هناك مسألة مهمة ربما لم يقترب منها المؤرخون , تتعلق بتدوين التأريخ في الإسلام , والذي بدأ بعد أكثر من قرن من وفاة قائد الدين.
أي بعد إنتهاء وأثناء الدولة الأموية , وبداية الدولة العباسية , وعندما بدأ عصرالتدوين واجه المدونون تحديا كبيرا ومرعبا , فما لديهم من روايات وأحداث أن المسلمين تقاتلوا عند فجر الدعوة , وفعلوا ببعضهم ما فعلوه منذ الأيام الأولى لوفاة الرسول الكريم , بل أن الصحابة قتل بعضهم بعضا.
وعندما يُراد تدوين الأحداث في دولة بلغت ذروة قوتها وهيمنتها , وقدرتها على بسط نفوذها على الدنيا , حضر التوفيق والإجتهاد اللازم لإظهار الحالة بما يناسب عظمتها.
مع أن بناء الدولتين الأموية والعباسية لا يمثل الدين , وإنما سلوك إمبراطوري كغيره من الحالات السابقة له , وكان صراع بين قوى ومواجهة تحديات , وفي الحالتين أستعمل الدين ذريعة للحكم , فالدين كان وسيلة حكم , وبموجبه ضبطت الدولة وخضعت الناس , وصار شعار السمع والطاعة مقدسا , فأي مخالفة وخروج عن إرادة الدولة يكون كفرا.
وإستخدام الدين لبسط النفوذ بدأ منذ عصر الدولة فوق التراب , وهو قديم جدا , ولا توجد قوة في التأريخ لم تستثمر الدين ليكون وسيلتها للهيمنة على ترابها , فالذي يعارض يوصف بالكفر والزندقة , وبما يستوجب القتل.
ولهذا فأن مسيرة الدول الممثلة للإسلام محكومة بإرادة الفقهاء , الذين يسيطرون على حركة العامة ويوجهون سلوكهم , ولا يزال دورهم فاعلا في الزمن المعاصر.
فهل يا ترى أن المدونين الأوائل للتأريخ سيكتبون الحقيقة , أم عليهم لوي عنقها وتطويعها لتتوافق وإرادة القوة والسلطة؟
فمن الواضح أن المدوَّن مطوَّع لتأمين هيبة السلطة وقدسية الشخص الأول في الدولة , ويبدو أن المدونين وجدوا في القدسية قوة رادعة ومؤثرة لصناعة الأمن والإستقرار وتأكيد إرادة الحاكم والسلطان , وتتويجها بالمطلق الذي لا يجوز مساءلته.
ولهذا كان دور الخليفة في الدولة العباسية بعد مقتل المتوكل رمزيا , ويضفى على نظام الحكم القدسية ووجوب الطاعة التامة , فتحقق إستخدام الخلفاء المرهونين المقدسين المصطفين , لتمرير مآرب العديد من الفئات والجماعات , فما دامت الخطب قائمة بإسم الخليفة , حتى صار الإسلام خليفة يمثل الدين وبدونه تهتز عروش أمة الدين.
و”الناس على دين ملوكهم”!!
د-صادق السامرائي