الفاعل الاجتماعي وقدرته على صناعة مشروعه التاريخي…في ضوء افكار برودون
ان القدرة على صناعة المشروع التاريخي –الاجتماعي هي قدرة انسانية عالية الذكاء والطموح والاستطاعة على تقديم الغالي والنفيس في سبيل صناعة هكذا مشروع سيكتب عنه التاريخ ويخلده ويكون له انعكاسات الحاضر وقدراته المستقبلية ، فمشروع الدولة ليس باستطاعته ان يكون هذا الفاعل الاجتماعي التاريخي ، ففي مشروع الدولة لدينا تظل الدولة قابعة ضمن انظمتها وغير طامحة للتغييرات العظيمة الاجتماعية والتي بالنتيجة ستقف بالضد من طموحاتها وتوسعاتها على حساب الفاعل الاجتماعي التاريخي .
وانطلاقا من مقولة برودون” ان في وسع الطبقة الاجتماعية ان تصنع من نفسها فاعلا لمشروع تاريخي ، وكيف كان وسعها ايضا ان تقف ضد نظام لهدمه” ودليلنا على صحة مقولة برودون من التاريخ ما فعله المهمشون المستغلون بفتح الغين من قدرتهم عبر التاريخ على ان يكونوا فاعل اجتماعي لمشروع تاريخي مثلا القرامطة استطاعوا كطبقة اجتماعية مهمشة ان يكونوا هذا الفاعل وان يصنعوا نظام اشتراكي جنيني وكانت لهم وقفة ضد نظام الدولة انذاك وهدمه في الكثير من الوماقع الجغرافية وانشاء دولة اخرى البحرين انموذجا والدولة الصليحية في اليمن انموذجا اخر ، فالطبقة الاجتماعية الفاعلة لا تعتمد على الدولة وكياناتها على صنع مشروعها التاريخي ، والدليل في ثورة تشرين العراقية /2019 قام المهمشون من ابناء مدن الاطراف مع تحالفات المهمشون من المركز باقامة ثورتهم الطامحة للتغيير وفق مشروع تاريخي يتبنى العدالة الاجتماعية والمساواة وفق مفهوم المواطنة فالمجتمع حسب برودون ايضا لم يكن يستمد لا وحدته ولا ديناميكيته من السلطة الحكومية ، فعلى العكس تماما تحاول الحكومتا سيما المستبدة منها ان تفرق وحدة المجتمع وتقسمه وفق كانتونات ومفاهيم طائفية وحزبية وقومية وعرقية وغيرها لكي يتحقق لها السيادة فبرأينا ان الاسس الحقيقية لمجتمع ما وشروط وحدته لا يقع مكانها في الدولة وانما بالتاكيد في التنظيم الاجتماتعي /الاقتصادي. والدولة هنا كما اوضحنا “بعيدة عن ان تكون مصدر الوحدة وسبب التغيير” ، بل على العكس الدولة تريد استدامة موارد احزابها وفئاتها فتعمل على انشاء لانظام اقتصادي في ظل النظام الاقتصادي كما يتضح للناس الا انه في حقيقته هو لا نظام ، كمثال على ذلك نرى ان الدولة العراقية شرعت رواتب لاحزابها وفئاتها تفوق الخيال ومنح مالية ووزعت عليهم الاراضي والمكافئات وغيرها من الامتيازات وفق قوانين شرعت لذلك مع وجود فقر مدقع وجهل وفوضى في الانظمة وفساد اداري ومالي كبير فشرعت الفوضى تشريعا ووضعت قوانين لشرعنتها وهذه هي نقطة الضعف في الدولة العراقية اليوم فالحكومات حسب برودون “ستكرر النموذج الاستبدادي عندما تنظم العلاقات الاقتصادية على قواعد اللامساواة والمراتبية ، وسترمز الى علاقات التبعية ” ونضيف طبعا لتكريس الاستبداد مالم يضفه برودون وهو عدم وجود الشفافية ، ووجود المحسوبية وبالتالي سترتفع اشارات النموذج الاستبدادي مع وجود نظام ديمقراطي هش كما هو الواضح اليوم . وهكذا فقد شرعنت الحكومة العراقية لنفسها علاقات اقتصادية قائمة على قواعد اللامساواة مما دفع الشباب العراقي للخروج الى الساحات يوم 1/اكتوبر / 2019 للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والوقوف بالضد من العلاقات الاقتصادية المشرعغنة وفق المراتبية والتي تخص فئات واحزاب طائفية ووزارات والخ. من مراتبيات في الدولة العراقية ما بعد 2003م. ونضيف الى ما قاله برودون بخصوص المراتبية وعدم المساواة ، المحسوبية والتي شرعنت للفساد الاداري والمالي وعدم وجود الشفافية فالحكومكات تصرف دون اطلاع الشعب على هذه الصرفيات ودون اطلاعه على مكامن اموال الضرائب وطرق صرفها مع ارتفاع الجبايات من الوماطن في السنوات الاخيرة .
