حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي
أولاً- المنظور النفسي للتشابك السردي العفوي في النص الأدبي النثري
واستهلال التحدث في هذا الموضوع نفسي بحت، يأخذنا نحو منحى الغرائز في الكائن الحي ومنها المملكة البشرية. وتعني الغريزة) ( instinct الإنسانية : الفطرة، أوالنمط الثابت من السلوك، أو الميل الفطري الدافع للكائن الحي نحو العمل في اتجاه معين تحت ضغط حاجاته الحيوية، وهذا النمط من العمل يخدم كثيراً في تأقلم الكائن على ظروفه و بيئته، فضلاً على أن التصرف الغريزي يمكن متابعته في أدق التفاصيل عند الكائنات الحية، و في الإنسان ايضاً، و بالرغم من أن الغريزة هي أساس التصرف عنده، لكنه يكون أكثر مرونة واختلافاً …..
يحترم معظم علماء النفس الغرائز التي تتسم بالمحافظة على إدامة الحياة لكونها تعد المصدر الأول لانفعالات الهروب من الخطر، والثاني مصدر الغرائز الجنسية والأبوية، وتعتمد نظرية فرويد على غريزتين هما الغريزة الجنسية، وغريزة الوفاة، بينما يعدد (ماكدوغال) أربعاً وعشرين غريزة مختلفة، ويؤسس عليها نظريته النفسية، أما لو أخذنا الإنسان بالتخصيص فقد أشار علماء النفس إلى وجود سبع عشرة غريزة يمكن أن تسكن في عقل الإنسان ولديه القدرة على التحكم فيها، و يستمد نجاحه في الحياة بصفة عامة لوكان مسنوداً بمدى قدرته على هذا التحكم , وهي:
-١-غريزة الهروب : و تأتي في المقدمة و انفعالها يكون الخوف دوماً، عندما يكون هذا الانفعال في الشخص واضحاً فإنه يتصف بالجبن و عدم الثقة في نفسه, و يكون إنساناً تنقصه الجرأة و الإقدام.
2- -غريزة المقاتلة (العدوانية): انفعالها الغضب, و فيها يكون للإنسان نزعات عدوانية و ميل لإيذاء الغير و حب المشاكسة و العراك.
3- – غريزة حب الاستطلاع: انفعالها التعجب, و يكون الشخص متصفاً بالفضولية و يبدو هذا في الدأب على البحث وراء الحقيقة و الوقوف على أسرار الغير…
4- -غريزة حب السيطرة : انفعالها الزهو و حب التسلط و الرئاسة و إظهار القوة و تأكيد الذات.
5- -غريزة الخضوع و الاستكانة : انفعالها الاستسلام و الانقياد و الشعور بالنقص.
6- -غريزة البحث عن الطعام : انفعالها الجوع.
– -7غريزة الجنس : انفعالها الشهوة الجنسية .
8- – غريزة الوالدية : انفعالها الحنو و العطف و الرعاية العائلية.
9- – غريزة التجمع : انفعالها الشعور بالعزلة و الوحدة.
10- – غريزة التنقل: انفعالها ارتياد الأماكن أو المواقع الجديدة.
11- – غريزة حب التملك : انفعالها حب الاقتناء و الحصول على ممتلكات الغير أو جمع المال.
12- غريزة الضحك : انفعالها الظهور في مظهر المرح .
13- -غريزة النوم: انفعالها الشعور بالتعب.
14- – غريزة الراحة: انفعالها البعد عما يسبب الإزعاج.
15- -غريزة الاستغاثة : انفعالها الشعور بالضعف أو العجز.
16- -غريزة الحل و التركيب: انفعالها حب العمل و الابتكار .
