23 ديسمبر، 2024 3:00 م

التخيّل اللاهوتي …

التخيّل اللاهوتي …

قراءة مجاورة في (الخيال السياسي للإسلاميين ما قبل الدولة وما بعدها)
للباحثة والمترجمة هبة رؤوف عزت
هذا كتاب يتأثل من أنتاجية الأسئلة وتكون جوابات الباحثة على الأسئلة بأسئلة أخرى فيأخذ البحث صيغة النص المفتوح، وهنا حيوية السرد البحثي / الميداني، وللكتاب أكثر من منصة إنطلاق منها المنصة التالية التي تراها قراءتي هي المنصة الأم والصفحات التي قبلها حتى ص44 محض عتبات نصية :
(يبقى السؤال:
هل هناك إمكانية لميلاد تيارات إسلامية ديمقراطية؟ محتاجاً إلى مراجعة في منطقه وفلسفته،فقبول التعدد الفكري والشفافية وتداول السلطة وغيرها من ملامح النظم العادلة لا تبدأ بنقطة أنطلاق بل هي تعكس منزعا إنسانيا كامنا في الرؤى الإنسانية ومنها تلك التي تعتمد على شرعية دينية، فنحن لسنا أمام قرار يُفرض من الداخل الإسلامي أو الآخر الليبرالي،بل نحن أمام عملية مستمرة داخل منظومة فكرية تتراوح بين التجديد والانفتاح والأنسنة، وبين الانغلاق والجمود وتعطيل العقل الاجتهادي، وهكذا يصبح هذا الاقتراب في النظر مهماً لفهم فكر التيار الإسلامي بين (التشكل) و(الاصطناعي) فعلاقات الداخل والخارج مهمة وفي لحظات هي بالغة الحساسية…/44)….
لو سألنا هذا السؤال للشيخ محمد الغزالي حول الديمقراطية فسيكرر جوابه التالي :
(الديمقراطية غير مرغوب فيها لأنها تعامل بالتساوي الفاضل والفاسد،القوي والضعيف،المؤمن والكافر/110/ راي تاكيه الأسلمة/ ص99 وكذلك راي تاكيه ونكولاس غفوسدسف/ نشوء الإسلام السياسي الراديكالي وانهياره/ ت: حسان بستاني/ دار الساقي/ ط1/ 2005)
(*)
في كتابها(فوبيا الإسلام والسياسة الأمبريالية) ترى ديبا كومار:أن أنهيار وهزيمة القومية والعلمانية، هو المتسبب في انتشار حركة الإحياء الإسلامي ومن جانب آخر تؤكد التفارق بين هذه الحركات والإسلام بنسخته الأولى : (عدم وجود صلة مباشرة بين إسلام القرن السابع ونشوء جماعات الإسلاميين في الجزء الأخير من القرن العشرين، ومن ثم، يُفهم الإسلام السياسي فهما أفضل على ضوء التطورات السياسية والأقتصادية التي حدثت مؤخرا، وهي تطورات أدت إلى نشوء حركات دينية في مجتمعات أخرى أيضا / 133- 134 )

(*)
في تناولنا لكتاب الباحثة هبة رؤوف( الخيال السياسي للإسلاميين ….) نؤكد ضرورة التمييز بين الإسلام كدين، والفكر الإسلامي كمنظومة تحتوي قيّما نسبية ..والباحثة هبة رؤوف بدورها، تعلن في مقدمة كتابها: هدفَ الاجتهاد في تطوير الخطاب الإسلامي، وسيكون تحريرها مؤطراً بالتجانس مع أصوله ومثاليته ومع واقعه المعّقد،وهي تطمح إلى استعادة التحليل المفاهيمي والمعرفي في قراءة النصوص السياسية، وترى أيضا أن تكون منصة الإنطلاق في فهم فلسفة السياسة في المشروع السياسي الذي يحتوي المتعدد في الواحد الإسلامي، أما المختلف هنا فهو سياسات التيارات الاسلامية مع النظام الحاكم والنظام السياسي.