23 ديسمبر، 2024 2:44 ص

الانقلابان في العراق، وكيف تستجيب الولايات المتحدة لهما

الانقلابان في العراق، وكيف تستجيب الولايات المتحدة لهما

بقلم مايكل نايتس
ترجمة عباس منعثر
“الانقلاب الأول: شن حلفاء إيران في العراق انقلاباً قضائياً في بداية هذا العام. الانقلاب الثاني: يحاول مقتدى الصدر الآن أن يسيطر على النظام من خلال الجمهور. يجب أن يهتم أصدقاء العراق بقيادة الولايات المتحدة بهذين الإنقلابين، وليس الأحدث منهما فقط.””
مع احتلال أنصار مقتدى الصدر للبرلمان العراقي ونصبهم للخيام في المنطقة الخضراء، مركز حكومة بغداد، هناك رأي مفاده أن العراق يشهد نوعاً من الانقلاب أو كما يسميه مقتدى “ثورة”. لكن بالنظر إلى خلفية الأشهر الأخيرة، يجب أن يُنظر إلى أفعال الصدر على أنها رد فعل على تخريب القضاء من قبل الخاسرين في انتخابات أكتوبر 2021 التي فازت فيها الكتلة الصدرية من أجل إبطال نتيجة الانتخابات. هذا الانقلاب القضائي (الذي تحقق من خلال السيطرة على المحكمة الفيدرالية العليا التي يفترض أنها مستقلة) شهد خضوع أحد أذرع الحكومة العراقية لقوة أجنبية. الآن يقوم مقتدى بعمل مشابه، وإن كان من خلال عمل جماهيري: إبطال ذراع آخر للحكومة، وهو الهيئة التشريعية.
والسؤال هنا: كيف ينبغي للولايات المتحدة وأصدقاؤها أن يروا هذه الفوضى في العراق وما هي الإجراءات التي قد تخدم مصالح الولايات المتحدة والمُثُل الأمريكية على أفضل وجه؟