17- -غريزة التقزز: انفعالها الاشمئزاز
و لا شك أن قدرة الإنسان على التحكم في سبعة عشر غريزة ليس بالأمر الهين على الإطلاق، ومادام الإنسان يدار بنظام الغرائز لطلب حاجاته، فهي تشتد لديه في الحقبة الأولى من حياته, وأقصد بالتحديد فترة ( الطفولة) وتلك الفترة تدار كلياً بنظام الغرائز, وخصوصاً غرائز البقاء و التي يعبر عنها الطفل بانفعال البكاء وهو دال ومدلول يتجه نحو مفهوم غريزة الجوع أو العطش او الشعور بالألم والأمومة طلباً في الحاجة للراحة, ويتم هذا السلوك بعامل البكاء, وهو مظهر سردي يعبر عنه الطفل بالعاملين التاليين :
عامل الإشهار الغريزي :declaring factor :
وفي هذا العامل النفسي يعلن الطفل انفعالاته لحاجته الضرورية المرتقبة بالبكاء والعويل المستمر, وهو نوع من السرد التوليدي لإشارة غريزية بصوت العويل كدال يشير نحو مدلول الحاجة الغائبة التي يروم استحضارها، ويقترن هذا المدلول بقرين الاستجابة الفورية عن طريق العامل الثاني:
عامل الإرضاء وسد الحاجة :factor satisfaction:
فحين تسد حاجة الطفل بثلاث استجابات فعلية:
1-الطعام – الرضاعة
2-الهدهدة
3-التنظيف
تكون استجابة الأم في عامل الإرضاء سد الحاجة الغائبة, والتي سببت إثارة تلك العوامل النفسية، بفعل لا سردي يقود نحو الصمت والهدوء أو النوم بعد نجاح عامل الإرضاء، وعندما يتجاوز الطفل سنته الأولى ويطلق لسانه بالكلام، فيتحول هذا الفعل الى عامل سردي، فتشتد لديه قوة السرد والتعبير عن ما يجول بخاطره من أمور لا تحتاج عملية الإشهار عن طريق البكاء أو الصراخ، بل يستعاض عنها بالكلام الصريح، قد لا يكون هذا الكلام محكوماً بعوامل السياق اللغوية المتكاملة لكنه محكوم بفاعلية التواصل، ومن هنا تأتي قدرته على التعبير عن حبكة كاملة لقصة ما تحدث له بشكل غريزي عفوي, وهو بعيد عن إدراك عوامل البناء السردي في الأدب، بل يلقي ما في دواخله بعفوية و دون دراية مسبقة مكتسبة بعناصر القص والسرد من حبكة وصراع درامي و زمكانية وعقدة ونهاية, وإنما هي تأصل خلقي عفوي…
ونستنتج من ذلك إن الطفل المتمكن من النطق حتى بأنصاف الكلمات، يستطيع أن يقوم بعملية السرد لقصة كاملة بعناصرها البنائية السردية لوالديه، و ما يحدث له من صراع وعراك مع زملاء طفولته في الشارع أو الروضة أو المدرسة في سنته الابتدائية الأولى، بكلمات وجمل مفيدة ومضبوطة بالنطق والسياق اللغوي، تستطيع الأم أو الأب من خلالها إدراك ما يحدث، أما إذا كان في الثانية أو الثالثة وحتى السادسة من المرحلة الابتدائية يكون تعبيره السردي ناضجاً بسرد محبوك بهيكلية فنية وجمالية، دون أن يعرف شيئًا عن ماهية الهيكلية الأدبية أو البناء الأدبي الفني والجمالي للقص أو الروي، وهذا دليل واضح أن الهيكلية السردية عبارة عن غريزة أو مهارة أو مقدرة متجذّرة بعقلية الإنسان في الأصل، وتكون نابعة من عفوية ومنطقية اللغة في عقل الانسان، وهو نوع من الاكتمال أو النضوج العقلي في المخ الإنساني …..
وأندهش كثيراً لعدم انتباه علماء النفس لتلك الظاهرة السردية التواصلية مع تعاظم أهميتها لدى الإنسان في التعبير عن حاجاته لسانياً ….!؟ أليس هي نوع من الإشهار لتعبير الإنسان عن حاجاته في الكلام كبديل متقدم عن البكاء والصراخ…!؟ وما أريد قوله، ليس لأحد من فضل على اكتشاف أو ابتكار عنصر واحد من عناصر البناء الفني للقص أو الروي في الحقل الادبي, إلا( العنوان) فهو من ابتكار الكاتب، فقد أقضّ مضاجعنا وأتعبنا البعض من مدعي النقد بذكرهم المستديم في مقالاتهم النقدية بالتوصيات على الاهتمام بالبناء الفني الذي هو في الأصل جزء خلقي متجذّر لدى الإنسان بشكل طبيعي، ينشأ معه و يتطور بتطور النطق اللغوي لديه، و باستطاعة أي طفل أن يسرد قصة حدثت له في الروضة بمنطقية التعبير السردي العفوي من خلال العناصر الفنية التالية:
1-الزمكانية
2-الصراع أو التشابك السردي
3-العقدة
4-الانفراج أو الحل
5-النهاية
6- بحبكة معقولة وشخصيات
وهذا دليل بديهي على عفوية البناء السردي الفني.