الباحثة تتحاور مع الإسلاميين من خلال أديبات مجلة المنار الجديد إلى أستكشاف مقوّمات(الخيال السياسي) كما يتجلى في خطابهم ومفاهيمهم،وقصد الباحثة : (تحديد مصدر أزمة هذا الخطاب لافي تعامله مع قضية الديمقراطية بشكل يتجاوز… بل في تعامله مع ،،السياسة،، أبتداءً، حيث إن المساحات الدلالية والبنيات المفاهيمية تحتاج إلى تحليل كي نفهم أكثر كيف يفكر هذا العقل و،،يتخيل،، مفاهيم الشريعة والأمة والشورى والعدل / 22) أرى أن الخيال السياسي الإسلامي لدى الغالبية مصاب بما يطلق عليه غاستون باشالار (مرض تثبيتات السعادة)ومن باب (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) نتوقف لحظة مع أفتتاحية العدد الأول من مجلة المنار الجديد/ شتاء 1998 نقتطف هذه الجملة من الافتتاحية (صلاح هذه الأمة لا يكون إلا بما صلح به أولها) إذا كانت الخلافة الراشدية هي المعيار الأجمل في مخيال اللاهوت الإسلامي، ففيها أنقتل ثلاثة من الخلفاء واشعلت في فترة الخليفة الأول حروب الردة، وفي هذه الخلافة حدثت الفتنة الكبرى. .مع الجملة المقبوسة من أفتتاحية العدد الأول :كقارىء أراني مع العقل الدائري، عقل لا يحسب أي حساب للمسافة التاريخية الألفية من فجر الإسلام إلى الآن!! لايحسب أي حساب للمتغيرات على كافة مستوياتها!! مع هكذا منطق تنعدم الديمقراطية حتى في الفصيل الإسلامي الواحد.. وفي هذا الصدد يقول المفكر المصري سمير أمين (ليس الإسلام السياسي حركة،، إنعاش ديني،، كلا.. هو حركة سياسية توظف الخطاب الديني،بل توظف خطابا سلفيا دون تحفظ، فاختزلت العقيدة معه إلى ممارسات طقوسية….. على أن للمؤمن الحق المطلق في البحث عما يراه الصحيح في العقيدة الدينية،فللمؤمن الحق أن يختار السلفية كما له الحق أن يختار مذهبا..أما الخلط بين المنهجين أي الخلط بين تناول مشاكل الفكر الديني وتناول مشاكل الفكر السياسي- ولو زعم هذا الأخير أنه،، فكر ديني،، فهو أسلوب أيدلوجي رخيص/ 115/ سمير أمين/ في نقد الخطاب العربي الراهن/ دار العين/ القاهرة/ 2010 )..وفي هذا الصدد أيضا، يؤكد الباحث علي مبروك وهو يكشف عن التباين بين الشريعة والفقه،وأن الإسلام السياسي ،أسبغ قدسية الشريعة الإلهية على الفقه الذي هو اجتهاد بشري (وقد تمثلت استراتيجية تيارات هذا الإسلام الجهادي الإنقلابي في تحويل الشريعة إلى سلاح سياسي، يحاربون به الدولة، في القول بالتطابق الكامل بين الشريعة والفقه، الذي كان القصد منه إضفاء قداسة الإلهي(الشريعة) على المنتج الإنساني (الفقه)../ 145- 146علي مبروك/ القرآن والشريعة/ مصر العربية للنشر والتوزيع/ 2015 ).وبخصوص خوف الاسلاميين من أن العلمانية ستكرس الفردية وغايتها نسبية الأخلاق وهو ما ينقض القيم الإسلامية ويؤدي إلى هدم العقيدة /22) ترصد الباحثة بصدق ذلك التوجس الإسلامي وتفندهُ قائلة(هذه رؤية تُعلي من شأن الأخلاق الفردية بشكل تعميمي،فهي لاتدرك الفارق بين الأخلاق الفردية وبين تجلياتها على المستوى المدني العام،حتى من منظور الشرع، ولا تقدّم في المقابل تصورا عن الاخلاق والفضائل المدنية الإسلامية في موزانتها بين العام والخاص / 21) ما شخصته الباحثة هبة رؤوف هو الصحيح، وسأقوم بتدوير قولها مقترضا مِن المفكّر مهدي عامل (أن الخوف الذي ينتاب الفكر الطائفي، ليس خوفا على الوجود الديني للطوائف، بل هو خوف على وجودها السياسي،أن يكون زواله بإلغاء الطائفية../ 167/ مهدي عامل/ في الدولة الطائفية/ دار الفارابي/ بيروت/ ط2/ 2003)
وهنا ينبجس التشاكل التالي : من ينفع المجتمع العربي الآن : تديين السياسة ؟ أم علمنة الدين ؟!