حكاية انقلابين
في النظام البرلماني العراقي، يقوم أعضاء مجلس النواب بإنتخاب رئيس المجلس ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على التوالي. وفي ظل الظروف العادية، يتطلب الأمر أغلبية بسيطة من 329 نائباً (أي 165 مقعداً) لانتخاب رئيس المجلس والتصديق على رئيس الوزراء وحكومته، في حين أن أغلبية الثلثين (218 مقعداً) مطلوبة في المحاولة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية، على الرغم من أن العتبة تنخفض إلى 165 مقعداً إذا لم يكن الفوز بالجولة الأولى ممكناً. في انتخابات تشرين الأول 2021، التي قيّمتها المفوضية العراقية العليا للانتخابات والأمم المتحدة على أنها نزيهة، فازت قائمة مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد (73 مقعداً) وحاولت بناء تحالف عابر للطوائف ومتعدد الأعراق (شاملاً الشيعة والسنة والكرد). كان من المفترض أن هذا التحالف المتعدد الأعراق سيحصل على الـ(165) مقعداً المطلوبة وسيدفع تحالف الإطار التنسيقي المدعوم من إيران إلى المعارضة. رداً على ذلك، حاول الإطار التنسيقي الإطاحة بنتائج الانتخابات عدة مرات:
من خلال الوسائل القانونية.
الهجمات شبه العسكرية على المنطقة الخضراء.
محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي المؤقت مصطفى الكاظمي في تشرين الثاني 2021.
عندما فشلت جميع جهودهم وتمّ التصديق على نتائج الانتخابات في 27 ديسمبر 2021، انتقل الإطار التنسيقي إلى الخطة (ب). وتألّفت من انقلاب قضائي دبره نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، والذي قام بزرع أعضاء بارزين في القضاء تابعين له، منذ أن قام بتهيئتهم وترقيتهم في الرُّتب خلال فترة ولايته الطويلة كرئيس للوزراء.
تضمن الانقلاب القضائي الحالي إصدار تعليمات لرئيس المحكمة الدستورية العليا، القاضي فائق زيدان، بتسهيل سلسلة من الأحكام في المحكمة الدستورية العليا التابعة له، والتي تم إقرارها في تتابع سريع في أوائل عام 2022. والأهم من ذلك، إلازالة النهائية لخيار تعيين رئيس الجمهورية بالأغلبية البسيطة إذا فشلت جهود تحقيق أغلبية الثلثين من قِبَل المحكمة الاتحادية العليا(FSC). وبذلك، أطاح الإطار التسيقي فعلياً بجهود مقتدى الصدر لتشكيل حكومة الأغلبية التي سعى إليها. في جوهره، حرّك هذا القرار قوائم المرمى حينما كانت الكرة تتهادى وعلى وشك إحراز الهدف. وبشكلٍ مُفاجئ، قامت المحكمة الاتحادية العليا (FSC) بتفعيل قضية عمرها عشر سنوات ضد صادرات النفط الكردستانية المستقلة من أجل معاقبة وترهيب بعض الأكراد لمشاركتهم في جهود تشكيل حكومة الأغلبية.
وبسبب الإحباط، أمر مقتدى الصدر جميع نوابه البالغ عددهم 73 نائباً بالاستقالة من البرلمان، وتنازل عن الأغلبية إلى الإطار التنسيقي وشركائه (وإن لم يكن أغلبية الثلثين المهمة). وأشار الصدر إلى أنه شعر بأن النظام مُزوَّر وأنه سيعمل الآن على تغييره. من جهته، قام الاطار التنسيقي بمحاولة تشكيل حكومة – يبدو أنه قادرة فقط على جمع ثلثي أعضاء البرلمان معاً بعد إعادة توزيع مقاعد الصدريين المستقيلين.
ولمنع ذلك، إستولى أتباع مقتدى على البرلمان في بغداد. ولم تخاطر الحكومة العراقية بقتل المتظاهرين لوقف هذه التوغلات – مثلما لم تمنع الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، وهو الآن شريك في الإطار التنسيقي، أنصارَ مقتدى من دخول البرلمان في عام 2016. إنّ أحزاب الاطار التنسيقي ينظرون إلى رد فعل الحكومة (أي الكاظمي) الوديع على أنها نوع من التأييد لأعمال مقتدى، وبالتالي يوصف التحرك برمته على أنه “انقلاب”.