ولنطلع على المنظور الذرائعي الفلسفي الذي يحد من السلب والإيجاب في هيكلية البناء السردي للنص العربي…
ثانياً – المنظورالفلسفي الذرائعي للتشابك السردي
التبادلي في النص الأدبي النثري:
وبعد التحاق الأدب بالفن، شكل ثلاثيًا فنياُ مع الرسم والموسيقى، فصار الأدب رسمًا وعزفاً بالكلمات، وتوجهًا نحو المتلقي بشكل فني ملون ومعزوف مختلف، تنظر إليه الرؤية البراغماتيكية كرسالة كفاح إنساني مقتطفة من الواقع العميق باتجاه الواقع السطحي، وهو ربط للواقع العميق بالواقع السطحي، فالخط ( وع ج) في الشكل البياني رقم (1) الذي يشكل قاعدة مثلث الواقع السردي المفترض، وهو مدخل رئيسي واسع لرسالة المرسل، التي رسمها لوحة من واقعه الحقيقي (بدلالات متوازية مدروسة) يستنبط من خلالها التكوين الداخلي لمكنونات تجربة مقتطعة بزمكانية عاشها المرسل في حياة فعلية أو شاهدها فعلاً، بحركات على أرض الواقع مثقلة بوظائف توليدية وتكوينية ومعارضة، تلعب أدوارها متناحرة بين الأسود والأبيض أو السلب والإيجاب، لتوصيل رسالته الإنسانية، بذريعة التوازي والتناص و اللاواقع والخيال والرمز والمنطق، وتلك البينية هي مفهوم ذرائعي لتقوية الأواصر الإنسانية بين الأدب و المجتمع، لا لغرض التسلية فقط كشأن من شؤون الأدب القديمة، بل لإعطاء جرعات من الحكمة والموعظة والوعي المعرفي المستحدث….
الشكل رقم (1) مثلثي التشابك والانحسارالتبادلي في النص الأدبي النثري
Description: ب_2 (1)
وعند ذرائعية الكفاح اليومي- و من خلال بوابة سردية- تفتح نحو محور التوليد (ع ن) الذي يأخذ مساراً وسطياً يقوم بعزل المحور التكويني عن المحور المعارض بحركة التقاطع الدرامي، ليعطي مجالاً سردياً في تكوين التعاقب لتوليد الأحداث والسماح بالمناورة بين الشخصيات الإيجابية الرابضة عليه، والمعارضة الرابضة على محور المعارضة، ثم يستمر محور التوليد المنطلق من نقطة(ع) ماراً بالنقطة(ب) التي تمثل العقدة ونقطة تقاطع الاشتباك السردي ليوثق هناك محور الانحسار والحل لإنتاج النهاية المفترضة في النقطة (ن)، الواجب المناط لهذا المحور هو توليد الأحداث التي تشكل برمتها العمل الأدبي النهائي, من قص و روي, بالتعاون الحركي بين محوري التكوين ومحور المعارضة في المثلث الأول(و ج ب )..
