التسول أن تمد يدك للآخرين وتستعطفهم لكي يضعوا فيها بعض شيئ قد ينفعك , لكن الناس عموما لا تعطف , وإنما بعضها , وهذا البعض إذا أعطى فأنه يريد ويغذي رغبة الإستعباد التي فيه , أي لكي يعطيك عليه أن يستعبدك.
وهناك أفراد مستعبَدون وأمم وشعوب مستعبَدة , وفقا لمناهج التسول وسلوكيات الإستعطاف والميل للتبعية والخنوع والتحول إلى مملوكات مشاعة للآخرين.
وفي الزمن المعاصر , المجتمعات التي لا تنتج طعامها مستعبَدة , والتي لا تصنع حاجاتها مستعبَدة , والتي لا تصنع سلاحها أيضا , ذلك أن الذي يعطيك سلاحا بيعا أو مجانا إنما يطبق الخناق على مصيرك , لأنك لا تستطيع إستعمال السلاح إلا وفقا لإرادته وما يقرره ويوجهه , كما أنه سيتحكم بالعتاد وقطع الغيار والتدريب عليه , فحالما تقاتل بسلاح لا تصنعه تكون مقهور الإرادة مأسور المصير.
والعلة الكبرى في الواقع العربي , أن المجتمع بأسره يعتمد على الغير وكأنه وجود معطل لا ينتج بل يستهلك , وفي هذا السلوك تكمن مفردات وعناصر الوجيع المتفاقم.
ذلك أن المجتمعات المنتجة توجه طاقاتها في المسارات الإيجابية البنّاءة فتتنافس فيما بينها لتقدم الأحسن والأبدع , والمجتمعات المستهلكة تقوم بتصريف طاقاتها بالنيل من بعضها , بمعنى أن الإستهلاك يوفر آليات الإضعاف والإنهاك والإستنزاف , والإنتاج ينمي طاقات المجتمعات ويستثمرها من أجل المزيد من القوة والإقتدار.
ولهذا فأن المجتمعات المنتجة هي الأقوى والمستهلكة هي الأضعف , ولكي تتخلص مجتمعاتنا من ويلاتها الجسام عليها أن تدرك أهمية وقيمة وبلسم ثقافة وسلوك الإنتاج , وعلى حكوماتها أن تتعلم كيف تنتقل بها من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات منتجة , وبذلك ستحل مشاكلها وتتخلص من عاهاتها الفكرية والسلوكية , التي تقضي على وجودها وتدمر جوهرها وتسلخها من هويتها.
فهل من إرادة إنتاجية تنتصر على عاهة الإستهلاك المريرة المستنزفة لطاقات الأمة؟!!