، من هنا يشير برودون الى انه ” من العبث ان نامل في ان يتمكن اصلاح سياسي من احداث الثورة الاجتماعية ،فلا يسع شكل مصغر الى هذا الحد ان يعدل من التناقضات العميقة للمجتمع، ويخطورة اكبر يمكن التوجس من ان يكون لتوطيد السلطات التابعة للدولة ، في مجتمع مبني على العداءات الاجتماعية ،عاقبة توطيد التسلسل المراتبي والعلاقات الاستبدادية ، وان يمضي هكذا مخالفا لثورة اجتماعية حقيقية”
فالاصلاح السياسي الذي حاولت ان تتبناه الحكومة المستقيلة الاخيرة ما كان ناجحا بتاتا باحداث ثورة اجتماعية حقيقية تعطي للعدالة الاجتماعية مكنتها في المجتمع ، فكيف يكون ما تقدمت به من خطوات اصلاح مع وجود التناقضات العميقة للمجتمع ، مبين طبقات مستفيدة كل الاستفادة من حالة اللادولة ومن طبقات اجتماعية مسحوقة بالكامل كانت مادة الثورة ووقودها ، فالدول تحاول الاصلاح مع وجود تكريس وتوطيد للعداءات الاجتماعية المبنية وفق اسس طائفية كرست لها طوال اعوام واسس مناطقية واسس عشائرية واخرى عرقية مع توطيد تسلسل مراتبي في الدولة العراقية مبني وق اسس عدم الكفاءة والمحسوبية والمنسوبية وعدم الشفافية في اتخذا القرارات وعلاقات استبدادية ، فكيف يمضي الاصلاح في ظل مخالفة واضحة لرغبة في احداث ثورة اجتماعية حقيقية .
من هنا برز ثوار تشرين مطالبين بهذه الثورة الاجتماعية الحقيقية وفق اسس العدالة الاجتماعية والمساواة ورفض التبعية وغيرها من شعارات لافتة في حقيقتها الانسانية .
معاني الاستلاب …..
استكمالا لما مر في اعلاه
ان في صميم كل تجمع تتشكل قوى تلقائية لا تدين بشيء للسلطة ، وتكون مرادفة للقدرة الجماعية ، ولكن ثمة قدرة جماعية ترتدي سمة السلطة تظهر بخاصة عندما تلتقي جماعات مختلفة عديدة ، وعندما يتهيأ تنظيم معقد بين تجمعات متنوعة ، وكلما نمت هذه العلاقات نمت كذلك قدرة الجماعة وبعبارة اخرى حسب برودون “السلطة الاجتماعية” وهي السلطة الحقيقية والموضوعية /الفاعلة ، التي تكون وحدة ولو انها تنبعث عن كثرة الجماعات والفعاليات.