يشكل محور التكوين السردي(ج أ ) المجابه بمحور معارضة، توليد اشتباك سردي بدلالات مشتركة، تربط الماضي والحاضر بزمكانية العصر، برباط التجربة و التوثيق، المعمد بحراك الواقع لاستخراجه وإندماجه مع الخيال والرمز كمدلول إنساني حقيقي ناتج عن دلالات بمفاهيم موازية للواقع والحقيقة، بعد فتح قشرة التجربة برؤية سطحية من عين المتلقي، لحملة التشابك الذرائعي السردي والتي تكون ربط دلالي بين الوقع والخيال الكامن في اللاواقع والرمز المرسوم بفرشاة المرسل، وينطلق محور التكوين (ج أ ) من جهة قاعدة التشابك السردي اليسرى أي من نقطة (ج) محملاً بالشخصيات الساندة والتي تساعد على توالد المشاهد والأحداث على محور التوليد الأوسط، ويأخذ محور التكوين ميلانه المثقل بالصراع نحو يمين ساحة الاشتباك السردي ماراً بالنقطة (ب) نقطة العقدة، فيها ينقلب نوع الصراع إلى عوامل انحسار وسكون لبناء المثلث العلوي، مثلث الحل أو الانحسار، بعد إكمال المحور المعارض (و د) انطلاقته من جهة اليمن بميلان نحو جهه الشمال، والتقاطع مع محوري التوليد والتكوين في النقطة (ب)، بذلك يكتمل مثلث التشابك السردي (و ب ج ) و ينفتح مثلث الانحسار والحل(ب أ د) كما في الشكل رقم (1) أعلاه:
تنظر الذرائعية السردية نظرة علمية في إيصال الرسائل من السارد إلى المجتمع بتكوين ثابت وعنوان لصندوق بريدي ثابت، هو ذهن المتلقي وتفكيره كما سيوضح ذلك المثلث السفلي من الشكل رقم(1) والذي استقطع منه الشكل رقم (2) ليكون هذا الصندوق الثلاثي ثابتاً يحمل في داخله جميع الوظائف التي أناطها النصّاص كي تكون دوال حتمية تحمل مدلولات و مفاهيم عامة وخاصة، تساهم في عملية التوصيل المشفّر لتحقق الرسالة مبتغاها الأصلي والواقعي، حين تنفلت من هذا الصندوق وتستقر في ذهن المرسل إليه، فالمثلث (وج ب ) يمثل خزانة الصراع المفترض بين الخير والشر والعلاقة التناقضية بين مفهومين متناقضين يتطوران بالتوليد من محور التوليد (ب ع) الذي يُهاجَم من جهتيه بضغوط (شخصيات) سلب وإيجاب، يقابله على محوري التكوين والمعارض، كفعل ورد فعل منهما لتكوين الأحداث المتتالية، حتى تملأ جنبات المثلث من قاعدة الصراع المعنون حتى قمته نقطة التقاطع(ب) لجميع تلك المحاور، تسكنها العقدة وهي التي تحمل واقعاً سلبياً كنتيجة للمسببات في الصراع بين السلب والإيجاب، فتفرض دلالة التأزم نفسها على واقع التشابك السردي، وتساهم مساهمة فعلية في قلب الصراع من تشابك سلبي نحو حل وانفتاح إيجابي باتجاه النهاية بنتيجة سلبية بذريعة إنسانية، حتماً وبنظرة ذرائعية هي درس إنساني يستفيد منه المجتمع بعد نقله من حيز الواقع المادي إلى حيز الواقع الإنساني الحقيقي، ليؤدي النص وظيفته الإنسانية المفترضة كما في الشكل رقم (2)…
الشكل رقم (2) مثلث التشابك السردي أو الصراع بين السلب والإيجاب
Description: ب_2 (1)
يحمل هذا الصندوق المثلث افتراضات أدبية أخرجها النصّاص شكلاً ومضموناً من خيمة الخيال والرمز ليودعها خيمة الواقع، وتتكون تلك الفرضيات من عناصر متناحرة ومتقاربة، فالعناصر السلبية تعمل جاهدة على تعطيل وظيفة العناصر الإيجابية, وكلا الجهتين تعمل بنشاط كخلايا نحل في أداء واجبها المفترض مسبقاً من قبل النصّاص، وتلك هي ساحة الحياة المفترضة من عصر هابيل وقابيل، تنعكس بدقة وحرفنة على عوالم الورق….
