23 ديسمبر، 2024 4:07 ص

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج40

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج40

وبهذا الصدد يذكر السيد محسن دزه يى القيادي السابق في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ووزير الاشغال والاسكان العراقي الاسبق في سنوات 1973-1974م، في مذكراته تحت عنوان ( أحاديث عاصرتها) حول دور الأمير الدكتور كاميران بدرخان في ترتيب العلاقات بين الحكومة الفرنسية وقيادة الثورة الكردية، حيث أنه رغم تجريده من ممثلية الثورة الكردية مع إسرائيل في نهاية سنة1963م، فإنه واصل تعزيز العلاقات بين الثورة الكردية وبين القوى الاوروبية الكبيرة وخاصةً فرنسا لاقامته الطويلة فيها، مما مهد الاجواء لاقامة علاقات مع مختلف ألوان الطيف الفرنسي، فضلاً عن كونه يدرس في إحدى الجامعات الفرنسية، والكلام للسيد محسن دزه يى:” كنت اتردد خـلال السنتين الاخيـرتين على نادي الجـمعـية البـغدادية في مـحلة الصليـخ ببـغـداد، وكــان نادياً جـمــيـلاً وهادئـاً يديره جـمع من الـشـبـاب المثــقف بضـمنهم رفـعت كـامل الجـادرجي ومـحمـود أحـمـد عـثمـان (ابن خـالتي وصـديق (الطفولة) وغيرهما من اصحاب الشهادات العالية والمثقفين ويتردد على ذلك النادي خيرة القوم.
في أواخـر شـهـر آب أو أوائل ايلول من سنة ١٩٦٨ أتـصل بي صـديقي وابن خـالتي المحـامي زيد أحـمد عـثـمان هـاتفيـاً عندمـا كنت في الدار وأخـبـرني بأنه يريد لقـائي فذهبت الى داره وجلسنـا سوية بوجـود شخص أجنبي فـأخبـرني بأنه قد اسـتلم رسالة من الشـخصـية الكُردية المعـروفة الدكتـور كامـران بدرخان وهواستاذ اللغة الكُردية في أحدى جامعات پاريس، وقال بأن بدرخان قد بعث اليه بهــذا الشـخص الفــرنسي ويريد أن يســاعـده لأيصــاله الى كُـردســتـان ومـقــابلة البـارزاني. وقـدم لي الشخص المـذكور على أنه (بـرنارد دوران) ويعمل مـوظفـاً دبلوماسيـاً في وزارة الخارجية الفرنسـية وهو مبعوث شخـصي للرئيس الفرنسي شارل ديغول وذلك للأطلاع شخـصياً على حقيقة الاوضاع في كُـردستان، وكان الرئيس ديغـول مهـتمـاً بقـضايا الشـعـوب التي تكافح لنيل حـقوقـها وحـريتهـا، كـما وأرسل مـبـعوثاً آخـر الى بيـافـرا (نيجـيـريا) لهذا الغـرض. ينظر: محسن دزه يى، أحداث عاصرتها 1961 – 1975م، أربيل، دار ئاراس، 2002م، ج2، ص175.
وبخصوص نقل رسالة الرئيس الفرنسي (شارل ديغول) ورسالة الدكتور (كاميران بدرخان) الى الزعيم الكردي البارزاني في تلك الحقبة التي كان حزب البعث العربي الاشتراكي قد تولى الحكم بعد انقلاب 17 – 30 تموز عام1968م، يذكر ما نصه:” وقـد طلب مني زيد العمل لأجل تسـهيل ايصال الشخص المذكـور الى كُردستان وقـال بأن محل اقامتـه في مقر جمعـية الشبان المسيـحيين في الباب الشرقي(= تأسست عام1925م)، ومسـاءً ذهبنا معاً وبعــد برهة قــصـيــرة انصـرف زيد الـى مـوعــد آخـر وذهبنـا مـعــاً الى الجـمــعـيــة البـغـداديـة وتناولنا هناك طعــام العـشـاء ولقـيـت الرجل مطلعـاً اطلاعــاً واسـعـاً ودبلوماسـياً قديراً وبعـد تفكير طويل رأيت من المخاطرة في مثل تلك الظروف ايصال مثل ذلك الشخص الذي جاء لذلك الغرض الهام وقد نصحته بأن يسافرالى طهران وهناك يلتقي بممثل الثورة ويكون ارساله الى كُردستان بسهولة وقد زودته برســالة شـخـصــيـة الى ممثلنـا هناك السـيـد شــمس الدين المفــتي وهو من أصدقـائي القدماء وبرسـالة أخرى الى البارزاني، وأعتـقد أنه كان يحـمل رسالة أخرى من الدكـتور بدرخان الى البارزاني، وقـد سافر المسيـو (دوران) في اليوم التالي وهناك التـقى بالمفتي حسب العنوان الذي زودته به ومن هناك سـافر الى كُردستان. التـقى (دوران) بـالبـارزاني وحّل ضـيــفـاً عنده وأمـضـى هناك حـسـبــمـا أعلم بضعـة اسابيع، ولكن عند عودتي الى كُـردستان في شـهر تشرين الاول كـان قد غــادر ولم أراه ثانيــةً الا في صــيف سـنة ١٩٧٤، علمت بـأنه بعــد عــودته الى پاريس قد قدم تقريراً مفصلاً وايجابياً جداً الى الجنرال شارل ديغول. ينظر: محسن دزه يى، أحداث عاصرتها، ج2، ص175 – 176.