ان الخاصية الجوهرية لهذه السلطة الاجتماعية هي بالتاكيد بمثوليتها في مجموع الشعب ، كالتالي:
ليس لها من اساس الا هذه القوة الجماعية التي نعلم بان وحدتها وحقيقتها الواقعة تتشكلان تلقائيا من تضافر الجهود.
لا تكون السلطة الاجتماعية مفرقة مطلقا عن مجموع الشعب ، انها هذا المجموع نفسه بمقدار ما ينتظم ويوحد فعالياته المتنوعة فكل “جماعة طبيعية” كل تجمع تلقائي يحمل في ذاته سلطة اجتماعية موحدة تكون الاساس للسلطة السياسية .
والسؤال: كيف تمكنت سلطة كانت متاصلة من ان تتخذ صفة قوة مفارقة ، بعبارة اخرى : كيف تمكنت السلطة اية سلطة لم يكن في وسعها ان يكون لها من غرض الا زيادة القدرة الجماعية ، من ان تنقلب ضد المجتمع الذي كانت تنشأ فيه؟
الاستلاب للقوة الجماعية هو السبب بعد تركز السلطة بيد فئة حاكمة مستبدة مقابل فئات محكومة مغلوبة ، حتى تكف السلطة عن ان تكون سلطة عموم المواطنين فهي تميل الى ان تصير ملكية السلالة الحاكمة ، لفرد اوطائفة ، تميل الى ان تنقلب ضد اولئك انفسهم الذين صدرت عنهم هذه السلطة ، مثل انقلاب المنصور العباسي على ابي مسلم الخراساني وجماعته والذي كان سببا رئيسيا في توطيسد سلطة العباسيين.
والسلطة في العراق بعد ان اخذت شرعيتها ومشروعيتها من الشعب عبر الانتخابات التي تكونت وفق رؤى طائفية ، الشيعة انتخبوا الشيعة والسنة قاموا بنفس الفلع والمسيحيون وعرقية فالكورد انتخبوا الكرد والعرب قاموا بذلك ،فبدلا من زيادة القدرة الجماعية من قبل السلطات الحاكمة انقلبت هذه السلطات وباتت تمارس فسادا اداريا وماليا وتنشئ ميليشيات مسلحة لمقاومة اي تغيير يطلب منها، فبدأ ما اسماه (برودون) الاستلاب للقوة الجماعية ومحاولة اضعافها بعد ان تركزت هذه السلطة بيد احزاب معينة وفئات طائفية متكونة من تحالفات سياسية / دينية بعبارة اخرى (تحالفات ثيوقراطية) فانقلبت هذه الاحزاب على جمهور ناخبيها عندما شعرت بتهديد منهم متمثلا بمطالبتهم بالاصلاح ، بل استخدمت قواها المسلحة لتوجيه اسلحتها لجمهور ناخبيها ، فقتلت من قتلت وجرحت ومارست اشد اساليب التنكيل بجمهورها لاضعافهم اكثر وادخالهم بما اسماه برودون (الاستلاب للقوة الجماعية) فانقلبت السلطة ضد من صدرت منهم السلطة عبر الانتخابات .
وهنا نلتمس قول بوردون ايضا عندما يكون (امير او جماعة اجتماعية قد اصبحوا اسياد القدرة الجماعية ،فانهم يسعون الى الانتفاع منها لتوطيد سيطرتهم ،فبدلا من ان يواصلوا توسيع القدرة الجماعية يبذلون جهدهم في انشاء قوة قادرة على مقاومة التهديدات الداخلية المحاطون بها، وعلى ان تفرض على الامة الطاعة التي يحتاجون اليها ،عندئذ يظهر اتجاه جديد للسلطة (قوة اميرية) تنشؤها هدفها هدفها ولو انها متغذية من انحراف القوة الجماعية ، الكفاح ضد التلقائية الاجتماعية )
وهكذا يؤسس الاحزاب ومافيات السلطة لميليشيات او ما يسميه بوردون (قوة اميرية) ميليشياوية تعمل على توطيد نفوذ الجماعات بمواصلة توسيع قدراتهم ليقاوموا اية تهديدات داخلية قد يحاطون بها، وهكذا كانت ثورة تشرين العراقية / 2019 اكبر تهديد للجماعات الحزبية والفئوية والطائفية في العراق، كانت هذه الثورة تهدد نفوذهم ، سيطرتهم واحزابهم وقواهم المسلحة مما جعل هذه القوى الاميرية يجن جنونها ، وتحاول ان تقضي على ثورة الشباب باية طريق كانت فاستخدمت كل الاساليب من قتل وتهديد وخطف واشاعات مغرضة وغيرها كثير .
