22 نوفمبر، 2024 5:55 م
Search
Close this search box.

التشكيل العراقي … نحو تأصيل قيم الوعي وفهم إشكالات الواقع

التشكيل العراقي … نحو تأصيل قيم الوعي وفهم إشكالات الواقع

حين تضع أية حركة تشكيلية أو أية رابطة نقدية أو ثقافية في أي مجال من مجالات الإبداع برنامجها الفكري أو الفني أمام الجمهور ، فإنها بالتأكيد تسعى إلى تأصيل قيمها نحو الوعي بأهمية قيم الفكر والثقافة والفن كهدف ضروري لخدمة الإنسان. والفن التشكيلي من وجهة نظري الخاصة ليس ذلك الفضاء المطلق المفتوح على بوابات لانهائية ، إنما هو الفضاء المفتوح على أفق الواقع بكل إشكالاته.
ان الغاية من طرح موضوع التشكيل العراقي وعلاقته بالمجتمع والموقف من التيارات الفنية العالمية ومسألة الاغتراب الفني وعلاقة هذا التشكيل بالأدب والصحافة هو فتح حوار لايكتفي بالسائد الموجود بل يتجاوز ذلك إلى القيم الفكرية الأكثر تأثيراً في مجتمعنا . وأملي في ذلك أن استشرف ذلك الجوهري الحقيقي عبر نقاش يأخذ من الواقع كل معطيات التجاوز . ولاشك أن الذين سيشاركونني النقاش بمجمل ما سأطرحه ، يملكون أفكاراً وتصورات هامة في هذا المجال ، حيث سيجمعني حتماً وإياهم هم مشترك محفور داخل كل فنان يشكيلي و مثقف حقيقي ، وهذا الهم متعدد الجوانب كإشكال الإبداع . وبما أن هدفي في مقالي هذا هو التشكيل العراقي ، فاسمحوا لي أن أقول – إنني هنا لست بمنظّر لهذا الهم بل أنا واحد من المهتمين بنفس لغتكم أبادر هنا بفك رموزها والتعرف على قواعدها وأشكالها معاً . وأكون شاكراً جداً لمشاركتكم إياي في مناقشة وجهة نظري مناقشة هادفة نتقاسم من خلالها حمل هذا الهم.

ـ أولاً ـ

ذات مساء سبعيني ، كنت خارجاً من إحدى قاعات العرض التشكيلي في بغداد، كنت مازلت طالباً في الإعدادية . وفي ذلك المساء كنت أحلم بأن أكون واحداً من فناني الحركة التشكيلية ، فاعلاً ومتفاعلاً ، مؤثراً ومتأثراً ، وحتى ذلك الحين لم تكن للحركة التشكيلية صورة واضحة المعالم ولاواقع ملموس . وحلمي بأن أكون محسوباً على الحركة التشكيلية كان يوازي حلمي بتبلور الحركة التشكيلية لامحلياً فقط بل ويمتد إلى تجسيدها عربياً وعالمياً.
كنت أسير وأنا أحمل هذا الحلم الذاتي جداً وربما الجماعي جداً . وإذا بعيني تحط رحالها من آفاق الحلم إلى دنيا الواقع ، وتقع على غلاف كتاب عبارة عن لوحة فنية . ولازلت أذكر ذلك الغلاف/اللوحة الذي التصقت صورته بالحلم الذي أحمله لتمتزج به وتتكون بالتالي بداية الهواية التشكيلية في داخلي . ولايعني هذا بدايتها منهجاً وتاريخاً ، كونها كانت لها إرهاصاتها منذ زمن سابق ، ولكنها البداية من خلال ذاتي أنا وفي خضم حلمي أنا أيضاً.
بعد ذلك استشرف حلمي بعداً آخر … فإذا كنت أحلم بأن أكون فاعلاً ، فما هو الفعل الذي أود أن أنسب إليه ؟ وفي اعتقادي ، إن مثل هذا السؤال كان يجب أن يسأله الكثيرون ممن ينتمون للحركة التشكيلية كما تسأله الحركة التشكيلية بصورة عامة لذاتها . ولاأتمنى الإجابة عليه الآن ، لأن الحلم بصورة عامة سؤال أبدي إذا أردنا أن نجيب عليه ، فإننا نخرج به عن كونه فناً ، والحركة التشكيلية جزء من الفن. فإذا نحن أجبنا من خلالها خرجنا بها عن كونها حركة تشكيلية.
وفي اعتقادي ، إن الوجه الحقيقي للحركة التشكيلية ، مسؤولية الفنانين أنفسهم وليست القنوات “صالات العرض ، الصحافة الفنية ، الدعم الرسمي … الخ” التي هي الفرصة المواتية . والسؤال هنا:- هل استفادت الحركة التشكيلية من هذه القنوات ؟
مهما كان الجواب ، فإنه بالتأكيد أضاف للصورة لوناً جديداً وشكلاً جديداً . ويلح السؤال على الفنان نفسه:- وماعساه أن يكون هذا الذي يمر من خلال القنوات التي عنيتها آنفاً.
الصورة تتسع وتتداخل تفاصليها ، ويتناسب هذا التداخل طردياً مع الاتساع ، وهذا أمر قد يدعو لشيء غير طبيعي ، إذ إن التداخل يتناسب طردياً مع الضيق ولكنه من خلال الحلم/الواقع يكون أمراً طبيعياً.

