23 ديسمبر، 2024 12:20 ص

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج26

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج26

بينما جاء وصف معركة هندرين في المصادر الشيوعية بالشكل التالي:” في مطلع أيار 1966 استطاعت، وحدات من الجيش العراقي أن تتسلل تحت جنح الظلام لتحتل جبل هندرين ذي الأهمية الستراتيجية بوصفه الموقع الذي يشرف على الطرق المفضية الى المنطقة البارزانية، التي ظل الجيش عاجزاً عن الاقتراب منها، بسبب سيطرة قوات الثورة على قمم الجبل. كان الجبل والمناطق المؤدية له تحت حراسة الأنصار الشيوعيين. وسرعان ما أقام الجيش ربايا حصينة عليه، وكدس فيه قوة كبيرة تعادل عشرة أضعاف القوة التي يمكن للحزب والقريبين منه أن يحشدها هنا. كان على الشيوعيون أن يستعيدوا الجبل مهما كان الثمن، خاصة وأن البعض من خصوم الحزب قد أثاروا ضجة كبيرة ضد الشيوعيين متهمين إياهم بالتواطؤ مع الجيش لتسليم الجبل. وقد استعاد الفدائيون الجبل، إذ خاض الأنصار الشيوعيون، ومعهم قسم من مسلحي عزت سليمان بك القريب من الحزب سياسياً، بقيادة الضابط الشيوعي القدير الرئيس كمال نعمان والضابط المدفعي الجريئ نعمان علوان (ملازم خضر)، معركة هندرين التاريخية، واستطاعوا بهجوم مباغت أن يطهروا الجبل من قوات الحكومة تماماً، ويلاحقوها حتى معسكر راوندوز. وكانت خسائر الأنصار خمسة بضمنهم النصير الجريئ عريف يونس. بينما ألحق الأنصار بالقوات الحكومية خسائر كبيرة قدرت ﺑ 75 قتيلاً و250 جريحاً، حسب تقارير منظمة الحزب في راوندوز، ومقادير كبيرة من الأسلحة والعتاد. وكان لهذا النصر قيمته الكبيرة سياسياً وعسكرياً، ورفع كثيراً من هيبة الشيوعيين ومقاتليهم، لاسيما وإنها كانت أكبر معركة عسكرية وأبرز نصر تحرزه الفصائل المسلحة في كردستان العراق حتى ذلك اليوم . ينظر: عزيز سباهي،عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، ص 60 وما يليها؛ بهاء الدين نوري، مذكرات بهاء الدين نوري، دار الحكمة، لندن، ص 335-336.
أما رواية بهاء الدين نوري السكرتير الاسبق للحزب الشيوعي العراقي عن معركة جبل هندرين حينها كان عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ومسؤول إقليم كردستان للحزب:” قدر لي أن أكون في قرية كليته، بالقرب من جبل هندرين العملاق، يوم معركة هندرين التأريخية، التي كانت آكبر معركة عسكرية وأبرز نصر تحرزه الفصائل المسلحة في كردستان في العراق حتى ذلك اليوم. وقد بدأت المعركة في الثاني من أيار 1966، عندما تسللت تحت جنح الظلام وحدات من الجيش بمساعدة ومشاركة الجحوش الأكراد (= الفرسان الاكراد) إلى مرتفعات فوق الجبل واتخذت لنفسها مواقع قبالة فصيل الحراسة الشيوعي الصغير. وعندما نقل المسلحون الشيوعيون من مقرهم في قرية برسرين ومن سفوح هندرين بعض التعزيزات إلى فصيل الحراسة الأمامية كان الجيش قد أقام لنفسه العديد من الربايا والتحصينات العسكرية والمدافع الخفيفة. وقد أثار البعض من خصومنا ضجة كبيرة ضد رفاقنا الفدائيين متهمين إياهم بالتواطؤ مع السلطة وبيع هندرين لها. كان لا بد من عمل كبير يعيد المياه إلى مجاريها.
