16 سبتمبر، 2024 9:50 م
Search
Close this search box.

الاحتلال ذكرى منسية!!

الاحتلال ذكرى منسية!!

مرت الذكرى الثانية عشرة لاحتلال العراق بلا ضجيج اعلامي أو سياسي وكأنها قضية هامشية لا تستحق المتابعة أو التحليل، رغم ما ألحقته الفاجعة من تخريب ممنهج لسيادة العراق و نسيجه الاجتماعي و دولته المدنية، مرت الذكرى على استحياء رغم ما يُنشر عنها من تحليلات و استنتاجات تتفق على كونها المرحلة الأكثر ضررا في تاريخ العراق، لأن الاحتلالين العثماني و البريطاني حافظا على مؤسسة الحكم المدنية بينما عنجهية أمريكا استباحت كل شيء في معالمها لتبدأ من الصفر في اشاعة فوضى الحكم و الفساد ودولة الولاءات المتعددة.

الأمريكيون يتحدثون عن فشل تجربتهم في العراق بل يعدونها سببا لظهور تنظيم داعش، حسبما يقول الرئيس أوباما، و الأوربيون يحملونها مسؤولية في تنامي التطرف في بلدانهم و العرب يعترفون بخطأ حساباتهم عندما ركبوا موجة الاحتلال ليكتشفوا أن أمنهم القومي أصبح ماركة مسجلة ايرانية، بينما السياسيون في العراق يحتفلون بها كمناسبة وطنية، وهم لا يجافون حقيقة مصالحهم الشخصية و الحزبية في ذلك لأنه لولا الاحتلال لما أثرى غالبيتهم المطلقة على حساب آنين الفقراء و المحرومين ولما تسيدوا المشهد السياسي و الاقتصادي و العسكري و الديني في وقت واحد، في أخطر مفارقة حكم يعيشها العراق.

واذا نحن اتفقنا على حق السياسيين في تمجيد المناسبة.. ألم يكن مطلوبا تقييم نتائجها السلبية و ارتداداتها على اللحمة الوطنية و سيادة البلاد و العباد؟ وهل من المعقول تحويل الفشل الى نجاح و تقزيم هيبة الوطن بمضاربات الطائفية و العرقية و النظرة الضيقة لمظلوميات مفتعلة؟ ولماذا تسكت المرجعيات الدينية عن قول الحقيقة بعد ان دخلت عالم السياسة من أوسع أبوابه؟ والى متى يبحث المواطن عن أجوبة لاسئلة كثيرة أخطرها .. هل سيبقى العراق وطنا موحدا بأرضه و شعبه أم البحث عن جنسية بديلة ضرورة استثنائية؟ كل هذه الأسئلة ستبقى بدون جواب طالما ظل احتلال العراق مناسبة وطنية يعلوها التراب من كل جانب، بعد أن حققت الأهداف الضيقة وعطلت بناء دولة المؤسسات المهنية لصاح دوائر مترهلة اسما و فعلا.

الشعوب تراجع تاريخها بين سنة و أخرى و مؤسسات الحكم تُعيد تقييم أدائها لتجاوز الأخطاء و تعميق الايجابيات الا نحن في العراق نتداول باسماء ذات السياسين و نناور بمواقعهم السيادية حفاظا على أرواحهم و ممتلكاتهم بما يكلف ميزانية الدولة مليارات الدولارات وكأن رحم العراق قد أٌزيل بعملية قيصرية، بينما الصحيح أنه تم ابتكار طريقة مخيفة لتبادل أدوار الحكم من خلال ابعاد ما يسمونهم أبناء الداخل عن التنافس على مؤسسات الدولة العراقية على اعتبار أن عراقيي الخارج عباقرة و مناضلين من الصف الأول لا يجوز التقرب من مقاماتهم، فيما يعرف الجميع أنه و بدون الاحتلال ما كان لأحد منهم أن يفكر بالعودة الى العراق ليس من باب الملاحقات فحسب بل لأنهم لا يمتلكون قاعدة شعبية، لذلك ابتكروا الطائفية و العرقية و كل وسائل التخندق خارج مصلحة الوطن وآهله بما افقد العراق القدرة على التنفس دون عوامل خارجية.

الاحتلال مناسبة بشعة بكل معنى الكلمة لأنه فككك الدولة العراقية وباعها بالتقسيط المريح جدا و أنضج نعرات كثيرة أفقدت الأخوة العراقية وقعها الوطني، مثلما حول أرض العراق الى ساحة مفتوحة للدمار و القتل المبرمج، فمنذ 12 عاما و نزيف الدم متواصل .. ملايين تم تهجيرها و أخرى فقدت المعيل و الأخ و ملايين ثالثة تتجاذبها ظروف اليتم القاتلة أما أصحاب العاهات و الأمراض المستعصية فتلك قصة أخرى، حيث لعبت أسلحة الدمار الشامل التي توزعت على خارطة العراق، نقول لعبت دورا خطيرا في تفشي كل أشكال الأمراض و التشويه الخلقي، بينما يبقى الباحثون عن أمل في عداد اليائسين من الحياة!!

وبالمناسبة فان فترة ما قبل الاحتلال لم تكن وردية و لاهي أرض خصبة للحريات وحقوق الانسان لكنها في المقابل حافظت على هيبة البلاد و العباد و المال العام، بدليل أن الشعب يحن الى الأمن لا التسلط والى هيبة مؤسسات الدولة لا عنجهية السلوك ، و السبب يعود الى كون الاحتلال الأمريكي مشروع خراب لا بناء، لذلك لم تبلغ المؤسسة الجديدة مرحلة الفطام لحد اليوم لأنها تحولت الى مشاريع حزبية وطائفية، بينما يستعين العقلاء بخبرات الأمس لادارة شؤون هذه الدائرة أو تلك فليس كل من عمل في مرحلة ما قبل الاحتلال مجرما أو رافضا لسلطة القانون، مثلما ليس كل من جاء بعد الاحتلال وطنيا في الولاء و القامة العالية، لذلك يحتاج العراق الى معالجة شاملة تفرق بين الايجابيات و السلبيات بعيدا عن حماية هذه السفارة أو تلك!!

أحدث المقالات