ثالثاً- المنظور الواقعي للتشابك السردي :
ولو فسرنا المنظور الذرائعي بشكل نقدي على أرض الواقع للصراع بين السلب والإيجاب في القسم السفلي من الشكل (رقم 1) والمبين بشكل مستقل في الشكل رقم (2) لحصدنا النتيجة التالية بتفصيلات هيكلية سردية واقعية منتظمة وكما يلي :
v العنوان:
العنوان([1] ) العام للنص والذي ويعتبر بوابته الأساسية، والسبب في هذا الاعتبار ينبع من أن العنوان يلخص مفهوم أو موضوع القصة أو الرواية، ومنها تدخل بمعلومة كاملة عن موضوع الرواية ووجهتها الفكرية والأدبية، لذلك على الكاتب أن يدرك أهمية العنوان وربطه ربطاً مباشراً بموضوع الرواية من حيث الشكل, ويستحسن أن يكون العنوان قصيراً وغير معقد، وبلغة أدبية محترمة، وبخط واضح وبارز للعيان، وتنبثق أهمية العنوان بشكل خاص من كونه مكوّناً نصياً لا يقل أهمية عن المكونات النصية الأخرى، فهو يشكل سلطة النص وواجهته الإعلامية، وهذه السلطة تمارس على المتلقي إكراهاً أدبياً، كما أنه الجزء الدال من النص، و هذا ما يؤهــله للكشف عن طبيعة النص و المساهمة في فك غموضه، و هذا يعني أن العنوان هو مرآة النسيج النصي، وهو الدافع للقراءة، والشرك الذي ينصب لاقتناص المتلقي، و من ثمة فإن الأهمية التي يحظى بها العنوان، نابعة من اعتباره مفتاحاً في التعامل مع النص في بعديه الدلالي و الرمزي، بحيث لا يمكن لأي قارئ أن يلج عوالم النص و تحليل مكوناته التركيبية و الدلاليـة و استكشاف مدلولاته و مقاصدها التداولية دون امتلاك هذا المفتاح…..
v المقدمة:
وهي تعريف بسيط بمكان وزمان النص وبعض المعلومات التي تفيد المتلقي حول جنس النص, ونبذة سريعة للتعريف بالأديب, وتجربته في الكتابة، يتفق نقاد القص في معظمهم على أهمية مقدمته، وقد شدّد: يوسف الشاروني على (أهمية التشويق والإثارة, في مطالع القصة الفنية، ذلك أن براعة الاستهلال تشد القارئ إلى متابعة الأحداث التالية، وليس كل كاتب يمتلك القدرة الكافية على شد القارئ، وتشويقه لمتابعة القراءة حتى النهاية، وإنما يوفق إلى هذا الموهوبون من الكتاب أو ذوو الخبرة الطويلة في الكتابة القصصية، وقد يقوم عنوان القصة بدور المقدمة أحياناً لأنه ملخص لإشارات القصة ومغزاها بشكل مكثف، وعلى القاص أن يعرّف بشخصياته في المقدمة، وبعض ملامحهم وصفاتهم، وذلك بطريقة فنية تثير اهتمام و مشاعر القارئ وتدفعه إلى متابعة قراءة النص، ولا تعدو المعلومات التي يقدمها القاص في مقدمة قصته، بل تكون مجرد أضواء خافتة تنير الطريق إلى مخبوءات النص الذي سيكتشفه القارئ كلما تقدم في القراءة……)
vبناء الحدث الصراع الدرامي :
وهو عبارة عن الصراع بين الخير والشر, المتمثلة بشخصيات يصنعها الكاتب مستوحاة من الكفاح اليومي للسلوك الإنساني في المجتمع, ويتطور هذا الصراع بتوالد الشخصيات من أحداث جديدة تحدث على مسرح القص أو الروي, حتى تلتقي تلك الصراعات وتجتمع جميع خيوطها في نقطة التقاء واحدة, تقلب هذا الصراع رأساً على عقب, نحو صراع مغاير إيجابي, يسعى نحو الانفراج, وإن أهم ما يبرز في الصراع الدرامي الحدث وطريقة بنائه في الصراع الدرامي…..
يعد الحدث أهم العناصر في القص القصير أو الروي، وعنده تتوالد المواقف والصور، وتتحرك الشخصيات فوق مسرح الخيال والواقع، وهو المحتوى الذي تدور فيه و حوله القصة أو الرواية. يهتم الحدث بتصوير وتكوين الشخصية أثناء تحركها و فعاليتها الدرامية، ولا تتحقق وحدته بشكل كامل، إلا إذا تحدد بيان كيفية وقوعه بزمكانية مناسبة من مكان وزمان، وسببية ملائمة. كما يتطلب من الكاتب اهتمامًا كبيرًا بالفاعل والفعل والمفعول فوق قارعة الحدث, لكونه خلاصة مكثفة لهذين العنصرين المهمين….