(*)
على مستوى آخر فإن الباحثة هبة رؤوف عزة : تطمئن القارىء أن محاولتها في الاشتباك مع مفهوم العلمانية وتفكيكه إسلاميا: لا تعني مشروطية قبول المفاهيم الليبرالية ولا التسليم بالرؤية الرأسمالية البتة، التي تكاد أن تسود بشهادة الباحثة هبة رؤوف – في خطاب الإسلاميين هو ليبرالي رأسمالي في جوهره ومتسربل بديباجة دينية… ثم تنتقل الباحثة للسؤال الضروري : أي إسلام؟ سؤال مشروع في الجدل السياسي(وليس في جدل العقيدة والعبادة )..أرى مستويين في هذا الكلام، المستوى البراني يتشكل منه الكلام السياسي، والمستوى الجواني هو القوة الدافعة المتشكلة من الديني ومن هنا أرى أن الخيال السياسي في هذا الكتاب يتشكل وينطلق من منصة لاهوتية.و(الخيال السياسي) مفهوم والمفاهيم(رموز في المجال العام تختزل الرؤى وتدل على تصورات.. ومن أبرز خصائصها كونها(مفاهيم مختلفا عليها ومتنازعا في شأنها)../ 31/ هبة رؤوف / الخيال السياسي عند الإسلاميين)
(*)

فالتنظيمات الإسلامية منذ البدء وبنسبة لايستهان بها لحد الآن تؤمن بما روّج له حسن البنا : مؤسس حركة الأخوان المسلمين في مصر، وبشهادة زعيم حركة الاتجاه الإسلامي في تونس راشد الغنوشي (أرتكب الإمام حسن البنا خطأ كبيرا، حينما قدّم الحركة الإسلامية،على أنها الوصي على المجتمع، وليست طرفاً سياسيا أو فكريا، يستمد مشروعيته من قوة الحجة والإقناع/ 18- علي العميم / العلمانية والممانعة الإسلامية/ محاورات في النهضة والحداثة/ دار الساقي/ بيروت/ ط2/2002) وقبل ذلك تساءل العالم الأزهري رشيد رضا مستغربا التمسك بحهاد الطلب لإدخال البشرية كافة في الإسلام: هل علينا أن نجرّد جيشا لإدخال اليابان في الإسلام؟ تساؤله يكشف عبثيّة التمسك بنصوص زالت مُبرراتها الأنثروبولوجية /73/ العفيف الأخضر/ إصلاح الإسلام/ حاوره: ناصر بن رجب ولحسن وريغ/ منشورات الجمل/ بغداد/ 2014
(*)
إذا كان الروائي والباحث عمار علي حسن يشتغل على التعميم في كتابه (الخيال السياسي) ضمن التخصيص الوجيز من خلال تفريعات العنونة وتوزيعها على فصول كتابه/ عالم المعرفة / دولة الكويت/ ع 453/ أكتوبر 2017/.. فأن الباحثة هبة رؤوف تأسلم موضوعتها: (الخيال السياسي للإسلامييّن) وتحت العنونة الرئيسة، هناك عنونة بمثابة نقلة أوسع ، وبخط أصغر حجما (ما قبل الدولة وما بعدها ) الباحثة تقرن تنظيرها بالميداني: (..ومن خلال الخبرة العملية والانخراط في واقع الصحوة الإسلامية لجيل نضج في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين،عاصرته شابة.. وشِبت معه ومنه، وقد تناولت بالتحليل في تلك الدراسة أعداد مجلة المنار الجديد التي بدأ إصدارها عام 1998/ ص 9-10 )
(*)
هنا تتداعى في ذاكرتي كقارىء منتج : مصرالحبيبة في سبعينات القرن العشرين :(وهي الفترة التي نشأت فيها،، الظاهرة المصرية المرّكبة: مطاردة الشباب المصري الناصري والماركسي في الجامعات ودعم التيارات الإسلامية، إحراق دار الأوبرا وبعض الآثار القومية وإحدى الكنائس وغليان الحركة الطلابية وألتحام المثقفين بها. كان هذا العام هو العام التالي مباشرة لعام،،الدستور،، الجديد الذي حرص الرئيس السادات أن يضيف إليه أن مبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع/ 120/غالي شكري/ ثقافة النظام العشوائي/ تكفير العقل وعقل التكفير /القاهرة/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 2014) ..
(*)
التسعينات،وتحديدا في يناير 1992 وفي ساحة المعرض السنوي للكتاب يحتشد المتطرفون والأرهابيون،يستمعون ويصفقون للشيخين المحمدين : الغزالي وعماره وهما يتهمان فرج فوده بالخروج على صحيح الدين وحين تتخذ إحدى الجماعات قرارها بتصفية الكاتب الأعزل وتنفّذ الجريمة، يعلن الشيخ الغزالي بأن ،، الشباب نفذوا الحد في المرتد / 238/ غالي شكري ..
