18 يناير، 2025 10:42 ص

العرب منهمكون بالتخيلات الفنتازية التأريخية الغير واقعية وبالإتجاهين السلبي والإيجابي , ويمعنون بتبديد طاقاتهم في هذا الإتجاه التدميري للذات والموضوع , لأنه يبعدهم عن حاضرهم ويعزلهم عن المستقبل أو يكاد يلغيه , فهم بلا حاضر ولا مستقبل والحياة في التأريخ المتخيَّل وحسب.
ولهذا لا تجد موضوعا مكتوبا أو عملا إبداعيا إلا وإرتدى شيئا من ألبسة التأريخ وأزيائه , فالتأريخ المتصور أو المتخيل يفترس وعينا ويهيمن على مداركنا ويمنعنا من الإبصار وإبداء الرأي السليم.
كما أنه تحوّل إلى وسيلة هروبية من مواجهة التحديات والتفاعل مع المستجدات , فلكل حادث حديث في بطون التأريخ , وإن لم نجده نؤلفه وفقا لما تقتضيه أمزجتنا وحالاتنا الإنفعالية.
وتطالعني هذا الصباح العديد من المقالات المعتقلة في زنزانة التأريخ , فهي تتحدث عن موضوعات وتنسبها لما جرى قبل أكثر من ألف عام , وتبرر الذي يكون بما كان , ولا يمكنها أن تخرج من خندق الإنغماس بما يضر ولا ينفع.
التأريخ الذي كتبناه كما أملته علينا مواقفنا وتصوراتنا , ولم نكتبه كما هو , فهو معبّأ بالزيف ومشحون بالعواطف وبآليات تبرير المواقف , وتأمين حكم السلطان , أي أنه مكتوب على مقاسات الكراسي في كل زمان ومكان , فلا يوجد عندنا تأريخ مكتوب بصدق ونزاهة وأمانة.
فتأريخنا يعكس مواقف السلطة والسلطان ويبررهما بإسهاب , ويأتي بما يعزز إرادة الظلم والإستبداد والقهر والتبعية والخنوع والإذلال , ومن ذلك ميله إلى التركيز على شخصية الحاكم وتضخيمها أو تدميرها , كما أنه مبني على صناعة المواقف وتوظيف الأحداث لغايات سياسية وطائفية وعدوانية على العرب والمسلمين , خصوصا أن معظم كتاب التأريخ من غير العرب , بل ومن الذين يضمرون أحقادا ضد العرب.
ومن هنا فأن الإعتماد الأعمى على التأريخ وتصديق أحداثه دون تمحيص علمي منهجي قويم يتسبب بتأمين التضليل والتهويل بأنواعه , مما يجعلنا نتعامل مع موجودات لا تمت بصلة إلى واقع الحياة والبشر , فالرموز التي تم الكتابة عنها تحولت إلى مقدسات , أو موجودات خيالية ممعنة بالمثالية والعدوانية , وفيها تطرف واضح ما بين كفتي الشر والخير.
إن الإعتنماد على التأريخ وحسب , في التفسير والتبرير والتحليل والفهم منهج غير موضوعي ولا علمي , ويؤدي إلى الزيغان والإنحراف والإتلاف المرير للمجتمع وللأجيال المتوافدة , لأنه يدفعها إلى ميادين الأضاليل والأكاذيب والتصورات البهتانية الخالية من الرصيد الواقعي والعلمي المدروس.
فالتأريخ مكتوب بلغة المواقف وليس بلغة الأحداث , مما يجعله ويكنز نسبة كبيرة من الإفتراءات والأكاذيب والقصص ذات النوايا السيئة المنسوبة لمسميات وحالات لا تمت بصلة إليها.
فهل من منهج علمي قويم؟!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات