18 ديسمبر، 2024 11:02 م

الاسلام … ومسيرة الخطأ …في التطبيق ..؟

الاسلام … ومسيرة الخطأ …في التطبيق ..؟

علينا ان نعترف بشجاعة ان اسلامنا اليوم هو غير اسلام محمد (ص) الذي جاء به الينا قبل اكثر من 1400 سنة ..وقبله اسلام أبراهيم (ع) ..وانما هو اسلام فقهاء السلاطين .مع تراكمات الزمن والعصور اللاحقة…؟
من غار حراء أنطلقت دعوة الاسلام المحمدية بنزول الوحي على محمد بن عبدالله لتُبليغ رسالة السماء لعامة الناس بعد ان اصطفاه الله رسولا للعالمين….وما درى صاحب الدعوة انه بدأ بمشوارٍ أصعب من طبيعة الصحراء ، ومتاعب الحياة فيها لا يحتملها احد الا اهلها…أما مكة صاحبة مجلس الملأ وتجارة قريش وعبدة الاصنام والناس كانت اهون عليه فيما بعد .. ان ما قام به وما كتبه من عهد بينه وبين الاعراب في السنة الخامسة للهجرة في المدينة وسماه (بوثيقة المدينة) لم ينقذه منهم الا بعد مشقة الكلمة والسيف ..وثيقة قد ضيعها الأتباع..واخفاها الحكام فيما بعد…فهل جاءت الدعوة لتكوين مؤسسة دينية كما يدعي الفقهاء ام لتخليص الانسان من ظلم الحياة ومتاعبها..؟ لا زالت الدعوة لم تدرس بحيادية الرأي والقلم خوفاً من سلطة السيف..

نعم جاءه الوحي برسالة عصماء يطلب من حاملها تخليص الناس من تيارات الشرور والآثام والاعتداء على قوانين الحياة التي ورثتها منذ عهد آدم وحواء وما كان يرى من حوله من خطايا الزمان..جاء ليبلغ الناس بعد 23 نبيا ورسولاً من قبله بكلمات قصار هي (حق،وعدل ،وسلام) كما أرادها أبراهيم من قبله وبقية الانبياء ولم يحققوا غاياتهم..هذا الذي أفتقرت اليه البشرية منذ عقود من الزمان..يوم كانت السماء تتخاصم مع الارض من أجلها.. وبين الانسان وأخيه الانسان ..أنظر القصص القرآنية.

فالانقاذ جاء بوقته حينما احتاج الانسان ليزيح عن كاهله اشكاليات الزمان لتآلف القلوب المتناحرة بلا وعي ولا ايمان. رحبت الارض ورحب الانسان وحتى ملائكة السماء التي حملت رسالتها لتودعها لصاحبها بأمان ..جاءت الرسالة لتعطي للانسان حرية القول والمعتقد والمساواة ونور الحياة بعد ان تعثر الانسان طويلا في الظلم والظلام وعبودية الانسان.فهل جاءت الدعوة ليحتكر الانسان الانسان ،وليظلم الانسان الانسان ، وليقتل الانسان الانسان ..باسم الله ومحمد وآهل بيته وأصحابه المقربون ،أم ليكون الانسان حرا بعد رسالة الايمان .. رسالة لتبقيه في راحة الامان مع اخيه الانسان..رسالة حرمت الاقتتال والتفرقة بينهم ” ان الله لا يحب المعتدين”.. بثقة الأدلة التاريخية التي قدمت لهم سبل الطريق القويم والنتائج الأقرب الى الصدق.. ليريحهم من متاعب الخصام عبر الزمان ؟.

عمل صاحبها وكافح حتى اوصل رسالة السماء للمظلومين من البشر..فلاقى من قومه في مكة صانعة الاصنام ما اشقاه واكثر..ولم يكن له من حيلة الا الخروج منها او ملاقات قدرالزمان..حتى هجرها الى يثرب لعله يجد للرسالة هناك منفذاً للأمان..في رحلة شاقة تلاحقه عصائب الاصنام والاوثان..نجح في هجرته ليلاقي محبيه والمؤمنين به ولكن هل انتهت رحلة الشقاء والغثيان ؟ لا ابدا..هناك بدأت رحلة اصحاب أعتناق الأيمان حين اراد تطبيق نظريات الحق والعدل والسلام…آمن به من آمن وتنكر له من تنكر..قدم البراهين للمعارضين …وبين لهم ضرورة استبدال العصبية القبلية بالقانون ، والقبيلة بالمواطنة ،والظلم بالحق والعدل ..قواعد تشمل الغني والفقير، القريب والبعيد ، الابيض والاسود ،حتى جعل مؤذنه رجلاً من السود “بلال بن رباح” تطبيقاً لقول الحق :”هذه أمتكم أمةً واحدةً وانا ربكم فأعبدون ،الأنبياء 92 “.هذا هو منطق الحقيقة لا الوهم لكي يبن لهم ان كل ما يعتقد به يجب ان يطبق على الارض ليُعمل به في قادم الايام . فلم تكن الدعوة دينية بحتة كما يدعي فقهاء الاديان ..بل كانت مدنية حضارية ملتزمة بشروط القرآن..لكنها توقفت بعد موته وبعده توقفت عدالة الله والقانون..عند الانسان.

ورغم المصاعب التي واجهت دعوته انتصرعلى الظلم حين جاء منادياً ربه :” اللهم أشكوا اليك ضعف قوتي،وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا ارحم الراحمين ،أنت رب المستضعفين، وأنت ربي،الى من تكلني ، الى بعيد يتجهمني ،أم الى عدو ملكته أمري،ان لم يكن بك عليَ غضب فلا أبالي”..كلمات ظلت محفورة في ذاكرة التاريخ..
فجاءهُ الرد من السماء قائلاً :” ان ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين..فلا تطع المكذبين..ولاتطع كلَ حلافٍ مهين ..همازُمشاءُ بنميم..مناع للخير معتدٍ اثيم..القلم آية 10-12 “ليرد على الذين جاوزوا الحد في ظلم الناس معتدين.فهل يتعض من اظلم واعتدى دون قانون..من اصحاب السلطة البارحة … واليوم على المواطنين…؟.

عاد الى المدينة من الطائف بعد كفاحه المستميت من اجل الحق منتصرا ليكتب لهم كتابا لن يضلوا به من بعده..قائلا لهم فيه:” ايها الناس أعبدوا ربكم..ولا تشركوا به شيئاً.. أحكموا بالعدل بين الناس …لا تقتلوا احدا بغير حق..ولا تخونوا وطنا ابداً..ولا تأكلوا اموال الناس بالباطل ..ولا تنسوا مظلوما الا وأنصفتموه ..وأفشوا السلام بينكم..ولا تناموا وبينكم معوزٍ واحد..أوصيكم بتقوى الله ووصاياه .. فلا تنقضوها.. أنظر”السيرة النبوية لأبن اسحاق (ت150 للهجرة)..انها مكنكارتا المسلمين..التي كتبت قبل مكنكارتا الأوربيين بمئات السنين.

أن انتقال رسول الله(ص) الى الرفيق الأعلى في الثاني عشر من ربيع الاول سنة 11 للهجرة..بعد ان كاد يوحدَ شبه جزيرة العرب بين السيف والقناعة تحت راية العدالة …تاركا وصاياه ودينه لمن رافقه متاعب الدعوة والحياة من بعده..فهل تم الايفاء بالوصية ؟..وهل ترك لنا محمد بوصيته لماذا حارب الاعراب بالسيف ولم يكتفِ بقناعة المنطق ؟سؤال يجب ان يطرح للمناقشة للاجابة عليه من المؤرخين وفلاسفة الآديان لوضعه في منهج الدراسة ..بعد ان ظل مبهما ولا زال..؟
وأنا كمؤرخ ان أجبت بنعم ، فأنا اجافي الحقيقة ..وان قلت لا، فأنا أظلم نفسي..فماذا علينا ان نقول غير الحقيقة..

حقيقة الدعوة الاسلامية يجب ان ينظر اليها من بعدين هما: الأول هي المعايير التي يجب ان تحدد خط الارتقاءعلى المستوى الانساني المطلوب اي الخط الحضاري الذي سيساهم في التغيير.. والثاني هو البعد الزمني الذي يحدد مسار تفاعلات العلاقات على مستوى التطبيق..”لكم دينكم ولي دين” والمعيار المرجعي هو ما شرع به النص المقدس بعد ان أكمل الله الدين ..وأتم النعمة..بأختتام النبوة التي كانت بمثابة الأيذان بأن الانسانية قد بلغت سن الرشد…أي مرحلة تحمل الأعباء..فهل فعلاً صار الانسان حراً مختارا ..وضمن الرأي والحق والعدل بقانون ؟

بهذا الاعلان بدأ مسار جديد للأنسانية ..فهو يعني حقاً وصدقاً ..تولي المسئولية وعلينا نحن المؤرخون ان نكون شهداء على هذا النظام الجديد ..واول شرط الشاهد ان يكون حاضرا..نعم كانوا من رافقوه حضورا يوم الدعوة ويوم ان أكتملت ..فأين هم ..واين نحن اليوم من الحضور..؟ فأين المرافقين للدعوة واين نحن اليوم من قمة الكمال التي وصلت اليه في عهد الرسول..وقمة الكمال لا يأتي بعدها الا النقص حسب قانون قيام الحضارات وتدهورها، “أنظر دائرة المعارف العالمية”..وهم يقولون انها دعوة آلهية لكل زمان ومكان..اذن لما توقفت وأنحسرت في شيوخ الفقه المفسرين للكلمة والنص الذين لم يعودوا سوى شهداء تضليل..
فأين الخلل الذي اصابنا وتراجعنا وبقينا ندور في اماكننا دون تقدم..ودون الأمم ..لا بل بقينا في ضياع ما قبل الاسلام..بعد ان تقدمنا من المدينة نحو دمشق وبغداد والقاهرة وصنعاء وسميناها فتوح نشر الاسلام ..لكن الفاتحين لم يكونوا يحملون ما جاءت به وثيقة المدينة .. بل حملوا معهم ما آمنت به عرب قبل الاسلام..
من هنا بدأت حكاية الانحراف..

لذا لا يمكن للباحث ان يرسم خطا فاصلا بين الناحية الدينية وغيرها من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية،في المجتمعات التي نشأت وفق القاعدة الدينية.لخضوعها للجانب الديني البحت وتجميع كل السلطات بيد الخليفة دون معايير،لذا فأن اي تغيير في مجال السياسة ولا يتلائم والمنطق الديني السائد يُعد خروجا على الدولة،وبالتالي يعتبر صاحب السلطة السياسية منحرفاً عن الدين.فهو بنظر الاخرين المتمسكين بتلك العقيدة الدينية يستحق الوقوف بوجهه وعزله عن السلطة.. او الثورة عليه وازاحته من ساحة الحكم بالقوة والعنف..فهل تحقق هذا القانون ؟ لا أعتقد.. وهل كان الدين الاسلامي يرفض مشاركة رأي الأخرين في الحوار معه..؟ وهو الذي جاء بنظرية :”لكم دينكم ولي دين “.سؤال نطرحه للحوارايضاً ..كفاية تغليس..؟