عناصر الحدث القصصي :
عنصر التشويق:
وفائدة هذا العنصر تكمن في إثارة اهتمام المتلقي, وشدّه من بداية العمل القصصي إلى نهايته، وبه تسري في القصة روح نابضة بالحياة.
العاطفة :
وهي الروابط التي تشد الشخصيات المكونة لعملية القص والمحرك الأساس في توالد الأحداث فيها.
زمن الحدث :
أهم هذه العناصر، وهو ينطوي على مجموعة من الأزمنة، وهي (زمن الحبكة وزمن القصة وزمن العمل القصصي نفسه, ثم زمن قراءته، كما أن للحدث مجموعة من الخصائص, من شأنها أن تزيده قوة وتماسكاً.
التعبير :
عن نفوس الشخصيات، وحسن التوقيع والانتظام في حبكة شديدة الترابط, وأن يكتسب صفة السببية, وحتى يبلغ الحدث درجة الاكتمال، فإنه يجب أن يتوفر على معنى، وإلا ظل ناقصاً.
طرق بناء الحدث:
1- – الطريقة التقليدية:
طريقة قديمة تمتاز باتباعها التطور السببي المنطقي، وفيها يتدرج القاص بحدثه من المقدمة حتى العقدة ثم النهاية.
2- – الطريقة الحديثة:
يشرع القاص فيها بعرض حدث قصته من لحظة التأزم، أو كما يسميها بعضهم العقدة، ثم يعود إلى الماضي ( Flashback) أو إلى الخلف ليروي بداية حدث قصته, مستعيناً في ذلك ببعض التقنيات والأساليب مثل مجرى اللاشعور (Stream of Consciousness) , و المناجاة(Soliloquy) والذكريات(Memories).
-3 طريقة الارتجاع الفني أو الخطف الخلفي:
يبدأ الكاتب فيها بعرض الحدث في نهايته ثم يرجع إلى الماضي ليسرد القصة كاملة، وقد استخدمت تلك الطريقة في مجالات تعبيرية أخرى كالسينما، قبل أن تنتقل إلى الأدب القصصي, وهي اليوم موجودة في الرواية البوليسية أكثر من غيرها من الأجناس الأدبية.
سردية الحدث:
هناك طرق عديدة يستخدمها كتاب القصة لعرض الأحداث نكتفي بالحديث عن أهمها وهي:
1- – سردية الترجمة الذاتية:
يلجأ القاص فيه إلى سرد الأحداث بلسان شخصية، من شخصيات قصته، مستخدماً ضمير المتكلم، ويقدم الشخصيات من خلال وجهة نظره الخاصة، فيحللها تحليلاً نفسياً، متقمصاً شخصية البطل. ولهذه الطريقة عدة عيوب، من بينها أن الأحداث ترد على لسان القاص الذي يتحكم أيضاً في مسار نمو الشخصيات، ومنها أنها تجعل القراء يعتقدون أن الأحداث المروية، قد وقعت للقاص، وأنها تمثل تجارب حياته حقاً، خصوصاً إذا وفق في إقناع القراء بذلك عن طريق وسائله الفنية.
2- – السَّرد المباشر:
تبدو هذه الطريقة أرحب وأنجع من الطريقة السابقة، وفيها يقدّم الكاتب الأحداث في صيغة ضمير الغائب، وتتيح هذه الطريقة الحرية للكاتب، لكي يحلل شخصياته، وأفعالها تحليلاً دقيقاً وعميقاً، ثم إنها لا توهم القارئ بأن أحداثها عبارة عن تجارب ذاتية وحياتية، وإنما هي من صميم الإنشاء الفني…..
3 – سردية الوثائق والرسائل:
يعتمد القاص في هذه الطريقة على الوثائق والرسائل والمذكرات في أثناء معالجته الموضوع الذي يدير قصته حوله.