كان المسؤول العسكري لوحدتنا المسلحة كمال نعمان، النقيب الشيوعي العربي من أهالي ديالى، الذي كان قد هرب من الجيش إثر إنقلاب 1963. كان كمال رجلاً هادئا خلوقاًومحترماً بين الفدائيين. وقد تأثر بما حدث في هندرين شديد التأثر ليس فقط كمسألة سياسية وعسكرية، بل كمسألة شخصية مسته بوصفه قائد الفصائل الفدائية المناطة به حراسة هندرين. فسهر على وضع خطة لشن هجوم مضاد يؤدي إلى استعادة الجبل. وكان عليه تدبير الأمر في ظروف عدم تكافؤ القوى العسكرية عدداً وتكنيكاً. فقد كانت في حوزته قرابة (250) مسلحاً بأسلحة بدائية بسيطة أفضل ما فيها بندقية سمينوف، إضافة إلى مدفعي هاون عقدة (3)، في حين قدرت قوات السلطة بما يزيد عن ألفي جندي مع تجهيزات جيدة ومع دعم قوي بالمدفعية والطيران… في صبيحة 12أيار وبعد إطلاق القذيفة الثالثة من مدفع الهاون الصغير صدر الأمر إلى الفدائيين، بضمنهم قسم من مسلحي عزت سليمان بك القريب منا سياسياً، بالهجوم. وفي معركة عسكرية خاطفة ألحقوا الهزيمة الكاسحة بالعدو ولاحقوه حتى اقتربوا من معسكر رواندوز. استشهد خمسة من فدائينا، بضمنهم الفدائي الشجاع عريف يونس، الذي كان آمر فصيل الحراسة حين تسلل الجيش إلى الجبل. وحسب المعلومات التي أرسلها رفاق منظمتنا في رواندوز بلغ عدد قتلى العدو 75قتيلاً إضافة إلى حوالي 250 جريحاً، أصيبت غالبيتهم جراء سقوطهم في الأرض الجبلية الوعرة.
كنت لا أزال في (كليته) حين أتى إلينا مراسلنا السريع مشياً (عريف نورى) حاملاً إلينا نبأ الانتصار المفرح فوق الجبل. بادرت إلى إرسال جميع مندوبي الكونفرانس ومن حوالينا شطر هندرين كي يشاركوا في جمع ونقل ما يمكن الحصول عليه من الغنائم المفيدة لنا من سلاح و عتاد وأجهزة لاسلكية وغيرها، ذهبوا جميعاً، وسبقهم رؤوف قادر ثم عاد نحوهم قبل أن يصعدوا الجبل وأخبرهم بأن ليس هناك ما يمكن جلبه ولا داعي لمواصلة السير. فرجعوا أدراجهم دون أن يجلبوا شيئاً. وفي وقت لاحق حصلنا فقط على عدد من أجهزة اللاسلكي، التي جلبها لنا فدائيونا المشاركون في المعركة. وأشيع على نطاق واسع بأن الشيوعيون أخذوا وأخفوا أسلحة كثيرة. وكان حجم الانتصار الكبير يساعد على خلق وتصديق مثل هذه الاشاعة. وأرسلت قيادة الحركة المسلحة إلى رفاقنا مَن طلب منهم عدداً من الغدارات بذريعة أنها بحاجة إليها كي ترسلها إلى الفدائيين المكلفين بالعمليات العسكرية في المدن. ينظر: مذكرات بهاءالدين نوري،الطبعة الأولي، دار الحكمة، لندن، أب، ص335-337.
ومن جانب آخر فإن رواية القيادي الشيوعي الكردي (خسرو حميد عثمان) حول خسائر الجيش العراقي في المعركة مقاربة لما تقوله الرواية الاسرائيلية، ومتناقضة مع رواية القيادي الشيوعي الكردي الآخر بهاء الدين نوري، بقول خسرو حميد عثمان:” يبدو أن أرقام خسائر الجيش العراقي إختلطت في رواية بهاءالدين نوري بين هذه المعركة في جبل زورزك يوم 2أيار وبين معركة جبل هندرين يوم 12منه . ينظر: خسرو حميد عثمان، روايتان مختلفتان عن معركة جبل هندرين وحيثيات بيان 29 حزيران 1966(2/2)، الحوار المتمدن-العدد: 5385، في 2016 / 12 / 28.
يبدو أن الخلاف بين القياديين الشيوعيين الكرديين حميد عثمان من (أربيل) وبهاء الدين نوري من( السليمانية) القت بظلالها على الروايات المختلفة حول معركة جبل هندرين وغيرها من الاحداث التي ليس مجال ذكرها الآن.
