23 ديسمبر، 2024 2:08 م

الإنتخابات بين الجهل المفرط والتجهيل القسري

الإنتخابات بين الجهل المفرط والتجهيل القسري

الجهل هي احدى الصفات التي تتصف بها غالبية المجتمعات العربية، وذلك بسبب التخلف العلمي والسياسي والمجتمعي، فالإهتمام بالموضة, والمطاعم الفاخرة, التقنيات الحديثة, والسيارة الجديدة, والهاتف الذكي, والسفر الى الخارج من اجل النزهة, وإنفاق الأموال الطائلة من اجل تلك الامور الشكلية، جعل تلك المجتمعات تبتعد كثيراً عن الثقافة والعلم والتنمية، كما أسهمت في الابتعاد عن المعاناة الحقيقية للشعوب العربية المماثلة.

قبال ذلك هناك من يحاول تجهيلهم تجهيلاً قسرياً، من خلال إنشاء مؤسسات إعلامية رصينة، هدفها الأساسي زرع وترسيخ الأفكار المغلوطة والمجافية للحقيقة، التي يُرغبون ان ينموها ويرسخوها في عقولنا.

نأخذ العراق مثالاً على ذلك، ففي كل دورة إنتخابية جديدة تبدأ ادوات التجهيل, واْبواق الاعلام المأجور المسلط بإتجاه الشارع العراقي، بإصدار ذبذبات خفية ذات ترددات عالية، لها القابلية على اخترق عقول وأذهان المجتمع، فتجعلهم يرددون ما يرغب بترديده ذلك الاعلام من عبارات واهية اكل الدهر عليها وشرب، مبتعدةً ابتعاداً كبيراً عن الواقع الذي نعيشه.

ففي كل مرة عندما نتحدث عن الانتخابات تسمع صراخ الكثير; ما الفائدة منْهَا؟ وما الذي يمكننا تغيره؟ فأصوتنا لا تغير من الواقع شيء، فما زال السياسيين أنفسهم في كل دورة انتخابية جديدة، تتم اعادة تدويرهم.

فَلَو أجرينا احصائية للأحزاب الحاكمة في العراق، على مدى الأربعة عشر عام الماضية، وكم حزب في العراق بيده السلطة؟ أو كم حزب يعاد انتخابه في كل مرةً، سنجد هناك عدد محدد من اللذين يتم تدويرهم في كل دورة برلمانية، لا يتجاوزون الـ (30) حزب وحركة وتيار بالأسماء، لا يسع المكان لذكرها، ولو سألنا ما هو عدد السياسيين الذين جاءوا إلينا من الخارج؟ أو كما يطلق عليهم (جاء بهم الاحتلال) لمسك السلطة، أَيْن هم الْيَوْمَ؟ كم بقي منهم؟ وكم نسبتهم قبال غيرهم؟.

ان الذي يتابع الاحداث الجارية بدقة سيلاحظ هناك انحسار واضح لتلك الأحزاب، قياساً مع ما تم تسجيله من احزاب وتيارات سياسية جديدة، بعد إعلان المفوضية العليا للإنتخابات، بتسجيلها (٢٠٦) كيان سيخوضون الانتخابات البرلمانية للدورة الانتخابية الحالية، فعندما نطرح منهم عدد الاحزاب المشاركة في الدورات السابقة البالغ عددها (30)، سيبقى لدينا (176) من المجموع الكلي، ولو افترضنا إن نصفهم هم انشقوا من الأحزاب السابقة، سيُصبِح لدينا (88) حزب وحركة وتيار جديد، لأول مرة سيشارك في الانتخابات.

فشعار(جميع الاحزاب فاسدة) وشعار (بإسم الدين باكونا الحرامية) شعارات كاذبة ومغلوطة، حاول البعض ترسيخ مفهومها في اذهان الشارع العراقي، ليتم ابعاد الناخبين عن تلك الاحزاب برمتها، مع هذا فليس هناك نظرية تقول بالجمع أو الكل، فالقرآن الكريم ذاته لم يتحدث في اَي موضع عن الكلية، وإنما يشير دائما للجزئية، فتراه يصف الْحَسَن بالقليل, والسيء بالكثير ولم يكتب الدستور العراقي حسب الشريعة الاسلامية، ولم نشاهد القضاء يحكم بقطع اليد للسارق، ولم يكن رئيس مجلس الوزراء او رئيس الجمهورية يلبس العمامة والجبة، ولم ندخل في يوم من الايام لنجد صاحب العمامة هو المدير للدائرة الحكومية، مع هذا فقبال الشعارات السابقة هناك شعارات اخرى يحاول الاعلام الغربي الخفي ترسيخها ايضاً في اذهان الجمهور، وغدونا نسمع كل يوم (انتخاب الاحزاب العلمانية واللادينية افضل من الاحزاب الاسلامية)، وهذا الامر اخطر ما يروج له اليوم في الشارع العراقي.

فنرى الكثير من اللذين فشلوا في ان يكون لهم تمثيلاً في البرلمان والحكومة يتهمون الكل بالفساد والفشل، فَلَو كان لهم وجود و تأثير فعلي على المجتمع، لما رأيناهم يتحدثون بهذه الصيغة، صيغة الجمع والتعميم، فهناك من الاحزاب من شارك ولا يوجد لديه فَسَاد، ولعل بعضهم لديه فساد ولكن بنِسَب ضئيلة جداً، فليس هناك قوم جميعهم خيرين أو جميعهم سيئين، لا بد من وجود تباين ولو تباين طفيف.

خلاصة القول ان هناك اعلام موجه، يستغل الجهلاء ويستخدم التجهيل القسري لتمرير مشاريعه الفاسدة المدفوعة الثمن، فهؤلاء بجهلهم اصبحوا الأداة التي تحقق مشاريع ذلك الاعلام، حتى اخذوا يتطاولون على المرجعية الدينية، ويتهمونها بما ليس فيها، لكن هذا لا يعني اننا ندافع عن الاحزاب، فهناك عدد كبير ممن اتهموا بالفساد وسوء الادارة، وهناك عدد قليل من الصالحين اللذين لا حول ولا قوة لهم، وهناك من هم اقل فساداً من غيرهم، مع هذا فالكثير ممن مسكوا المواقع التنفيذية والتشريعية من العلمانيين اللادينيين، وجميعهم يرتدون لباس المدنيين (القاط والرباط)، وهم متهمون كغيرهم بالفساد والفشل، لكن هذا الامر لم يكن كافياً ليجعلنا نقاطع الانتخابات، ليعود هؤلاء وامثالهم لمسك السلطة من جديد، ونحن نمتلك اليوم قرار التغيير بأيديننا.