خطآن لا يصنعان حكومة مستقرة
على الرغم من أنّ الحكومة الامريكية ترّكز على المنافسة بين القوى العظمى والقضايا المحلية، إلا أن الاستخبارات الأمريكية والهيئات الدبلوماسية، بالإضافة إلى الحلفاء والشركاء، يعرفون الكثير عن التحركات اليومية والمحادثات والحسابات المصرفية للسياسيين العراقيين (او الشخصيات الفاعلة). لذلك، تعرف الولايات المتحدة تماماً كيف قام الاطار التنسيقي بانقلاب قضائي في أوائل عام 2022، بالإشتراك مع قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان. التقى الرجال الثلاثة في منزل نوري المالكي في كانون الثاني (يناير) 2022، وعندها تلقى زيدان تعليمات من المالكي والجنرال الإيراني بما ينبغي عليه فعله في المرحلة القادمة.
هذا الفعل مخالف تماماً للدستور العراقي أن يُؤمر القضاء للقيام بتقويض نتائج الانتخابات وإكراه أو ترويع كتلة الاغلبية. وهو انقلاب قضائي مدعوم من الخارج ولا ينبغي قبوله من قبل الشعب العراقي أو تجاهله من قبل المجتمع الدولي، كما حدث إلى حد كبير حتى الآن في العلن على الأقل. لقد لعب الاطار التنسيقي دوره بهدوء وذكاء، حيث قام بإجراءات غير قانونية وغير دستورية بحيث لا يمكن اكتشافه إلا من قبل الاستخبارات السرية. إذا أرادت الولايات المتحدة، يمكنها الكشف عن أدلة على هذه الجهود (أي التخابر والتحايل القضائي)، سواء بشكل علني أو سري وغير مباشر.
كذلك، لا ينبغي للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي ولا تقول شيئاً عن احتلال الصدريين لمؤسسة كبرى في العراق (أي مبنى البرلمان). هنا قد يكون النهج (أي طريقة اعلان الموقف الأمريكي) غير المباشر ذكياً. لا يمكن للولايات المتحدة أن تتدخل بشكل مباشر: واشنطن لم تحرك ساكناً لمساعدة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي حينما حاصرت شاحنات الميليشيات التابعة لعضو الاطار التنسيقي كتائب حزب الله (في البرلمان تحت مسمى قائمة حقوق) مقر إقامة رئيس الوزراء في يونيو 2020 في تهديد مباشر ضده. بدلاً من ذلك، سيكون من الأفضل للولايات المتحدة أن تُحيط مقتدى والشعب العراقي علماً بالدليل الذي يحتاجونه لإسقاط القيادة القضائية الفاسدة في العراق، وفضح دور المسؤولين العراقيين الآخرين الذين تآمروا مع الاطار التنسيقي في الإفراج عن قتلة المتظاهرين من السجن، أو فضح حسابات الذين أثروا مادياً على حساب الشعب العراقي.
في حالة التغيير، ربما تكون القيادة القضائية الجديدة قادرة على اتخاذ بعض الإجراءات، وهذا قد يقنع مقتدى بالتخفيف من قبضته على البرلمان. ومن المحتمل أن يتبع ذلك انتخابات جديدة، بالنظر إلى أن القضاء قد اتخذ سابقاً العديد من الإجراءات في أوائل عام 2022 لتكون النتيجة النهائية في الانتخابات لصالح الاطار التنسيقي.
بعبارة أخرى، يجب على الولايات المتحدة أن تهتم بمحاولتي الانقلاب في العراق هذا العام، وقد يكون المكان المناسب للبدء هو مساعدة العراقيين على تصحيح الخطأ الناجم عن الانتخابات المسروقة والتخويف الذي يتعرض له الكورد لممارستهم حقهم في الانضمام إلى حكومة الأغلبية. ما لم تُقلَب (أي يؤخذ بنقيض) قرارات المحكمة الاتحادية العليا ​(FSC)، فربما يكون الاطار التنسيقي قد تسبب في ضرر دائم لقدرة العراق على تشكيل حكومة ويكون قد تسبب في خلق مأزق سيعود إلى الظهور في كل مرة تلي الانتخابات، حيث المطلوب تحقيقه هو أغلبية الثلثين. كما لم يتردد الاطار التنسيقي في المخاطرة بسحب نصف مليون برميل من النفط من السوق العالمية وإغراق خمسة ملايين من سكان إقليم كردستان في أزمة اقتصادية من خلال أحكام قضائية تحْجُر على مبيعات النفط في كردستان إلى جانب الهجمات الصاروخية التي يقومون بها والطائرات المسيّرة.
هذه الاعمال المزعزعة للاستقرار بشكل صارخ لا يمكن عكسها (مواجهتها) إلا إذا تم تسليط الضوء على أساس الأحكام – التدخلات القضائية غير اللائقة من قبل قادة الاطار التنسيقي مثل نوري المالكي ولواء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني. في هذه المرحلة، مع فجوة الهاوية أمام العراق وشركائه، هناك حاجة إلى تفكير سياسي سريع وغير تقليدي يرسل إشارة إلى مقتدى الصدر بأن هناك أكثر من طريقة لإصلاح المأزق الحالي، إذ يمكن تصحيح خطأ الانتخابات المسروقة دون انقلاب آخر.