ان سياسة الخلافة الاسلامية منذ البداية لم تلتزم بهذا الاتجاه والذي كان يجب الالتزام به بموجب شرعية الاختيار في الشورى ..”وامرهم شورى بينهم ، الشورى 38” وان تكون متمشية مع الظروف الزمانية لتلك الدولة. ولو ان رياح التغيير بدأت تهب على الخلافة الاسلامية منذ وقوع الردة في عهد الخليفة الاول (رض) لعدم اشراك القبائل التي دخلت الاسلام في الاختيار وقمعها بقوة السيف دون منطق القناعة ..والفتوح التي هيأ لها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) دون قانون..وحدوث الفتنة في عهد الخليفة الثالث(رض) …لاستغلال الولاة سلطة الخليفة لصالحهم ولظلمهم الرعية في ولا ياتهم ولعدم قدرة الخليفة على ادارة زمام الأمور وتمسكه بالسلطة..حين غابت عنه نظرية الامة التي أختارته ولها الحق في عزله ..لأنه لم يكن خليفة على نفسه بل على الامة..وكما نحن اليوم لا نعترف في حق الامة في الاختيار..لذا وقعنا في السقوط..كما نرى اليوم في سقوط أسوء حكومات شهدها العراق منذ التأسيس…فهل ستذهب دون عقاب..؟

وتكررت الاشكالية في عهد الخليفة الرابع الامام علي(ع) حينما قاتل الخوارج المطالبين بحرية الرأي في “نظرية الحاكمية “حَكم الدولة دون ان يدخل معهم في نظرية الحوار حسب رأي الشورى حتى قاتلهم وانتصر عليهم ..لكنه ندم على مقاتلتهم بأعترافه شخصيا حين قال :”أيها الناس لا تقاتلوا الخوارج فمن طلب الحق فأخطئه ليس كمن طلب الباطل فأدركه،نهج البلاغة ج1 ص144 طبعة دار الملايين.

وبأنتهاء عصر الخلفاء الراشدين المضطرب والذي جاء مخالفا لمبدأ الشورى ومجيء الامويين للسلطة بعد انتها خلافة الخليفة الرابع وتشتت حركة الاحتجاجات من أهل الرأي..تغيرت الصورة تماماً…بعد ان سكت الفقهاء عن الرأي ولم نسمع شيئا سوى عملية استطرادية بلا تنفيذ لذر الرماد في العيون..وخاصة بعد ان جعل الامويين الامر ملكا عضوضاًًوأهملوا التمسك بسياسة الشورى وأستبدلوا النص بالحديث الموضوع،لذا فنحن لا نستطيع الحكم على السياسة الدينية للدولة الاموية الا من خلال سياسة الدولة العامة،حيث اقتضى النظام الجديد الذي جاء به معاوية الاول (41-60 للهجرة) ان يكون الخليفة رجلا ذا مرونة لا يتقيد بالتقاليد السابقة تقيدا تاماً، بل يأخذ من تلك التقاليد ما يناسب عصره ويترك ما عداها ولو كان هذا مخالف لمبدأ الشورى..وهنا أخطأ معاوية حين استخدم السيف بدلا من الرأي والقلم..كما في حجر بن عدي واصحابه وبداية مسلسل القوة لا القانون.

وعلى الخط يدخل عامل التطور السياسي في حكم الدولة..وكان معاوية هو الرجل الذي يستطيع ان يمثل ذلك العصر لما آوتي به من ميكافيلية السياسة وترك الدين جانباً وغيرها من الصفات التي أهلته لحكم الدولة الجديدة بعد أطلاعه على حضارة الرومان القريبين منه في الشمال…ومكنته من نقل الدولة من نظام الخلافة الذي يعتمد على البيعة “الانتخاب الشكلي” ويستند الى الدين ،الى نظام الدولة الذي يقوم على اساس التوريث ويستند الى الرأي والدين في آن واحد.لقد أخطأ معاوية ثانية حين لم يعمل على فصل الدين عن السياسة – والفرصة كانت مواتية لديه – لعدم ادراكه صيرورة الزمن في التغيير،ولو فعلها لاستحق بجدارة قيادة التاريخ..ونقل العرب الى حضارة التاريخ.وبذلك لاصبحت الخلافة الاموية اقرب الى السياسة منها الى الدين.ولكانت نقلة نوعية لسلطة الدولة التي اسست على الشرعية الدينية المبهمة دون دستورمطبق . لذا ظلت الشرعية الدينية رمادية التطبيق منذ وفاة الرسول(ص) وحتى مجيء الامويين ومن بعدهم العباسيين والى اليوم .