أما رواية معركة هندرين من الجانب الحكومي فقد وردت في مذكرات الفريق الاول الركن نزار فيصل عبدالكريم الخزرجي(1938-؟) رئيس أركان الجبش العراقي (1987-1990م)، عندما كان مرافقاً لعمه اللواء الركن ابراهيم فيصل الانصاري قائد الفرقة الثانية الجبلية للجيش العراقي،:” في قيادة الفرقة الثانية في كركوك زارنا اللواء الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع، مع عدد من ضباط الأركان العامة. وعقد فور وصوله اجتماعًا بقائد الفرقة اللواء الأنصاريّ في غرفته في مقر القيادة، وفيها بيّن الاستراتيجية التي سيعمل عليها للمرحلة المقبلة في مقاتلة مسلحي البرزاني، والتي ستجبر الزعيم الكردي على التخلي عن الخيار المسلّح في خلافه مع السلطة، وذلك بتحويل الجهد الرئيس للعمليات من جبهة الفرقة الثانية – السليمانية إلى جبهة الفرقة الرابعة – أربيل، على أن تعزز بألوية ووحدات من قطعات الفرقة الثانية. والغاية من ذلك هو عزل مسلّحي الملا مصطفى البرزاني عن الدعم الإيراني، وذلك بالسيطرة على المحور الرئيس الذي يربطهم بإيران أي راوندوز – برسري – حاج عمران. وقال على القطعات أن تبدأ فورًا في سهل راوندوز، وتشرع بالعمليات بعد عطلة العيد المقبلة، بعد أكثر من شهر، وأن اللواء الركن زكي حسين حلمي، قائد الفرقة الرابعة، سيقود العملية”.
ويبدو أن النظرة الاستراتيجية للواء الركن ابراهيم فيصل الانصاري تختلف الى حدٍ كبير عن الفكرة السائدة لدى وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش العراقي:” كانت النظرة الاستراتيجية للواء الأنصاريّ مختلفة تمامًا، إذ قال: إن هذه العملية وأي عملية مشابهة أخرى لن تحقق الغاية التي استهدفها السيد وزير الدفاع، وأوضحُ أن العمليات المسلحة الحالية تختلف عن تلك التي شارك فيها الوزير في منتصف الأربعينيات. آنذاك كانت حركات عشائر متمرِّدة ومحدّدة في مناطق نفوذ الملا البرزاني والعشائر المؤيدة له، وكان وصول الأرتال العسكرية إلى مناطق تواجد ونفوذ تلك العشائركافيًا لإخمادها، أما الآن فالوضع مختلف تمامًا! إذ تحوّل قتال المسلحين الأكراد إلى عمليات أنصار وحرب عصابات مشابهة لتلك التي حدثت في يوغسلافيا والاتحاد السوفياتي، وتدرّب عليها البرزاني ومن معه في أثناء لجوئهم إلى الاتحاد السوفياتي، فالقتال الآن ليست له جبهة محدّدة وواضحة بل يجري تقريبًا في كل مكان من المنطقة الكردية في الشمال. ففيما نحن نقاتل المتمرِّدين في المناطق الحدودية لمنع تعاونهم مع إيران أو تركيا، هناك قتال في مناطقنا الخلفية وعلى طرق المواصلات. إن إمساك الشريان الذي يربطهم بإيران وقطعه شيء جيد، ويمكن أن يكون بإمساك العوارض المسيطرة فيه بعدد محدود من القطعات، وإبقاء القسم الأكبر منها لضربهم وإيقاع الخسائر الموجعة فيهم، ومطاردتهم أينما كانوا. ذلك ما يردعهم ويجبرهم على التخلي عن استمرارهم بالقتال، ولا تنسَ سيادة الوزير أن هناك محاور أخرى عديدة تربطهم بإيران، واختتم اللواء الأنصاريّ قوله: أخشى يا سيادة الوزير أن يؤدي إصراركم على هذا النهج وتنفيذه بالصيغة التي عرضتها إلى نتائج وخيمة للقطعات التي ستقوم به ولبقية القوات المسلحة!. لكن الوزير(= الدفاع) اللواء الركن عبدالعزيز العقيلي [(1919-1981) ضابط من مدينة الموصل، كان من المؤمنين الأشداء باستخدام القوة العسكرية لتصفية الحركة الكردية التي كان يقودها الملا مصطفى البارزاني، ففي 3 شباط 1966 أعلن بالقول:”إن الدول الشرقية والغربية تساعد العصاة من أجل تأسيس إسرائيل ثانية في شمال الوطن، تماما كما تعاونت في عام 1948م لدى تأسيس إسرائيل”]، المعروف بعناده أصر على رأيه مدعومًا بتأييد الرئيس عبد السلام عارف”. ينظر: نزارعبدالكريم فيصل الخزرجي، الحرب العراقية الايرانية 1980-1988، مذكرات مقاتل، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الطبعة الاولى، بيروت، 2014م.