22 ديسمبر، 2024 7:03 م

تميز العراق عبر حقب التاريخ،بتعدد العناصر البشرية التي سكنته،وبتنوعه العرقي والديني،فقد استوطن على أرضه العرب والكرد والتركمان والفرس واليهود والصابئة،والمسيحيون والمسلمون والايزيديون،فضلا عن مجموعات دينية وعرقية أخرى.

خضع خلالها تحت سلطة دول متعددة ابتداءاً من الدولة الأموية بعد الخلافة الراشدة،إلى الدولة العباسية حتى نهاية الامبراطورية العثمانية.

بعد تفكك نظام (الملل)،الذي كانت تنتهجه الدولة العثمانية،فبركت هويات جديدة،ومشاريع دولة على امتداد المنطقة.

فبرز الإطار الجامع المغلف بفكرة “القومية “،الذي يعد هندسة فوقية للأمة،وبالتالي (خلقها من أعلى)،بحيث اهمل اصوات جماعات أثنية كثيرة ،فاستبعدت عن تشكيل هوية جامعة للأمة،ولتجد تقاليدها وثقافاتها محظورة او منسية في أحسن الأحوال.

يؤشر ذلك الا ان الفلسفة القومية،هي “فلسفة استيعابية بالإكراه”،فقد كانت آلياتها تؤشر ذلك ،فالتعليم فيها عبارة عن هوية أحادية طردت الآخر الداخلي من معادلة تخيل الامة،وبذلك خلقت فجوة معرفية بمكونات المجتمع، لتفشل بإنتاج هوية تعددية من أسفل .

“ذيل السني …وخيانة جبرائيل”!

هذا البناء الفوقي المتجاهل للأخر،عتم المشهد على حقيقة وهوية المكونات التي تشترك بالعيش بالوطن الواحد،وبالتالي شكل صور خرافية عن أعضاء جسده،فأمسى “المضيف” ،وهو بؤرة ثقافية آنذاك،يصغي بشغف الى حديث احدهم:( محفوظ شفتلي “سنيني” وهي جمع لمفردة “سني ” وتعني احد افراد المكون العربي السني ،يمشي “وذويله” بيه مترين!!،يعني عنده ذيل بطول مترين،واحد الحاضرين كان سني مستغرباً الرواية وشاهد على دحضها، وهو احد عمال الشركة التي نصبت خطوط النقل الكهربائية بمحافظات الجنوب ،والحادثة واقعية.

بالمقابل كان هرم السلطة المقبور”صدام حسين”، يروي من القناة الرسمية لنظامه آنذاك،وأنا استمع وأشاهد: ان الشيعة عند نهاية صلاتهم يضربون،بأيديهم على أرجلهم ويقولون ثلاثاً 🙁 خان الأمين … خان الأمين …خان الأمين)!!!،وأنا شاهد على أهلي أنهم وانأ نقول بنهاية صلاتنا ثلاثا (الله اكبر …الله اكبر…الله اكبر).

خطاب مثل هذا من ولي الأمر،او السلطان،بالفقه السني يعد “سنه”،وجوب طاعتها،بل والجهاد في تدمير الآخر وسحقه،فمن يُخون الأمين جبرائيل،بحجب الخلافة عن علي ابن ابي طالب ويعطيها لـ محمد ،يكون جزاءه القتل والسجن والتشريد.

جواب الطالباني

بعد تغيير النظام عام (2003 ) أسعدني رداً لرئيس الجمهورية المرحوم (مام جلال)،على سؤال لأحد الصحفيين، عن تبعية شيعة العراق لإيران، فأجاب رحمه الله (الشيعة بالعراق لا يتبعون شيعة إيران،بدليل أن شيعة العراق عندما يزورون الامام الثامن عندهم علي بن موسى الرضا يقولون في زيارته : السلام عليك يا غريب الغرباء).

يبدو ان ثقافة الطالباني العالية واحتكاكه بالمكون الآخر في وطنه وعدم التقاطع،جعله يعرف حتى تسلسل الأمام الرضا (الذي اجزم ان الكثير من الشيعة لا تعرفه، ولا تعرف أن اقرب المذاهب السنية إلى الشيعة هم يقطنون العراق، ويحبون أئمة أهل البيت بشكل كبير، حتى أن الولادات الأولى لجميع دوابهم تنذر للأمام العباس بن علي،وحصاد بساتينهم بسنتها الأولى توزع بثواب علي ابن أبي طالب )،كما ان الغالبية العظمى من المكون السني ،لا تعرف ان الفلسفة الشيعية على مدار مسيرتها خلال “1400 ” عام هي “فلسفة دفاع”،وليس هجوم محورها انتظار المخلص والمنقذ الذي على يده تملا الدنيا عدل وقسطا، وهي لا تسعى الى السيطرة على السلطة ولا تزاحم السلطان على سلطته مادام يضمن ممارسة حريتهم في آرائهم و طقوسهم وعباداتهم ،وهم مواطنون مخلصون لأوطانهم يتعايشون مع الآخر بمحبة ، وأية حكومة شيعية تقوم قبل هذا،فهي تفتقد إلى الشرعية،ومرجعية النجف تمثل الوريث لتلك الفلسفة، التي تمثل المرجعية الدينية العليا للشيعة بالعالم.

الفشل!

الفشل الذر يع للقوى الإسلامية الشيعية التي أدارة المشهد ،بعد إزالة الدكتاتورية ،يبدو انه كان عبارة عن استدراج لـ ” فخ”،نصبته القوى التي تقف خلف مقود الأحداث،لإثبات الفشل الشيعي في الحكم (والذي ساهم به كثيراً حزب السلطة )،تُهيئ الآن لسيناريو” ارتداد ” ،أبطاله عسكريون، وفصوله أحكام عرفية وحكومات طوارئ.

هذا المشهد الكارثي التي بدت ملامحه تتضح من خلال شحن الرأي العام عبر “سُحب الدخان” (حادثة مدينة الصدر ـ حرق صناديق الاقتراع)، من الممكن أبعاد شبحه عن العراق في حال،تواضع الساسة واستمعوا إلى العلماء،عدا ذلك فأن مشهد الارتداد واقع ،لا محالة،ولن تتصوروا حجم الدمار، لأننا لم نفهم الآخر أننا نشهد ان محمد رسول الله،ولا ننهي صلاتنا بتخوين جبرائيل، وعليك أن تحكم عقلك،فالسلطان ليس آله تطيعه بكل شي.