من هنا بدأ الافتراق واصبحت تصرفات الخليفة الاموي مجافية للشرع بنظر الاخرين ،مما جعل العامة تنفرعنها،لتطبيقها سياسة جديدة كالعصبية القبلية مقابل ارضاء العامة بالجهاد المزيف ونشر الاسلام،ولقد حاول الخليفة عمر بن عبد العزيز العودة لسياسة حق الاختيار للامة.. دون جدوى..

ان اول مظهر من مظاهر التزييف في حكم الدولة هي ما سمي ببيعة عام الجماعة ،”عام 41 للهجرة” واخذ البيعة من الناس وان كانوا كارهين لها ،وجر ذلك الخرق الى التوريث و استحداثه كنظام كان حديث عهد بالدولة الاموية ابتدعته ولم تحسب له حساب الزمن والتشريع الذي لازال هو الاخر حديث عهد عند الناس، فحتى تبرهن على نجاحه لابد من توفر المبررات الشرعية والقانونية له،فسلطة القوة لم تكن هي الوحيدة النافعة في التطبيق منذ عهد الاغريق والفراعنة والساسانيين ،لذا لابد من استخدام الحديث بجانب النص الديني لاقناع العامة بما تريد تطبيقة في وقت كان النص الديني يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي بعد ان استطاع المسلمون ان ينشئوا لهم نظاما سياسيا واخلاقيا خاصا بهم يصعب اختراقه بالقوة.

ان الدولتين الاموية والعباسية واجهتا مشكلة لا يعرف لها حلا ،ولم تواجهها دولة ملكية من قبل ،وهي حاجتها الى التعايش مع دستور شرعي لا يعترف بشرعيتها. والخليفة الاموي والعباسي يريد ان يحكم بموجب وراثة االعرش ،والقرآن يرفض التوريث بموجب اية الشورى( وشاورهم في الامر) وهي آية حدية ومبدأ قرآني سياسي لا يمكن تجاهله او الالتفاف عليه فهي ملزمة لزوم بقية الاركان لا يجوز تجاوزها ابدا .والخليفة الاموي يريد حصر الثروة بيده والقرأن يقف موقف المعارض من حصر الثروة دون اشراك الناس بتوزيعها حين يسمي الميزانية للدولة بمال الله(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم،التوبة 34) .والخليفة يستند الى فتاوى الفقهاء ورجال الدين ،والقرآن لايعترف برجال الدين ولا يخولهم حق الفتوى نيابة عن الناس.والخليفة يصفي خصومه السيا              سيين والقرأن يرفض قتل النفس الانسانية بغير فساد في الارض(من قتل نفساً بغير نفسٍ او فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً،المائدة 32).وهكذا فكل الانظمة فشلت تباعاً لعدم اعترافها بحقوق الناس في التطبيق..والتي جاءت الدعوة المحمدية من اجلها لا غير.
.
لقد فشلت الدولتين الاموية والعباسية حين اهملتا العلاقة الجدلية بين الانسان والبناء الحضاري ولم تدرك ان قمة الكمال الحضاري في الاسلام جاء متكاملا بنصوص الشريعة التي هي بحاجة الى تأويل زمني متحرك بين النص والمحتوى وليس نصا ثابتاً كما يدعيه فقهاء الدين ..هنا أخطأت الدولة كما أخطأت الخلافة الراشدة من قبل ..حين استخدمت النص الديني أداة للسياسة بأضفاء القداسة عن طريق القراءة الحرفية وأنتقائية للكلام المنزل – كما تراه المرجعيات الدينية اليوم حين وضعت سورا فولاذيا على من يدخل في مناقشتها كما ادخلت على نقلة الحديث النبوي الوهميين من امثال مسلم والبخاري والمجلسي في بحار الانوار المزيف .. وحين جابهت اشكالية التطور ابتدع الفقهاء فكرة التفسير بوجب نظرية الترادف اللغوي الخاطئة في وقت لم تستكمل اللغة العربية تجريداتها بعد ..دون التأويل لمحتوى النص لاخفاء الفشل في تحقيق الرسالة قصداً..فتحول اسلام محمد الى اسلام فقهاء ..لا يعترف بالشورى وحقوق الناس المتساوية..في التحقيق..