(*)
سيتم تكفير نجيب محفوظ ومحاولة اغتياله في 20 /أكتوبر/ 1994
(*)
وحسب الكاتب سكوت هيبارد (أثناء هذه الفترة أصبح التفسير الرجعي للإسلام متغلغلا بشكل كامل داخل الحياة العامة، وكان هذا واضحا في سلسلة من الأعتداءات البارزة التي شنت على الحرية الفكرية والفنية وفي الاضطهاد المستمر للمسيحيين الأقباط داخل مصر،أتُهم المفكرون العلمانيون بالارتداد عن الدين، ومُنعت الكتب حتى بعد انخفاض التهديد الجهادي ../78- السياسة الدينية والدولة العلمانية / ت: الأمير سامح كريم/ عالم المعرفة / ع/ 413/ 2014)
(*)
ترى الباحثة هبه رؤوف : ضرورة فتح ملف الدولة الحديثة التي تركها المحتل الأوربي على أنقاض دولة ومجتمع لهما تاريخ وتصور مختلف للعالم،وهي تؤكد على (دراسة تجليات المفهوم في الواقع المعاصر ليس في مصر ولا العالم العربي بل في التاريخ الحديث الراهن على مستوى العلاقات الدولية/ 12): كقارىء منتج :أرى أن ما بين القوسين هو مشروع أستراتيجي طويل الأمد وبسعة هيئة تنسيقية ذات أختصاصات ويستغرق المشروع فترة زمنية ويشترط توفير أسباب الاستقرار المجتمعي لهكذا مشروع، ثم تنتقل الباحثة لتوضح لنا خطوة أخرى من سعيها المعرفي (إن ما نريد النظر والبحث فيه هو،، الدولة كمفهوم، تنطلق منه الدولة كآلة للسيطرة وأداة للتعبير، /12) والباحثة ترى أن فكرة،،أسلمة،، الدولة القومية القطرية الحديثة كبنيان تحتاج إلى مراجعة/ 14) هل تدعو الباحثة إلى تفكيك الوعي الزائف التي تمارسه الدولة القُطرية ؟ وبخصوص أسلمة الدولة القومية، يرى الباحث الدكتور محمد الحداد( أن الإسلام – كديانة – يستطيع أن يتلاءم مع الحداثة، لكن الإسلام السياسي ليس ديانة،بل هو أختزال للإسلام في السياسة والسياسة لاتقوم على المطلقات،بل على التفاوض والأقتسام، وأي طرف ٍ يحاول أن يقيم السياسة على المطلقات، سواء الدينية أو غيرها،سيؤدي ذلك حتما، إلى الدكتاتورية، أو الفوضي وهما وجهان لعملة واحدة/ حاورته : حنان جابلي/ 11/11/ 2018/ موقع حفريات..
(*)
تنتقل الباحثة إلى (ضرورة انفتاح الاجتهاد في هذا الصدد على الإحاطة بالنقد العميق الذي قدمته أيدلوجيات تعرف هذه الدولة من داخل منظومتها الحضارية التي نشأت فيها وأجادت فك شيفرتها بكثير من الحيطة والحذر، فهي تكيل بمكيالين، تستعمل أدوات الماركسية في المادية التاريخية، لكن (من دون أعتبارها مرجعية ، بل فكرا نقديا واجب الفهم والمتابعة، لأنه قدم توصيفا لآليات السلطة والقوة فيها، سواء قبلنا مقولاته الأخرى أو المخارج التي طرحها أورفضناها ../14)..والباحثة هبة ؤوف: أكتشفت من خلال حراثة معرفية، تمازج المختلف بالنسبة لمفهوم الدولة (تماهي تصوّر الدولة عند التيار الإسلامي بدرجة كبيرة مع تصورات الدولة القومية الحديثة على الرغم من كل الشعارات والعناوين،وهو ما تبيّن لي عبر سنوات من خلال البحث في مفهوم الدولة القومية، والمعرفة القوية بأبعاد السلطة والحكم في النظام الإسلامي، من خلال الخبرة العملية والانخراط في واقع الصحوة الإسلامية../9)..وتعقيبي على هذه اليقظة هو أنني :أرى في المنطقة العربية السمة الغالبة هي الانظمة وليس الدول. وهنا أستعين بالمفكر حسن حنفي وهو يقول :(إن الدولة كيان موضوعي،هيكل تاريخي، بناء اجتماعي، في حين أن النظام السياسي أختيار عارض يتغير بتغير الرؤساء،رؤية ذاتية لشخص رئيس الدولة /155/ د. حسن حنفي / الواقع العربي الراهن/ دار العين للنشر/ الأسكندرية/ 2012) وهذه المسماة (دول) كل همها توفير الأجوبة للسؤل التالي: (كيف يمكن إنقاذ النظام من ضرورة تغييره؟/17/ مهدي عامل/ في الدولة الطائفية/ دار الفارابي / بيروت/1986) ..
