23 ديسمبر، 2024 8:09 ص

التشقق من الشق , ولشق الشيئ تحتاج قوتين بإتجاهين متعاكسين , وعندما تسعى لتشقيق مجتمع ما , لابد من توفير هاتين القوتين والحفاظ على ديمومتهما وتواصلهما وتعاظمهما , لكي يكون الشق والتباعد أكبر فأكبر , وفقا لمقدار القوة المُسلطة.
ويبدو أن بعض المجتمعات تم تشقيقها إلى قطع متناثرة وفقا لمعطيات قبلية , عشائرية , مناطقية , طائفية , وغيرها من التوصيفات الهادفة لخندقتها , ورميها في حفر الويلات والتداعيات , لكي تستنزف طاقاتها وتقضي على قدراتها , فيكون المجتمع رهن إرادة الآخرين الطامعين بإفتراسه ومصادرة ثرواته , وسحق تطلعاته وأمنياته.
فتجدنا أمام مَن يتخاطبون بلغة عشائرية واضحة وقبلية فاضحة , وكأنهم لا يعيشون في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين , ويندحرون في متاهات الوجيع والأنين , وعندما تتساءل عن السبب الفاعل في هذا السلوك , تكتشف غياب الدولة وإنتفاء القانون , وعدم فاعلية الدستور , ففي هذه الأوضاع المشوشة يميل البشر بطبعه إلى النكوص في تفاعلات كينوناتية صغيرة , للحفاظ على بقائه وشعوره ببعض الأمان.
فالتشقق ناجم عن ظروف قائمة وقوى عازمة على الإفتراس , تستثمر بالواقع المَتاهي المحفوف بالقلق والخوف من المجهول , فتعزز الإندحار في الكينونات الصغيرة , لتتمكن من إستلابها وتطويعها لتنفيذ أهدافها وتحقيق مصالحها.
إن رأب صدع التشققات المُجتمعية , يستوجب إحياء الإرادة الوطنية , وتأمين قوة القانون والدستور , وتأكيد هيبة الدولة ودورها في حماية المواطنين , وحفاظها على حقوقهم وممتلكاتهم وحياتهم , من أهوال العابثين بالبلاد وفقا لإرادة الآخرين.
كما يستدعي نشر الثقافة الوطنية , والرؤى الإيجابية اللازمة لبناء الحياة الحرة الكريمة , في وعاء وطني سليم ومتين السيادة والقيادة , لتقوية اللحمة الوطنية , والألفة والتقدير الكامل لمعاني المواطنة والوطنية , بالسلوك العملي البنّاء.
ويكون للمثقفين والكتاب والمفكرين والفلاسفة دورهم التنويري , العازم على تشييد معالم النهضة الحضارية الإنسانية , اللائقة بجوهر الوطن التأريخي والجغرافي والثقافي.
فهل من قدرة على لم الشمل , ومنع الشل؟!!