ويبرز سؤال عن أيهما اسبق ، القنوات أم المحتوى ، النقد أم الإبداع ؟
فإذا كانت الحركة التشكيلية قد أصبحت الحلم/الواقع ، فالنقد التشكيلي لازال حلماً.
إن الصورة نفسها تلح في الطلب ألاّ يكون النقد التشكيلي قائماً ليؤكد أن هذا الجزء من الصورة ضعيف فحسب ، ولكن ما هو هذا الضعف ؟ أوليس ليؤكد أن هذا الجزء قوي بل ليؤكد أين هذه القوة ، والصورة تلح أيضاً على ألاّ يهدم أي جزء منها سواء كان ضعيفاً أو قوياً . فمبدأ الهدم مهما يكن فإنه يخرج بالصورة عن كونها صورة ، وإن صورة الحركة التشكيلية ترجو ألاّ يكون الناقد التشكيلي مجرد ساعي بريد يقذف بفنانيها إلى صناديق المنهج النقدي الغربي ومصطلحات مدارسه الفنية والنقدية ، وهو يطالب في الوقت نفسه أن يوضح المرسل عنوانه ، في حين إن رسائل الفن لاتحتمل العناوين ، فإن هي عنونت ضاعت ، أو أن يكون الفنان مرسلاً على امتداد الوطن ، ويأتي الناقد ويضعها تحت عنوان خارج الوطن بحجة أنه يبحث عن موقعه ، وأين ؟ إنه يبحث عن موقعه خارج الوطن !!
إن الفنان يرسل رسالته الفنية عبر لوحاته وأعماله إلى كل الإنسانية ، ويأتي الناقد ليضعها تحت عنوان يحد من انطلاقتها ويأسرها ولايتعدى دائرة المرسل بحجة أنه يبحث عن موقعها داخل دائرة المرسل أيضاً.
إن صورة الحركة التشكيلية تلح إلى حد النزف ، أن تبقى الرسالة للمرسل ، ويبقى السؤال:- ماذا عساه أن يكون هذا الذي يمر من خلال القنوات التي حددتها آنفاً؟
ويبقى للصورة أن تنتشر ، وتؤكد وجودها ، وكان أمراً طبيعياً أن تعكس صورة الحركة التشكيلية صحافة تشكيلية واعية ، فهل هي حلم واقع أم إنها مازالت الحلم ؟

ومهما يكن الجواب أيضاً ، فليس هاماً ، ولكن الأهم وجودها وتقييمها ، كماً ونوعاً ، يبقى أيضاً موازياً لكم ونوع عناصر الحركة التشكيلية نفسها – الفنان والعمل الفني ، ووجود الصحافة التشكيلية تأكيد على وجود الحركة التشكيلية بكامل عناصرها وجوداً فاعلاً . وقد جاءت المبادرة أيضاً من بعض الفنانين التشكيليين أنفسهم بقاعاتهم الخاصة ومحاضراتهم الفنية في الوقت الذي كان يجب أن تأتي المبادرة من النقد التشكيلي . وهذا يؤكد عدم توازي النقد التشكيلي مع الحركة التشكيلية.