(*)
الباحثة ترى أن الدولة القومية :
*ثقب أسود يلتهم : الأيدلوجيا والأخلاق .
لصالح الهيمنة والتحكم ومصالح رأس المال.
ثم تعرّف الدولة تعريفا وامضا : كيان قائم على العلمانية
وهنا كقارىء منتج، اقتبس من مقالتي عن كتاب (الفقيه والسلطان) للمفكر الدكتور وجيه كوثراني(في حالة المجتمعات الإسلامية،فأن حاجتنا إلى العلمانية تساوي حاجتنا إلى الديمقراطية… العلمانية في جوهرها ليست ضد الدين،لكنها ضد أستثمار الدين في السياسة الحزبية،بل إنها ليست ضد رجل الدين،بل ضد استثمار هذا الأخير صفته الدينية في السياسة ..)
(*)
ليس بالعلمانية وحدها،تكون السماء زرقاء،فالعلمانية ليست أيدلوجيا خلاصية، بل هي نفسها تحتاج إلى تقشير وتطوير وتكييف، حتى تقوم بوظيفتها في (التحييد الطائفي للدين نفسه ) وهكذا ستنبثق فرصة معرفية (تتيح للاهوت الإسلامي بشقيه السني والشيعي،أن يتحرر من مقولتيّ الرفض والنصب، ولازمتيهما التكفير والتنجيس/ 94/ جورج طرابيشي/ هرطقات 2/ عن العلمانية كإشكالية إسلامية – إسلامية / دار الساقي/ بيروت/ ط1/ 2008).. وضمن السياق نفسه وبشهادة الباحث خليل عبد الكريم في كتابه: (شدو الربابة ): أن النزعة التقديسية في التعامل مع صراعات المسلمين فيما بينهم هي التي حرّضت العلمانيين على الدراسات التاريخية الموضوعية للأحداث في التاريخ الإسلامي ../157 وهذا الأمر أيضا يؤكد المفكّر الإسلامي عبد الله النفيسي * ويقف موقف الضديد لهذا الرأي جورج طرابيشي في كتابه (مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة).
(*)
نعود إلى وجهة نظر الباحثة في الدولة القومية حيث تهبنا الباحثة هبة رءوف، فهمين لكيفية التعامل مع هذا الثقب الأسود، وهي تعني بذلك الدولة القومية
(1)أن نفهم ذلك التعامل معه
(2) أن نفهم شروط كل مرحلة نريد أن نقطعها من أجل التغيير
ومن خلال هذين الفهمين ستكون هنا منصة إنطلاق للساحة الإسلامية (إلى مناقشة تصوراتها عن الدولة الإسلامية ومراجعتها أكثر من أي وقت مضي /10) لكن تطمئن الباحثة الحركة الإسلامية (إن الدعوة إلى المراجعة هنا لا تعني التراجع ولا النقض، ولا تحركها عقلية الانكسار ولا أوهام الاستكبار/ 11).. وهنا نقول ما الداعي لكل هذا الجهد الخالي من النقد والنقد الذاتي وكيف يكون التجديد الذي تدعو إليه الباحثة(..بل هي واجب شرعي وتاريخي يقترن بمهمة التجديد..) وأقول هنا نعم أن الباحثة سيقتصر مشغلها على حيز ضيق يعيد أنتاج المنتوج نفسه من خلال قولها (واجب شرعي). ومن جانب آخر كيف يكون تجديد التفكير بالدولة الحديثة في نسختها القومية،بموازاة التجديد في (أمر) الدين؟
ضمن الموضوعة نفسها، يرى المفكر الإسلامي الكويتي عبد الله النفيسي :(ليس من مصلحة الإسلام في هذه المرحلة،أن تقوم دولة للحركة الإسلامية،لأن الأخيرة تعاني من قصور سياسي واضح، عليها أن تتجاوزه قبل التجسد السياسي في شكل دولة/ 31/ علي العميم/ محاورات في النهضة والحداثة )..لماذا ينحصر التفكير الإسلامي بالبنيان الفوقي المتجسد بالدولة؟ كل الدول التي ظهرت في المنطقة العربية، جاءت بولادة قيصرية، وكلفت الشعوب أكثر من طاقاتها فالدولة تعني سلطة السلطة، وهذه الأخيرة كلها ملوثة بالدماء،
(*)