[ولد الدبلوماسي الفرنسي برنارد دورين في 25 أغسطس/آب عام 1929 في مدينة بوفيه في فرنسا، تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة (1954–1956)، معهد الدراسات السياسية بباريس واستقال من حياته المهنية المبكرة، لأنه رفض المصادقة على قرار كان من المحتمل أن يعرض حياة العديد من المدنيين الأكراد للخطر خلال ثورة الملا مصطفى البرزاني، بعد خمس سنوات بعد أن أصبح موظفًا بارزًا في العديد من الوزراء الفرنسيين، تخلى عن الهدوء في قصور الجمهورية الفرنسية وشرع في رحلة محمومة إلى جبال كردستان التي يسيطر عليها البيشمركة. بعد أن عاد إلى وزارة الخارجية الفرنسية، ظل دورين مخلصًا للمبادئ التي دفعته إلى طرده قبل عقد من الزمان. استمر في متابعة تطور القضية الكردية، حيث شغل أكثر من منصب مرموق ومطلوب في السلك الدبلوماسي الفرنسي في مناصب سفير لدى اليابان، والمملكة المتحدة(= بريطانيا)، وتوفي في العشرين من شهر شباط/ فبرايرعام2019م].
وقال جيرارد شالياند (1934-؟) خبير الجغرافية السياسية الفرنسي في شؤون الشرق الاوسط:” حياة برنارد دورين لها مصداقية كبيرة تمامًا بالنسبة لدبلوماسي فرنسي، وإن التزامه تجاه القضايا، وإخلاصه في الدفاع عنها، وتعاطفه كليًا يميزه عن غيره”، والتقى شالياند مع دورين في عام 1975م. وعملوا معاً على نشر كتاب (شعب بدون دولة – الكرد وكردستان، صدر في باريس عام1978م، وترجم الى اللغة الانكليزية عام 1980م)، كان الهدف من نشر الكتاب جزئيًا هو زيادة الوعي العام الفرنسي بمصير أكراد العراق بعد سحق البعثيين لحركة المقاومة الكردية عام1975م، اليوم في باريس لا يزال دورين وجهًا مألوفًا في الأوساط الكردية الصغيرة ويحضر بانتظام أي مؤتمرات حول الكرد وكردستان، والاحتفالات بمناسبة نوروز.
يتذكر دورين ببلاغته المعتادة:” لقد اجتمع مجرى حياتي مع تاريخ الكرد ذات صباح من عام 1964م، كنت آنذاك مساعدًا لـ (الوزير العام) بوزارة الخارجية الفرنسية(إريك دو كاربونيل)، ثاني أهم رجل في الجهاز الدبلوماسي الفرنسي، في ذلك الوقت، كان على دورين أن يبدأ كل يوم عمل في السابعة صباحاً من خلال تصفح مئات البرقيات الدبلوماسية التي تتدفق إلى الوزارة من جميع أنحاء العالم. كانت وظيفته اختيار أولئك الذين يستحقون تقديمهم إلى رئيسه، ثم في أحد الأيام الجميلة حدث ذلك عبر برقية أرسلها سفيرنا في لندن. جاء فيها:” أن الحكومة البريطانية كانت تطلب موافقة فرنسا على صفقة بيع أسلحة الى العراق، تتضمن بيع المملكة المتحدة (= بريطانيا) 30 طائرة مقاتلة قاذفة قنابل من طراز هوكر هانتر مع مخزون من قنابل النابالم المتوافقة “، بدأ دورين يتذكر عندما أصبح وجهه مكتئباً:” في ذلك الوقت لم أكن أعرف سوى القليل عن الأكراد، باستثناء أنهم شاركوا في تمرد ضد الدولة العراقية وكانوا يقاتلون من أجل الاعتراف بهويتهم كأمة، كونها أكبر دولة بلا دولة، كما كنت أقدر بشدة المقاتلين الذين يكافحون من أجل تقرير المصير، كنت أعتبر قضيتهم قضية عادلة”.