– ثانياً –

التشكيل العراقي ، نما وازدهر في ظل ظروف معينة . وهناك مجموعة كبيرة من الفنانين والفنانات يسعى قسم منهم بصدق المبدع وإرادته لإبراز هذا الفن بإبداعاته وخصوصياته وسماته المميزة . ومع ذلك فهناك مؤثرات تراثية وعالمية تركت بصمات واضحة على التشكيل العراقي . وهذا أمر طبيعي للغاية لو أدركنا العمر الزمني للتشكيل عندنا ، وهو أكثر من نصف القرن بقليل . وقد كانت هناك ولادات مبكرة للتشكيل قبل هذا التاريخ ، مع الأخذ بنظر الاعتبار اختلاف الواقع الفني نتيجة لاختلاف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ، واختلاف جغرافية المكان نفسه ونظام الحياة فيه.
فعندما انحسر الحكم العثماني وظهر التأثير الأوربي في بعض أقطار وطننا العربي ، وحدث التواصل بين الدولة المستعمَرة والمستعمِرة ، انتقلت أفكار المستعمَر إلى داخل المجتمع العربي ، وظهرت بصمات المستعمَر على شتى مجالات الحياة ومن بينها الفن.
هكذا ظهرت ظاهرة الاغتراب في إنتاجنا التشكيلي شكلاً ومضموناً ، وطغت هذه الظاهرة بشكل ظهرت أعمال فنية لارابط بينها وبين حياتنا وهمومنا . فإذا أخذت فناناً ما من أول إنتاجه إلى آخر ما أنتج ، لن يجد فيه خطاً متواصلاً يتدرج إلى درجات أعلى من التفهم والوعي بواقع المجتمع وقضاياه . وعندما أقول قولي هذا ، ربما يعترض البعض ممن يرون أن الفنان ليس مدرساً أو باحثاً اجتماعياً ، واعتراضهم مقبول ولاأرفضه . إلاّ أن هناك دوراً لكل مواطن في المجتمع ، والفنان كفرد استثنائي في المجتمع ، عليه أن يطرح أعمالاً نابعة من المجتمع الذي هو فيه.

فأطروحاتنا الفنية ندعو فيها إلى العودة إلى التراث ، والتراث يستحق أن نأخذ منه ما هو صالح لحياتنا الحالية لا أن نقلد كل ما جاء به.
فمثلاً ، الخط العربي جزء من تراثنا العربي ، ولكنه يقحم إقحاماً في أعمالنا التشكيلية دون وعي ، فلو رجع فناننا العراقي إلى تراثه وفهم مدلولات خطه وعرف لماذا تطور هذا الخط وكيف وصل إلى هذه الدرجة . فمن أدرك كل هذا وانطلق بوعي ليس كمن انطلق تقليداً للأوربيين عندما أدخلوا الحروف العربية في لوحاتهم.
إن تراثنا غني ، فلاأدري لماذا لايتجاوب فنانونا مع التراث روحاً ويدرسونه علمياً ثم ينطلقون بعد ذلك لتكون اللوحة ذات ارتباط بيئي وموضوعي بالعقلية العراقية ؟
إن إشكالية الفنانين عندنا ، هي عدم التزامهم بنظرية تجاه الحياة مما أفقدهم الأصالة والهوية والتوجه الواضح ، فذابت شخصياتهم بين مدارس فنية متعددة ، حتى إن من يقرأ لوحات فنان واحد يحس أنه أمام لوحات لعدة فنانين لافنان واحد . وهذا ناتج عن عدم وجود الفنان الناقد وعدم وجود الصحافة الفنية الناقدة الواعية بدورها الفني التاريخي.