أسلاميون وعلمانيون وديمقراطيون لنفكّر جمعيا بترميم المجتمع العربي وتوعية الاجيال حول أهمية الهدوء والأمان، لنكن بعيدا عن الدولة ولنؤسس سلطة نافية للسلطة من خلال متغيرات تحاورية مع الاجيال الجديدة ونحتمل مشاكساتها معنا وجسارات التعبير، أقول ذلك لأن كل الثورات جعلتنا نترحم على جلادينا والسبب أن الثائرين نفسهم يصبحون جلادين سوبر،ويذيقوننا عذابات، لم يجترحها الجلادون السابقون!!( ..كل دولة تستلهم نفسها من الشيء المؤسف، ومن الأنشقاق الدائم الذي يفصل الحاكمين عن المحكومين،لأن كل مجتمع يولد ويحافظ بصورة حتمية على علاقات السلطة. ومهما كان أصلها، مقدسا أو ذا طبيعة اجتماعية مفروضا،أم مختاراً، فأن الدولة تنتضوي في بقاء وديمومة العلاقات غير العادلة،مادامت تعني لذلك الذي يحوزها فرصة ً لإنجاز أنتصار داخل علاقة اجتماعية بمحض إرادته، وحتى ضد المقاومات لايهم على ماذا تركز هذه الفرصة/7/ جاك باغنار/ الدولة … مغامرة غير أكيدة/ ت: نورالدين اللباد/ مكتبة مدبولي/القاهرة/ 2002 )
(*)
كانت وقفتنا الأولى مع العتبة النصية المعنونة (تمهيد) ننتقل الآن إلى العتبة الثانية المعنونة(مقدمة) في ص17، تقسم الصفحة وحدتان سرديتان، سأنقل كل وحدة على حدة لمحاورتها ..
(مازالت خطاباتنا الإسلامية السياسية تدور في أغلبيتها في دائرة مقارنة الشورى بالديمقراطية والتساؤل عن مدى شرعية تقبّل الإسلاميين العمل الحزبي وتداول السلطة سلميّا، في عصر تقدم الليبرالية نفسها بقوة الآلة العسكرية للأمبراطورية الأمريكية والناتو باعتبارها منظومة فكرية منتصرة(نهاية التاريخ) ومثالية كذلك، معطية قيمها في الخطاب الفكري والسياسي منزلة المرجعية وأحيانا سقف الجدل وحدوده ) لايخلو التشخيص من خطوة متقدمة،أما أمبراطورية أمريكا المعولمة، فهي القوة التي(تسمي عناصر تكوينها: مكانا وزمانا وتاريخا ومجتمعا وثقافة تؤرشف لها،فأنها بالمقابل، تعيّن ما ينفيها،كما تحدد لعبتها،من خلال توجيه النفوس والرؤوس وهي تزج بها في،،أتونها،، حيث الحروب تميت كثيرين إبقاء ً لحياة أسيادها، كونها لعبتها في الصميم/501/ إبراهيم محمود/ الفتنة المقدسة/ رؤية للنشر والتوزيع/ القاهرة/ط1/ 2016 )
وبدورنا نضيف أن الإسلاميين المنظمين غالبيتهم يعيشون متحصنين في تسليف الحاضر الذي يجعلهم خارج الراهن وداخله فقط من خلال ،،دار الإسلام،، وهذا التمركز حول الذات(نمط من التخيّل المترفع الذي يحبس نفسه ضمن رؤية مقرر سلفا/ د. عبدالله إبراهيم/ المركزية الإسلامية/ الدار العربية للعلوم ناشرون/ بيروت / 2010)..الشق الثاني من هذه الوحدة السردية الذي يتضمن استعراض عسكرتارية الأمبراطورية الأمريكية، هل يتحتم على الإسلاميين أن يقتدوا ب(دار الحرب)؟ أو يطلبوا المدد العسكري ليتسلموا سنام السلطة؟ هناك وجهة نظر من مفكر علماني بهذا الخصوص يرى أن(العالم الذي نعيش فيه معقد وغير قابل للتوقع..أن تكون شجاعا وذكيا،هو أن تعترف بأن الواقع والرغبة..وهذا ما لم يدركه بعد الإسلاميون والقوميون الذين يتغاضون مع أنفسهم ويغالطونها في حقائق العصر الذي يعيشون فيه/ 26/ العفيف الأخضر/ حاوره ناصر بن رجب ولحسن وريغ/ إصلاح الإسلام – بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان/ منشورات الجمل/ بغداد / 2014 )
(*)