وعلى اي حال لم يكن امام الخليفة الاموي والعباسي في ظروف هذا التناقض الشامل الا مصادرة القرآن واستبداله بنص شرعي جديد سماه الحديث والرسول يقول : (لا تكتبوا عني غير القرآن،انظر حديث مسلم في الرقائق (رقم5326 )خوفا من الاختراق الذي حصل فعلا لصالح الخلافة وليس لصالح الدين والدولة .وكل خطأ يُولد خطئاً اخر .فحين لم تفد الامويين تسويات اهل التسوية والعدل وارادوا تطبيقهما بالقوة ،ظهرت الشعوبية حين رفعت الدولة شعار التفريق بين العرب والموالي والمناوئة بقوة لها- وهي محقة-،فظهرت الخلافة الاموية متهمة بالعصبية المرفوضة بقول الحق(يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل ان اكرمك عن الله اتقاكم ،الحجرات 13) اي اقربكم للتقوى وليس للعصبية ،وبين الذهب والسيف فتح المجال لمجتمع الاهواء الفردية ،وظلت الحلقات الخاطئة والابتكارات المرفوضة شرعا الواحدة تنسحب على الاخرى .. بالاتجاه المضاد حتى تقطعت اوصالها فنهارت كل الحلقات وتبعتها انهيار كل التفلصيل للشريعة والتزاماتها الدينية فدخل الاسلام في منعطف خطير حين اصبح الاسلام يعيش في لغة الناس وليس في واقعهم. .كما هو اليوم..فأي دين هذا الذي يريدون منه ان ينُشأ دولة..؟