وهي اي هذه القوى تتغذى من انحراف القوة الجماعية ،فلذلك ينتمي لهؤلاء اي منحرف قادر على ان يقوم بالاعمال السابقة وهدفهم جميعا هو الكفاح ضد التلقائية الاجتماعية التي ولدت الثورة التشرينية ثورة الجياع/المهمشون/المستغلين ضد المستغلين (بكسر الغين للاخيرة)
يقول بودرون (ان الدولة وراس المال يتشكلان من استلابي متوازيين يمكن اقامة علاقة ترادف بين الواحد والاخر ، ولكن يجب ان نرى كذلك في الاستلاب الاقتصادي اصلا للاستلاب السياسي ، وهذا لا يعني انه سببه تماما وانما لانه يحتوي في ذاته على علاقة اجتماعية من السيطرة والاستغلال ،فالذي يحصل على سلطة كاملة يحصل كذلك على سلطة مطلقة على حاشيته وعند الاقتضاء ضد المجتمع وهكذا يقع الاستبداد) وهكذا فمن يتحكمون اليوم بالسلطة بالعراق يظنون انهم بهذه السيطرة والاستغلال الوحشيين انهم يؤسسون لدولة مؤسسات ديمقراطية حقيقية الا انهم في الحقيقة شكلوا استلابين متوازيين من الاستلاب الاقتصادي الى خط من الاستلاب السياسي في السيطرة والاستغلال الى ابعد الحدود وهكذا حولوا النظام الديمقراطي في العراق الى نظام مستلب في ظاهره الديمقراطية وفي حقيقته الدكتاتورية وبابشع صورها والتي تتضمن قتل الناس وخطفهم وكتم انفاسهم والتضييق على حرياتهم وسجنهم لاتفه الاسباب وتغييب الاصوات الحرة وغيرها من الامور التي يندى لها الجبين. والتي تبين تجيير الدولة برمتها الى مصالح فئات واحزاب وميليشيات ،
والاستلابان المذكوران السياسي والاقتصادي يؤسسان لبعضهما في علاقة متكاملة وليس كما اشار بودرون الى ان الاقتصادي يؤسس للسياسي هذا صحيح في الدولة الملكية التي يتحدث عنها ولكن في دولتنا المهجنة فان الاستلاب السياسي وفق اسس طائفية اسس اولا للاستلاب الاقتصادي فوطد الاستلاب الاقتصادي من قدرة الاستلاب السياسي على الاستمرار وكون نظاما متحكما مستغلا ومستغفلا للناس
يشير بودرون في معرض حديثه عن النظام الملكي قائلا” لم يفعل تطور نظام الملكية وتطور تناقضاته الا ان يوطد تلك اللامساواة الاجتماعية المناسبة لتوطيد السلطة الاستبدادية ” والنظام الديمقراطي في العراق ما بعد 2003 طور تناقضاته ووطد اللامساواة الاجتماعية وبالتالي وطد السلطة الاستبدادية وهنا مكمن الالم. فبدلا من ان يكوّن نظاما من العدالة الاجتماعية ، الا انه كون نظاما من اللامساواة وكان انموذجا للدولة الملكية التي وصفها بودرون.