عناصر التشابك السردي( الصراع الدرامي):
v الموضوع:
للموضوع في القصة القصيرة, والرواية وأي عمل أدبي آخر، أهمية كبرى. فهو عنصر أساسي، ويعتبره بعض الدارسين أساسًا في الأدب النثري و الشعري، وجزءًا لا يتجزأ عن الحدث، ولذلك فإن الفعل والفاعل، أو الحوادث والشخصيات تتحرك في خدمة الموضوع، استهلالًا في العمل الأدبي حتى بلوغ آخره، فإن لم تحدث ذلك، صار الموضوع دخيلاً على الحدث، وكانت القصة أو الرواية مختلة ومختلفة في البناء. فالقصة الفنية تكتب بموضوع جيد يخدم الإنسان ويطوره. وليس لكل موضوع مقبولية عند المتلقين أو النقاد. ويشارك الموضوع الجيد على انتشار النص القصصي أو الروائي، ويترك أثرًا عميقًا في تغيير الظواهر المدانة والضعيفة الواردة في النص الأدبي.
v العقدة :
وهي نقطة التقاء جميع خيوط التشابك السردي الدرامي وتقاطع المحاور المكونة للقص أو الروي ( محورالتوليد و محور التكوين ومحور المعارض ) في عقدة واحدة سلبية, تقلب مسير الأحداث رأسًا على عقب, وتنقل الصراع الدرامي بل تحوله من صراع سلبي نحو انفراج وحل إيجابي شفيف….. ويشترط في العقدة أن تتضمن صراعًا قدريًا، ناتجًا عن ظروف اجتماعية, أو صراعًا يقوم بين الشخصيات الموظفة، أو صراعًا نفسيًا يدور في داخل الشخصيات. وقد ذهب بعض الدارسين إلى أن العقدة لم تعد من عناصر القصة الهامة, وربما في هذا غلو، فمع تطور فن القصة فإن عنصر العقدة لا يزال أداة قوية لتشكيل لحظة تأزم داخل النص، يتابعها القارئ بشوق من أجل حل الإبهام الذي يحيط بها محققاً بذلك لذة جمالية. ونرى أن في الأعمال القصصية الخالية من العقدة نقصاً كبيراً، يخل بالعمل الأدبي ككيان متكامل….
v الحبكة:
وهي الهيكل العظمي للقصة أو الرواية, أو الخطوط العريضة للبناء الفني للقص القصير وللرواية, وتسلك الحبكة ملخصًا مقتضبًا جداً لأحداث الرواية أو القصة القصيرة, وتأخذ شكل الخارطة التي تسير فيها أخبار الأحداث فقط، وبمعنى آخر، نعني بالحبكة تسلسل حوادث القصة الذي يؤدي إلى نتيجة، ويتم ذلك إما عن طريق الصراع الوجداني بين الشخصيات، وإمّا بتأثير الأحداث الخارجية، ومن وظائف الحبكة إثارة الدهشة في نفس القارئ، والحبكة هي المجرى العام الذي تجري فيه القصة, وتتسلسل بأحداثها على هيئة متنامية، متسارعة، ويتم هذا بتضافر عناصر القص جميعاً، ويجب أن تكون الأحداث، مرتبطة بمبدأ السببية, بالرغم من أن بعض الكتاب يعتمدون على عناصر أخرى في رسم الأحداث المفاجئة، مثل استلهام تدخلات عامل الصدفة، وهذه وسائل يمجّها الذوق الفني الرفيع، ويلجأ إليها الكتاب السطحيون، والحبكة نوعان:
1- نوع يعتمد فيه على تسلسل الأحداث
٢- ونوع يعتمد فيها على الشخصيات
v الشخصيات Characters
الشخصية القصصية هي فرد من المجتمع قد يكون خيالي، أو واقعي من الذين تدور حولهم أحداث القص، ولا يجوز الفصل بينها وبين الحدث، لأن الشخصية هي التي تقوم بهذه الأحداث, وقد أكد كثيرون على هذه الصلة، يقول الدكتور رشاد رشدي: (من الخطأ الفصل أو التفرقة بين الشخصية، وبين الحدث، لأن الحدث هو الشخصية وهي تعمل، أو هو الفاعل وهو يفعل) ، وينتقي القاص من الشخصيات التي يوظفها للتعبير عن أفكاره وآرائه شخصية محورية تتجه نحوها أنظار بقية الشخصيات، كما أنها تقود مجرى القصة العام, وقد تعود النقاد أن يطلقوا على هذه الشخصية مصطلح البطل، ويعنون به الشخصية الفنية التي يسند القاص إليها الدور الرئيسي في عمله القصصي، يعني الشخصية الفنية، التي تستحوذ على اهتمام القاص، وتمثل المكانة الرئيسية في القصة، وقد تكون سلبية، كما تكون إيجابية، أو متذبذبة بين هذه القصة وتلك، قد تكون محبوبة، أو منبوذة من طرف القارئ، المهم أنها تمثل المحور الرئيسي في القصة, والقطب الذي يجتذب إليه كل العناصر الأخرى ويؤثر فيها….
