18 ديسمبر، 2024 3:47 م

الاكتواء بذات النيران

الاكتواء بذات النيران

بعد انتهاء الاستعمار في شبه القارة الهندية (Indian Subcontinent) ومساهمته الفعالة في تقسيمها في اربعينيات القرن الماضي ازداد توافد المهاجرين منها بشكل ملفت الى بلاد المستعمر البريطاني لاسباب عديدة ومختلفة مما اثار غضب سياسييها.
فقد تنبأ السياسي وعضو البرلمان البريطاني عن ايرلندا الشمالية (اينوك باول) بجريان بحور من الدماء في بريطانيا بخطبته المشهورة (Rivers of Blood) نتيجة توافد المهاجرين الآسيوين بشكل خاص الى بريطانيا من شبه القارة الهندية واوغندا في زمن عيدي آمين واحتمال عدم اندماجهم في المجنمع البريطاني وذلك للاختلاف العرقي والثفاقي بين الطرفين ولاقت خطبته في البرلمان (West Minister ) آنذاك ردود فعل مختلفة.
وكما هو معلوم استقر هؤلاء الوافدون في بريطانيا وبذلوا جهودهم لخدمة وطنهم الجديد وعلموا اولادهم واحفادهم في افضل المؤسسات التربوية وعمل البعض من هؤلاء في المؤسسات الحيوية في الداخل والخارج وشاركوا السكان الاصليون بافراحهم واتراحهم واعتادوا على نظام الحياة هناك واصبحوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع البريطاني( Integral Part)
الذي حدث في بريطانيا في الفترة الاخيرة امور تنبه الى حدوث ظواهر اجتماعية جديدة قلبت اولا موازين ترتيب ادارة التعايش بين المجموعات البشرية ذات الفوارق العديدة المندمجة في بقعة جغرافية محددة. ظواهر تذكر بما حدث تاريخيا ابان الاستعمار الاوروبي وتسيد الرجل ذي البشرة البيضاء. وثانيا صعود احفاد الملونين الى قمة الهرم الاداري والسياسي وانحطاط في قدرات الاسياد السابقين وبذلك اصبح التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل معاكس
وحاليا في اسكوتلاند تم انتخاب حمزة يوسف وهو وزير من الملونين ( Man of Color)رئيسا للحزب الوطني الاسكوتلاندي (SNP ) ووزيرا اولا لسكوتلاندا مسلم للمرة الاولى وهو اول وزير ملون من الاقليات العرقية بدلا للسيدة نيكولا استرجنت الوزير الاول السابق و التي بقيت في ذات المنصب لمدة ثمان سنوات. حيث من ضمن مطالبه استقلال اسكوتلاند عن المملكة المتحدة وهو امر شبيه بما فعل المستعمر في شبه القارة الهندية اثناء فترة الاستعمار.
اضف الى ذلك بالامس القريب لم يفلح الساسة البريطانيون الجدد من غير الملونين ( People of Color) وخاصة في حزب المحافظين ( The Tories) العريق لم يفلحوا في اداراة البلاد لانشغالهم بامور اخرى لاتهم سلامة المواطن ويتسمون بقلة الخبرة وهيمنة الفساد والتهرب من دفع الضرائب ولا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية والانغماس بالحفلات الترفيهية في وقت الشدائد كما حدث مع رئيس الوزراء البريطاني الاسبق بوريس جونسون في فترة تفشي وباء الكورونا(COVID-19 ) الذي كذب على اعضاء البرلمان واخفى الحقائق ( Misled the MPs) وكان مهندس فضيحة البارتي غيت (Party gate ) وعندما انكشف امره اجبر على تقديم الاستقالة وحتى من تبعه بالمنصب لم تكن كفوءة وهي السيدة ليز ترس وهي زعيمة حزب المحافظين وهي من غير الملونين و لم تستمر بالمنصب الا ايام وقدمت استقالتها. وبعدها استقرت الامر بانتخاب مواطن من الاقليات العرقية لادارة البلاد وهو من اصول هندية (ريشي سوناك).
وقبلها ببعض سنوات انتخب البريطانيون صادق خان عمدة للندن( Mayor of London) وهو رجل مسلم و من الملونين ومن اقلية عرقية (Ethnic minority ) حيث ينحدر من اصول باكستانية.
بهذا نحن لانقول ان الكفاءة اصبحت تنحصر عند الاقليات العرقية ونقلل من شأن الاغلبية في الكفاءة ولكننا نقول ان الزمن اثبت ان الكفاءة لاتنعدم وموجودة في كلتا المجموعتين ولاتنحصر باحداهما دون الاخرى ولابد للمجتمعات البشرية ان تتجانس وتنصهر وتندمج حيث اصبح الاندماج (Integration )ضرورة من ضرورات الزمن.
كل هذا يقودنا في المقابل الى القول ان الكفاءة ليست حكرا على اصحاب البشرة البيضاء ولا غيرهم وانما الكفاءة تستمد من من الجهد المبذول والاصرار على الوصول الى الاهداف وتحقيقها ولاتقتصر على اصحاب لون ما او عرق ما . كما ان الكفاءة لاتقتصر في وجودها فقط عند الاغلبية ولكنها متوفرة عند الاقليات العرقية التي كان لابد لها من العمل الحثيث لاثبات وجودها وقدراتها وتفنيد المزاعم.
ما اردنا قوله بالاضافة الى ما تقدم اصبح السيد يأتمر بامرة من كان اجداده واباءه تحت امرته هكذا الدنيا دولاب يدور.