بلسان عربي مبين، تعلن الباحثة هبة رؤوف أن كتابها (غايته بناء عقلية نقدية وفتح أفق لمتابعة الاجتهاد في النظرية السياسية ../16) وتتوقف عند الجدل الأكثر سخونة وهو جدل العلمانية والدين (لأنه يتعلق بالدولة والسلطان وليس بالإدارة السياسية،وصعوبته تنبع من مجموعة الأفكار الحاكمة للجدل الراهن في تصوّر الإسلامين /19 ) وهنا تقوم الباحثة بتفنيد الصعوبة المغلوطة الأولى التي يتعلق بها الإسلاميون وهي أنهم لايرون إلاّ العلمانية في سياقها الاوربي، فتنتقد الباحثة هبة رؤوف هذه النظرة المتجنية على العلمانية (فتقوم تلك الرؤية الإسلامية بحبس دلالات العلمانية ومعانيها في الخبرة الغربية،وبدلا من أن تكون هي طريقة ونموذج إدارة العلاقة بين السياسي والاجتماعي/ الديني، وبين الخاص والعام والثابت والمتغيير وبذا قد تتعدد الطرائق والنماذج ويمكننا أن نصوغ طريقة ما، وتضحى العلمانية مرادفا للسياسة وليس الكفر والإلحاد../19) محاولة جميلة من الباحثة في تدوير المفهوم وشحنته بنكهة محلية لكن العقل الزميت لدى غالبية الحركة الإسلامية (يصر على التوجس العقدي والحصر التاريخي بدلا من الاجتهاد السياسي وبناء رؤية للعلاقة بين المجالات من منطلق إسلامية معاصر/19) لنستمع إلى وجهة نظر الباحث سعيد ناشيد (لا يمكنني أن أتفق مع من يختزلون العلمانية إلى مجرد تدبير تنظيمي وإجراء قانوني للفصل بين الدين والسياسة،أو بين الدين والدولة أو بين الدين والمدرسة أو بين الدين والمدينة برمتها/ 50/ قلق في العقيد/ دار الطليعة – بيروت – ط1/ 2011) ثم يضيف قائلا نحو جهة أخرى من الموضوعة ذاتها( أعتبر أن أزمة العلمانية في الغرب ناجمة عن اختزال العلمانية إلى مجرد جدار أفتراضي يفصل بين الدين والدولة، بحيث أقتصر الأمر على تسوية قائمة على الفصل الميداني وعلى تحديد خطوط تماس تختلف امتداداتها من بلد غربي لآخر.. .لا أعتقد أن أزمة العلمانية في الغرب مجرد عوارض هامشية وإنما أزمة العلمانية تعبير عن تعثر الإصلاح الديني الأوربي وإجهاضه في منتصف الطريق ../51)..
(*)
تتوقف الباحثة عند توجس الخطاب الإسلامي من العولمة، فيستعين هذا الخطاب على العولمة (بالنقد الغربي الحاد للعولمة والرأسمالية والأمركة../66) وهكذا تكون الاستعانة أحاديا الجانب، وبرأي كقارىء منتج أن فقيد الثقافة المصرية والإنسانية جمعاء المفكر الاقتصادي المصري الكبير سمير أمين : تفوق على كثير في اجتراحه كتاب (فائض القيمة المعولمة) ومؤلفاتة الثرة منها( روح العصر)(التطور اللامتكافىء)(أزمة الأمبريالية أزمة بنيوية)(ما بعد الرأسمالية)(في نقد الخطاب العربي الراهن).. وأن الاستفادة من منجزه الثر ضرورة معرفية لنا جميعا بعيداً عن التقاطعات العقائدية، أن الموقف الزميت للإسلاميين من الخطاب الماركسي :(حرم الفكر الإسلامي من مصدر غني لنقد الرأسمالية لعقود طويلة../66) وسبب التحريم هو الوفاء التاريخي لكتابات سيد قطب المعادية للماركسية،وهي كتابات مضى عليها أكثر من نصف قرن ويفترض بالأجيال التي لم تعاصرها، الأجيال التي تعيش في القرن الحادي والعشرين، أن تخضع خطابها الديني للتساؤل، فالماركسية التي عاصرها سيد قطب وفهمها هو، ليست الماركسية الآن، وفي هذا الموقف الثابت تتجسد أشكالية الخطاب الإسلامي من مفهوميّ الخصوصية والأصالة، فالموقف السلفي عامة ً(سواء في المجال الديني أو السياسي أو الاجتماعي هو البحث عن ثوابت مجردة مطلقة اتخاذها معيارا لتقيم الحاضر وتبريريه وتكرسيه، على أن الخصوصية ليست ثوابت ثوابت مجردة مطلقة فوق المكان والزمان بل هي سمات مشروطة اجتماعيا وتاريخيا، ولهذا تختلف الخصوصيات بأختلاف الملابسات الاجتماعية والتاريخية/ 655/ محمود أمين العالم/ الأعمال الفكرية/ المجلد الاول/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 2015 ) وبخصوص مجلة المنار الجديد /ص47