– ثالثاً –
قد يظن المتابع للوهلة الأولى ، إن موضوع الاغتراب في الفن مزدوج ولكنه يجده اغتراباً كثير التعدد لأنه يشمل اغتراب الفنان عن وسطه/الجمهور والمجتمع.
فالفنان في غربة ، لأنه لايتحدث عن الفن إلاّ مع زملاءه في الصالات أو في بلاد غير بلاده ، اعتاد جمهورها بكافة مراحله العمرية والمعرفية أن يذهب دائماً إلى الصالات ويتفاعل مع ما يجد من أعمال فنية.
وإذا تحدث الفنان مع تلك الأوساط يقتصر حديثه على التقنية والمدارس بحيث يأتي أغلب الحديث مكرراً طافياً على السطح غير قادر على اكتشاف الأعماق ولمس الجوهر الأصيل المتعامل مع التراث والبيئة . ومرد ذلك ، أن الفنان لم يكتمل وعيه الكامل بالتراث ، تراثه هو وتراث الغير الذين يقتبس منهم أساليبهم ومدارسهم . فجاءت أعماله انتقائية في أغلبها.
اذن ، لاجهد ، لأن جميع المدارس موجودة دون مخاض ودون انتماء . وتلك الأساليب لم تنبثق من المجتمع ، لذلك أصبح الفنان لايعبر عن هموم جمهوره ، كما إنه لايلتفت لدراسة المدارس التي اتبعها لنقاشها ومحاورتها ليكون أخذه وقبوله على أساس مدروس.

كذلك – على افتراض – إن الجمهور لايصل إلى الفن ، بتشبث في مأخذ كبير على الفنان ، وهو إنه مقتبس وغامض ويتعامل بمصطلحات غير واضحة مما ليس لجمهورنا استعداد لمعرفته ليتواصل معه ويناقشه.

وجمهورنا لايتلفت للإيجابيات التي يمكن أن تتولد حتى من ذلك الاغتراب ، فالفنان عندما يقتبس من المدارس الغربية يعمل على التعريف بتلك المدارس وإثارة الجدل حولها ودفع الجمهور لمعرفتها وإخضاعها للتفاعل الإنساني وزيادة تجربة الفنان تقنياً وحسياً من جراء ذلك . ويكون كل هذا أساساً لتكوين الشخصية الخاصة عند الفنان إذا تجاوزها.

وجمهورنا أيضاً يطلب شيئاً واضحاً ومستساغاً دون أن يحمل بين ثناياه هم الإبداع . وعلى الجمهور أن يدفع الفنان إلى الأمام إلى أعلى من خلال الحوار والنقاش والسؤال والاستفسار والنقد والتشخيص الواضح لنقاط الضعف والإشارة القوية إلى كل إنجاز.

وإذا كان الجمهور غير مطلع ويعيب على الفنان استعارته من الغرب ، فعليه هو أيضاً أن يعمل على تثقيف ذاته بالإطلاع . وإذا تواصل فسوف يجد أن التواصل مع الفنان ليس عملاً معقداً إلى الحد الذي تصوره ، عليه فقط أن يستحضر الذاكرة التي لها علاقة بهذا العمل أو ذاك . فالجمهور عليه أن يعرف ما يريد ليستطيع أن يطالب به الفنان ، لأن الأمر ليس طلباً وإعجاباً بل مهمة حضارية تلقى علينا جميعاً ، وهو سؤال صعب في مثل هذا الزمن الذي يخوض الصراع الثقافي فيه أشرس معاركه.

– رابعاً –

وماذا عن اغتراب المثقفين ؟! اغتراب من يهتمون بالفن والأدب والنقد ممن يمتلكون قدرة فكرية علمية على تحريك هذا الجو الفني التشكيلي وحل بعض مسائله وتأسيس أرضية ينطلق منها بشكل جاد ، إلاّ أن العلاقة تبدو ضعيفة.

أرى ، أن يعتبر المثقفون أنفسهم معنيين بشكل أساسي في توجيه الحركة التشكيلية والانصهار فيها كلياً ، ومن الجانب الآخر ، نرى أن بعض التشكيليين أيضاً بعيد عن الأدب والفكر الذي يشكل أساساً قوياً لإلهامهم بالأفكار الحضارية وبنقاش ما يجري على الساحة العالمية ، وللإرهاص بأفق أكثر وعياً يربط بين الكل والموضوع، يقف على تراث قوي ، لأن هذه العلاقة هي الكفيلة فعلاً بزيادة وعي الفنان التشكيلي وفي تعريف المثقف المفكر الناقد في مختلف النصوص التشكيلية ليكون أساساً في الرؤية التقنية للعمل التشكيلي ويربط بين وحداتها الصورية ، كما تعود أن يربط بين اللوحات الشعرية والأدبية والفكرية.
وتبقى مسألة تحديد الدور الأساسي عند الفنان التشكيلي وكيفية توليف لعبة التوازن ، وكيفية العمل على التفاعل مع الجمهور حتى لاينعزل في برجه العاجي وتكون القطيعة مستمرة.
إن كل ما ذكرته عن الاغتراب لايعني عدم وجود إنجازات رائعة في استلهام البيئة ومعالجتها ، إلاّ إن كل هذه الإنجازات تحتاج إلى دراسة أعمق لتكون مدرسة لأساس فكري واضح حتى تستطيع بالفعل أن تجذب الجمهور.