في أعقاب انتفاضات 1961-1963م وقمع الحركة الكردية في ظل حكومة البعث الاولى عام 1963م، جعلت العلاقات المتوترة بين فصائل الحزب الديمقراطي الكردستاني ونظام المارشال عبد السلام عارف الجديد القتال يبدو أكثر رجحاناً، والأرجح أنه باقتراب العام 1965م في واقع الأمر اندلعت المناوشات الأولى بين الجيش العراقي وقوات البشمركة التابعة للبارزاني في ديسمبر/ كانون الأول في مناطق: جمجمال ودربنديخان وخانقين، وكان من المقرر أن تبدأ الحرب الشاملة بعد بضعة أشهر. كنت أعلم أن طائرات هوكر هنتر البريطانية والكلام للسفير دورين استخدمت في اخماد حرب العصابات المضادة، علاوة على ذلك كنت أعرف حقيقة أن قنابل النابالم كانت تستخدم بشكل شائع ضد السكان المدنيين، أشار دورين بمجرد وصول السيد دي كاربونيل الى سدة الامانة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية انطلق دورين نحو مكتبه وكشف له الوضع، ردد الأمين العام صراحةً أنه لا جدوى من التورع في الموافقة على صفقة الأسلحة، لم يكن لدى فرنسا سياسة كردية واضحة، علاوة على ذلك لم يكن هناك سبب إنساني لتحدي الاحترام غير المشكوك فيه لسيادة الدولة.
يروي دورين: ” شرحت له ما كنت أعرفه عن النضال الكردي وأن بيع مثل هذه الإمدادات العسكرية للعراق سيمهد الطريق بلا شك أمام الإبادة الجماعية”. جلس السفير المتقاعد(= كاربونيل) مستقيماً على كرسيه بذراعين، ورسم مسار الحوار الذي تلا ذلك، وكرر بقدر كبير من التفصيل الكلمات التي تبادلها الاثنان قبل 50 عامًا. قلت له إنه لا ينبغي أن تشارك فرنسا في مثل هذه العملية، طار على الفور من المقبض وبدأ في الصراخ في وجهي. قال لدورين إنني لست سوى موظف مدني تافه وأنه ليس لي تكوين أي نوع من الرأي حول سلوك السياسة الخارجية لفرنسا” . أجبته أن والدي كان ضابطا في الجيش الفرنسي سعى جاهدا إلى غرس الإحساس بالشرف في داخلي، وأنني لن أهين نفسي أبدا من خلال المشاركة في الإبادة الجماعية، حدّق كاربونيل في وجهي وأخبرني أنه لن نرد على البريطانيين بشكل إيجابي فحسب، بل سيتعين عليّ التوقيع على البرقية بنفسي، أجبته بهدوء أنني لن أفعل شيئًا كهذا أبدًا.
أخطرتني على الفور أنه لم يكن هناك فائدة من الظهور في المكتب في اليوم التالي، لقد ردت على أنني أفضل المغادرة في الحال، غادرت وصالحت رأيي بفكرة أن مسيرتي المهنية قد انتهت “. ظل دورين عاطلاً عن العمل لبضعة أشهر، قبل أن ينضم إلى طاقم (آلان بيرفيت) وزير الإعلام الفرنسي كمستشار دبلوماسي. وفي السنوات التي أعقبت إقالته من السلك الدبلوماسي الفرنسي، أنشأ دورين لجنة الإغاثة لشعب كردستان العراق، بدعم من الكاتب الفرنسي الحائز على جائزة نوبل للآداب الكاتب (فرانسوا مورياك)، شرحت له ( والكلام لدورين) ما أعرفه عن النضال الكردي وأن بيع مثل هذه الإمدادات العسكرية للعراق سيمهد بلا شك الطريق أمام إبادة جماعية، وباستخدام دورين لمنصبه الرفيع في الحكومة الفرنسية كسفير فيما بعد، أنشأ نظامًا للمنح الدراسية يسمح للطلاب الكرد بالدراسة في فرنسا.