واستمر الحال في عهد العباسيين (132 للهجرة)الذين رفعوا شعار الدعوة لأهل البيت..لكن بعد الانتصار وتكوين الدولة العباسية لم يضع احدا منهم تشريعا للخلافة مطابقا لما كانوا يدعون.. بل كان الاجماع على آل علي والعباس معا..ثم استبعد آل علي ليبقى الحكم لآل العباس وحدهم دون منازع…والحقيقة ان الامام جعفر الصادق (ع) رفض الخلافة منذ البداية حين قال:”نحن اهل البيت جئنا لمراقبة حقوق الناس وليس لحكمهم ،”انظر مروج الذهب للمسعودي ج2 ص166 “وما بعدها فالمشكلة كانت عدم وجود دستور وحق الامة في الانتخاب..حتى اصبحت المسألة مسألة عنف وقوة وغدر وغش،وهذا هو ما ينبغي ان نذكره دائماً..حتى لا نصيب الاسلام بأذى ونلحق به شرور الناس..لفقدان نظرية الدولة المدنية من الاساس..
جرت محاولات مستميتة منذعصر المنصور (ت158 للهجرة) ومرورا بهارون الرشيد لتحقيق الشرعية الدينية للدولة لكنها فشلت.فستُأثربالفيء،واختيار الولاة على الهوى،وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة من جنس جحد الاحكام المنصوصة والشرائع المشهورة والسنن المنصوبة..وبذلك تم تحديد الفكر وتحريمه على الناس …وما دروا انه لا يأتي بخير لهم أبداً..فلا يمكن لأمة ان تتقدم وفكرها محجوز.. كما نرى اليوم عند جهلاء السياسة..في عراق المظاليم.
ونتيجة للذي حدث في امر الحكم والمال استمرت القوة مع الافتراقات وحين اصبح النقص يعلو على القوة ظهرت بوادر التدهور الذي ساق الى السقوط .
نستطيع ان نقول وبثقة.. ان الدولة الاموية تتحمل وزر تفتيت الشريعة لكن هذا التفتيت قد ولد قبل الامويين حين ظهرت الردة والفتوح والفتنة والخلاف الاموي العلوي الذي انتهى بصفين ، ونتج عنه ما يعرف تاريخيا بظهور حركة الخوارج وتصفيتها بالسيف خطئاً..
لقد ظل هذا الاسم تتداوله الالسن على انه هم الاساس في تخريب السياسة الدينية الاسلامية ..ولم ينتبهوا لامر هام هو اول ما كان يجب على الخلافة منذ البداية النظر في وضع قواعد سياسية لادارة الدولة وهي:
أن الأمة هي التي يجب ان تختار الخليفة..وهي التي من واجبها ان تعزله اذا لم ترضى عنه او يسيء استخدام صلاحية السلطة..وألغاء البيعة الشكلية..التي لازالت قائمة اليوم في بعض دولهم المسخ.
هي التي تحدد مدة خلافته بمدة معينة ومحددة ،ثم يعود الأمر للأمة فأما تجديد الانتخاب اوتختار خليفة ً جديداً.
تحديد سلطة الخليفة في حكمه وكيفية التشريع وتطبيق القوانين والعقوبات الخاصة في التقصيراثناء مدة حكمه تحت رقيب وحسيب …وهذا لم يتحقق عبر الزمن.
كيفية الرقابة على اموال الدولة ومنع التصرف الكيفي بها لانها هي اموال العامة وليست ملكه في التحقيق..انظروا ماذا عملت دولة القانون اليوم بالعراقيين..
كيفية اختيار موظفي الدولة والكفاءة لكل وظيفة ووضع الرقابة والمحاسبة على من يخرج على القوانين.
قوانين السلطة العامة لتحقيق العدالة بين الناس دون تفريق.
هذه كلها امور عرضت منذعهد الرسول (ص) ونوقشت واخذت فيها قرارات،انظر السيرة لابن اسحاق (ت150 للهجرة)..لكنها ظلت دون تطبيق.
هنا كان الخلل في الدولة الاسلامية الذي سارت عليه واصبح خطئأ تقليديا وبمرور الزمن تحول الخطأ الى تقليد …وخاصة بعد ظهور الفِرق المذهبية وغياب النص القرآني واأستبداله بالحديث النبوي وتشتت العامة بين المذهبية الطارئة على الاسلام منذ القرن الثاني للهجرة والتي ادت الى ضعف الدولة واماتت القانون والعدالة الاجتماعية فيها مما سبب توقفها الحضاري الذي ظل يلازمها الى اليوم..نعم اراد الرسول(ص) تحقيق كرامة الانسان التي كانت بنظره أعظم من الكون كله..هذه هي فلسفة الدعوة وليست فلسفة مؤسسة الدين اليوم..التي ساهمت بشرعنة لاحتلال..
نحن لم نفقد الأمل في وجود من يستطيع تصحيح ما يحتاج الى تصحيح.. وتصفية ما يحتاج الى تصفية مما شابه من عدم الدقة، ومن سوق الاخبار وتفسير النص على عواهنه مما أساء الى الاسلام وأهله وتحولت العقيدة الى سياسة استغلت فيها كرامة الانسان..وهنا كان الفشل الذريع..فعلى القارىء والدارس ان يحترم شجاعة من يقول الحقيقة او حتى بعضها..فكلمة الحق هي الانسان..فأن صوتاً واحدا شجاعاً أكثرية..والاسلام المحمدي الصحيح هو ذلك الصوت بلا منازع..لولا انحراف الوارثين.