– خامساً –
وماذا عن الصحافة التي تعنى بالفن التشكيلي ؟
إننا لانملك صحافة تعنى بالفنون التشكيلية بالمعنى المتعارف عليه سوى صفحة واحدة كانت تظهر في صحفنا في الشهر مرة أو مرتين . ولكن السؤال يبقى:- وماذا عساه أن يكون هذا الذي كان يمر من خلال هذه الصفحة القناة ؟
ربما بهذا المسعى ، تتألق الصورة ليلتحم ضوءها بضوء أعم وأشمل ، هو ضوء الحركة الثقافية ويتحقق التفاعل – الإبداع الأدبي بكل صوره مع تفاعل الإبداع الفني والتشكيلي بكل صوره أيضاً ، ويصبح الحلم/الواقع للحركة التشكيلية جزءاً لايتجزأ ، من نهضتنا الثقافية والحضارية ، الشاعر والقاص والفنان والناقد الأدبي والناقد التشكيلي ، تنتصر أدواته ووسائله لتؤكد حقيقة أن أنواع الفنون جميعها تلتقي حول شيء واحد.

ولكن السؤال يبقى ويلح على الفنان التشكيلي:- وماذا عساه يكون هذا الذي يمر من خلال هذه القنوات ؟

ويكبر التبني لهذه الصورة بقدر كبر هذه الصورة ، فتأتي الجهود والمبادرات الخاصة إما من بعض أعلام الحركة التشكيلية أو من المهتمين بها خير دليل على تألق صورة الحركة التشكيلية.

ويبقى السؤال يؤرق الفنان التشكيلي:- وماذا عساه أن يكون هذا الذي يمر من خلال هذه القنوات ؟

مهما يكن من أمر الصورة ، يكون من أمر المتلقي ، وهذه مداخلة تطول فيها التأملات وتدور حولها علامات الاستفهام ، وتتعدد أمامها وخلفها علامات التعجب.

إن الكثيرين من المثقفين والمبدعين والنقاد والمتلقين يؤكدون أن ليس هناك توازن بين المبدع والمتلقي ، ويقفون هنا دون توضيح أمر في غاية الأهمية هو:- من الذي لايوازي الآخر ، المبدع أم المتلقي ؟ وهم أنفسهم يؤكدون أن هناك توازناً بين المبدع والمتلقي ، ويقفون دون أن يحددوا من الذي يوازي الآخر ؟ ومهما تكن الإجابة يبقى السؤال . وهذه المرة على هيئة إصبع يتجه إلى الفنان التشكيلي . وماذا قدمت أنت للمتلقي ؟
فبقدر جمال صورة الحركة التشكيلية ، يكون جمال فنانيها ، أسماء أكدت أن الحركة التشكيلية بالعراق لم تعد ذلك الوليد الغر ، بل أصبحت كياناً ناضجاً ، وبقدر النضوج يكون السؤال:- ولكن ما جدوى السؤال عن الآخرين ؟
إن السؤال ، يجب أن يبدأ من الذات وينتهي إلى الذات ، يبقى السؤال:- من أنا ؟ ومن أنت ؟ ومن نحن ومن هم ؟
ويأتي السؤال جديداً:- وما عساه تكون صورة الحركة التشكيلية ، الواقع / الحلم ؟
لاجواب ؟!
إن أحلام الصورة لازالت تمتد شرايينها ، تتجذر في أرض الوطن وأصابعها تشير إلى السماء ، وهي بكل تأكيد تجاوزت ذلك الحلم في ذلك المساء ، والذي خرجت أحمله من تلك القاعة لتلتصق في ذاكرتي ووجداني صورة ذلك الغلاف اللوحة.

أحدث المقالات