الدول منذ الأزل تفترس بعضها , والفرق أن الأساليب تطورت وأصبحت معاصرة , ولها آلياتها التي تبدو وكأنها ذات غايات سامية وتطلعات إنسانية عالية.
ومنها لعبة المديونية , والإقراض الذي لا ينتهي , وتبقى الدولة المُفترِسة تمتص رحيق الدولة المُفترَسة وتصيبها بفقر الحياة , وهي تثرى وتتقدم على حسابها , وما إرتكبت أي جريمة بحقها , فالدولة المنكوبة تسدد ديونها للدولة المتسيدة على مصيرها.
ويتم ذلك الإجرام بمهارة وأمان عندما تقوم الدولة المُفترِسة بتسليط أعوانها على الدولة المُستهدَفة , فتراهم يسنون القوانين , ويقدمون الأموال لها , ويحسبون ما يقومون به تسديدا للديون , وتأمينا لحقوق الدولة التي لا تعترف بحقوق المواطنين في الدولة المسلوبة الإرادة والسيادة.
وتبقى الدولة المحلوبة في عوز وحرمان من أبسط الحاجات الأساسية , ومن حقوق الإنسان , وعلى الدولة الآكلة لها أن توفر لها بعض ما تريد بأثمان باهضة , وبطاقات حلب غير مسبوقة , فمهما تنامت وارداتها من ثرواتها الطبيعية , فستذهب لتلك الدولة الميمونة , المؤزة بمن تدّعي معاداتهم , وتصارعها الإعلامي معهم.
إنها لعبة خبيثة معقدة ومتطورة ومملحة بالأدينة , التي تحولت إلى ماركة تجارية لتنمية قدرات شعب وإهلاك آخر , فما تكسبه الدولة المُفترِسة يكون على حساب ما تفقده الدولة المُفترَسة.
وهذه تفاعلات معاصرة للإفتراس الناعم , الذي تطور إلى ذروته في القرن الحادي والعشرين , ويتحقق التعبير عنه في بعض دول الأمة , التي يتناسب سوء أحوالها مع تزايد عائداتها من ثرواتها الطبيعية.
والعجيب في الأمر , أن أبناء بعض المجتمعات يميلون للتبعية والإنهزامية والخنوعية والخضوع لإرادة الآخرين , وإستلطاف الإستعباد والقهر.
فهل من قدرة على التحرر من أنياب ومخالب المفترسين؟!!