوا لتوسلاتهم فهم من الصالحين المنزهين , وإلا فهم من أعدائهم والظالمين لهم.
ووفقا لذلك فأن الفساد عميم , ولا يعني شيئا لأن نجاح المسؤول يكون بإرضاء التوسلات , وتعزيز التظلمات والتماهي معها , وإعطائها معنى آخر كما يفعل تجار الدين المتنعمين بفضل ربهم , ويحثون الناس على الصبر , لأنه إمتحان لهم وعليهم أن يفوزوا به لكي يغنموا بعد موتهم.
وهذه الظواهر السلوكية واضحة فيما تكتبه الأقلام فهي ما بين متشكية متظلمة , أو مدونة بمداد التوسلات وما آلت إليه من العطاءات.
وعندما تتساءل عن المشكلة يبدو السؤال هو المشكلة!!
إنها ثقافة إجتماعية سائدة ومرغوبة ومعززة بالعديد من الحالات , بينما هي مرفوضة في المجتمعات المتقدمة.
فالمتشكي يُهمل , أو ينبه لأن عليه أن يفعل ويعمل وفقا للقوانين , لأخذ حقه وممارسة حياته بحرية وكرامة ورجاء.
ولهذا يندر كلام التشكي في أحاديثهم , أما التوسل فوصمة عار لا يمكن لأحد أن يمارسه لأنه سينال الإحتقار.
إن وعي هذه الظواهر السلوكية السلبية وتجاوزها إلى ما هو أفضل منها , سبيلنا الإيجابي السليم للخروج من مأزق التيهان في لجج الأيام.
فهل سنبقى كالمقعدين في حفر الأنين؟!!