يستوقفني كقارىء ماجاء بأفتتاحية العدد الأول (صلاح هذه الأمة لا يكون إلا بما صلح به أوّلها)
مابين القوسين: أقوى تجسيد للتخييل اللاهوتي الذي لفّق عقلا أيدلوجيا وأرتكز عليه ضمادا لجرحه النرجسي الخاص في عقيدة سمحاء هي الدين الإسلامي الحنيف و حين نقارن هذا الكلام بكلام المفكر الدكتور محمد عماره (الحاجة المتجددة لتبصير الأمة بالفروق بين الديني والإلهي وبين العادات والتقاليد والأعراف ) ندرك الفرق بين المنطق المعرفي والسلطة الشمولية الموتورة، وهي شمولية أعلنها محمد الغزالي في محكمة فرج فودة، حين استُدعي كشاهد دفاع وشهد أن فودة كان بالفعل مرتداً، وأنه بإمكان المؤمنين الأفراد تطبيق القانون بأنفسهم وتنفيذ حكم الإعدام بشكل مبرر، إن لم تتّبع الدولة القانون الإسلامي للحكم عليه/ 106/ راي تاكيه ونيكولاس غفوسديف/ نشوء الإسلام السياسي الراديكالي وأنهياره/ ت : حسان بستاني/ دار الساقي/ بيروت/ ط1/ 2005.. ولماذا العودة/ التراجع وليس استعياب الأصل بشكل يوائم مرور ألف وأربعمائة سنة عليه؟ لماذا الماضي مفتاح حاضرنا المتشابك المتراكب وليس (الحاضر مفتاح الماضي) فقد أكتنز هذا الحاضر بالكثير الكثير من التجارب والخبرات ؟ يرى الباحث المصري صلاح سالم (تكمن معضلة الإسلام السياسي بكل تياراته في حضوره اللاتاريخي، الذي يؤسسه على عدة مفاهيم إطلاقية/ أسطورية يراها صحيحة وجوهرية ونراها زائفة وهامشية/ 245/ صلاح سالم/ ملفات فكرية في الدين والحداثة والعلمانية/ سلسلة الدراسات السياسية والأستراتيجية/ الهيئة المصرية العامة للكتّاب/ ط1/ 2017 )
(*)
من جانب ثان تعيدنا مجلة المنار الجديد الإسلامية، الصادرة في شتاء 1998إلى مجلة المنار التي أصدرها الشيخ رشيد رضا في 1899 ولم تتوقف إلاّ في 1935 ..وفي هيكلته الزمن المصري الحديث ينسبه المفكر عبد الرزاق عيد إلى الجيل، ويموضعه ُ ضمن يمين الأمام محمد عبده ويشكل قطيعه مع ميراث الإمام وعن هذا الجيل يقول عبد الرزاق عيد(أزداد أنكفاء وأنغلاقا على الذات الأصلية(الأصولية) وتجلى ذلك في أنتشار لمبدأ التكفير الذي حل محل التفكير، ليس تكفير الآخر الغربي،بل تكفير أبن الدين الواحد لكن المختلف في الملة،بل تكفير أبن الملة نفسه إذا خرج على معايير فقهية محددة، حيث الإسلام الوهابي النجدي يثأر لهزيمته أمام محمد علي، فيغزو الإسلام المصري الذي صنع العقل التنويري للإمام أعتداله ومدرسته خلال عقود، وذلك بدءا من رشيد رضا الذي أختطف محمد عبده من نسقه بما يتلاءم مع منظومته الفقهية بعد أن أستفاد من ظروف كثيرة – ليس هنا مجال ذكرها – ليحول الإمام إلى فقيه، وليتأسس فقه التكفير في الستينات مع سيد قطب، بالاستعارة من أبي الأعلى المودودي/ 19/ عبد الرزاق عيد/ محمد عبده/ إمام الحداثة والدستور/ معهد الدراسات الأستراتيجية / بغداد- بيروت/ 2006
*هبة رءوف عزت/ الخيال السياسي للإسلاميين / ط2/ الشيكة العربية للأبحاث والنشر/ بيروت/ 2015