أنواع الشخصيات الفنية
١- الشخصية الرئيسية:
هي الشخصية الفنية التي يصطفيها القاصّ لتمثل ما أراد تصويره أو ما أراد التعبير عنه من أفكار أو أحاسيس. وتتمتع الشخصية الفنية المحكم بناؤها باستقلالية في الرأي، وحرية في الحركة داخل مجال النص القصصي، و تكون هذه الشخصية قوية ذات فاعلية كلما منحها القاص حرية، وجعلها تتحرك وتنمو وفق قدراتها وإرادتها، بينما يختفي هو بعيداً يراقب صراعها، وانتصارها أو إخفاقها وسط المحيط الاجتماعي أو السياسي الذي رمى بها فيه, وأبرز وظيفة تقوم بها هذه الشخصية هي تجسيد معنى الحدث القصصي، لذلك فهي صعبة البناء، وطريقها محفوف بالصعوبات. شرعت بعض الدراسات الحديثة تبتعد عن تسمية تلك الشخصية ب(البطل), ورأت فيها بطولةٌ طوباويةٌ زائفة، لأنها مقترنة بظهور الأدب الخيالي الذي نشأ في العصور الوسطى، ولهذا استبدلنا بها اسم(الشخصية الرئيسية)، لأنها في رأي أصحاب هذه الدراسات أنسب، كما أنها تتلائم مع الدور الفني الذي يسند إليها، يحبذ في الشخصية القصصية أن تكون معبرة عن صورة من صور الحياة البشرية, وأن تبتعد قدر المستطاع عن النماذج الأسطورية التي تقوم بأعمال خارقة، لأن عنصر الإقناع يضفي على الشخصية القصصية هيبة، ودوراً متقدماً.
2-الشخصية المساعدة:
على الشخصية المساعدة أن تشارك في نمو الحدث القصصي، وبلورة معناه والإسهام في تصويره، ويلاحظ أن وظيفتها أقل قيمة من وظيفة الشخصية الرئيسية، رغم أنها تقوم بأدوار مصيرية أحياناً في حياة الشخصية الرئيسية.
3-الشخصية المعارضة:
وهي شخصية تمثل القوى المعارضة في النص القصصي، وتقف في طريق الشخصية الرئيسة أو الشخصية المساعدة، وتحاول قدر جهدها عرقلة مساعيها. وتعد أيضاً شخصية قوية، ذات فعالية في القصة، وفي بنية حدثها، الذي يعظم شأنه كلما اشتد الصراع فيه بين الشخصية الرئيسية، والقوى المعارضة، وتظهر هنا قدرة الكاتب الفنية في الوصف وتصوير المشاهد التي تمثل هذا الصراع، ويمكن التمييز بين فئتين من الشخصيات في الأدب القصصي, نوردهما فيما يلي:
أ- الشخصيات البسيطة:
وهي الشخصيات الثابتة التي تبقى على حالها من بداية القصة إلى نهايتها فلا تتطور، تولد مكتملة على الورق لا تغير طبائعها، أو ملامحها الأحداث ولا تزيد ولا تنقص من مكوناتها الشخصية، وهي تقام عادة حول فكرة، أو صفة كالجشع وحب المال التي تبلغ حد البخل أو الأنانية المفرطة.
ب- الشخصية النامية:
وهي الشخصية التي تتطور من موقف إلى آخر, بحسب تطور الأحداث، ولا يكتمل تكوينها حتى تكتمل القصة، بحيث تتكشف ملامحها شيئاً فشيئاً خلال الرواية أو السرد، أو الوصف، وتتطور تدريجياً خلال تطور القصة وتأثير الأحداث فيها أو الظروف الاجتماعية….
…