23 ديسمبر، 2024 4:21 ص

الإستعمار هو إحتلال دولة لغيرها وفرض سيادتها وسيطرتها عليها بالسلاح والقهر والقوة , وتخضعها لسلطانها السياسي والإقتصادي.
وقد عاشت البشرية عصورها السابقة تحت ويلات الإستعمار المباشر الذي يعني إحتلال دولة ما من قبل قوة أخرى والهيمنة على مقدراتها , ومضى الحال على هذه الشاكلة حتى قيام ثورة العشرين في العراق في الربع الأول من القرن العشرين ضد الإستعمار البريطاني , وبعد أن كبدته خسائر كبيرة وإستنزفته ماليا وعسكريا , تفتقت الأذهان عن آلية أخرى للإستعمار , فإنطلقت مفاهيم الحكم غير المباشر بعد مؤتمر المستعمرات في القاهرة برئاسة تشرتشل.
ولا يزال هذا المفهوم ساريا في العديد من الدول المقبوض على مصيرها , وأثناء ذلك برز الإستعمار الذكي , الذي يعني تجنيد أبناء المجتمعات المستهدفة لتتولى تنفيذ مشاريع المستعمر لوجودها , وقد إتخذ هذا الأسلوب المناهج العقائدية بأنواعها , وبدأ بعد الثورة الروسية ومحاولة نشر العقيدة الماركسية وتأسيس الأحزاب الشيوعية في الدول المستهدفة , لكنها لم تكن مجدية لإصطدامها بعقائد أخرى متنوعة ترى أنها تمتلك الحقيقة المطلقة لوحدها.
وتحققت إنتقالة نوعية في هذا الإستعمار الذكي عندما تبين أن العقائد الدينية يمكنها أن تؤسس لنجاحات كبرى وإنتصارات عظمى , فبدأت اللعبة في بدايات العقد الثالث من القرن العشرين ولا تزال على أشدها , خصوصا في المجتمعات التي يؤسس الدين مقام حياتها ويطغى على تفكيرها.
ومن الواضح أن هذه اللعبة قد نجحت في المجتمعات العربية , التي تم إختراقها بعنفوان وتأكيد دور المعتقد في مسيرتها المعاصرة التي تحقق إستثمار إفتراسي مروع فيها.
وأخذت الدول العالمية والإقليمية تنشر منطلقاتها الطائفية والمذهبية والتحزبية , وتتمادى في تحقيق أعلى درجات التناحر والتنافر ما بين أبناء الدين الواحد , حتى أصبح الناس شذرا مذرا , وتوالت عليهم النكبات التي يساهمون بصناعتها.
وتعيش المنطقة اليوم تداعيات وتفاعلات هذا الإستعمار النبيه , الذي تمكن من تحقيق أفظع النتائج بخسائر لا تذكر ولا قيمة لها بالقياس إلى الإستعمار المباشر.
ويبدو أن هذا الأسلوب قد قطع شوطا وترسخ وأصبح حالة مقبولة ومطلوبة , للتواصل بنهب الثروات وتدمير البلاد وسبي العباد بالعباد.
وحي على شر العمل , يا أمة أنكرت أن الدين المعاملة وحسن العمل!!