الفساد القائم من ضرورات البقاء في السلطة , فالفساد من مؤهلات الجلوس على الكرسي , لأنه يخدم المصالح الإقليمية والعالمية , أي أن الحكومة الفاسدة ضرورة حتمية وخيار لازم لكي تستفيد القوى الطامعة في البلاد.
وبمعنى آخر أن الحكومات المتعاقبة تقوم بدور ” خراع الخضرة” , أي وجودها شكلي مفرّغ من الإرادة والسيادة والحرية في إتخاذ القرار , وعليها تنفيذ الإملاءات والأجندات , وتغنم المقسوم ولا يعنيها أمر الوطن والمواطنين , فهدفها شخصي إستحواذي رغبوي.
وقد ألبسوها عباءة الدين , وإنطلقت تفاعلات ما يُسمى بالأحزاب الدينية , المعادية لأبسط معاني ومنطلقات الدين , وما هي إلا تحزبات طائفية عنصرية عدائية إرتكبت جرائم ضد الإنسانية بإسم الدين.
فالبلاد عاشت فساد الحكومات المتعاقبة التابعة للتي تأخذ وارداتها وتعطيها ما يرضي جشعها من الملايين , والإغراءات التي تورطها فيها وتمسكها من عنقها بها , فلا يوجد جالس على الكرسي غير متورط بفساد ومستحوذ على أموال وممتلكات , فالجميع متورطون , وبهذا فأنهم مذنبون , وسيستميتون للبقاء في مواضعهم , لكي لا تنكشف مفاسدهم وجرائمهم بحق الوطن والشعب والدين.
والمصيبة الكبرى في الموضوع أن المعممين وبمستويات متنوعة إلا ما ندر , هم أيضا قد تورطوا في لعبة الفساد , وتم إعماء بصائرهم ومصادرة دينهم بالإغداق عليهم , ما تساءلوا عمّا حرّمه ربهم , بل صاروا يجتهدون بالتبرير والتسويغ وإطلاق الفتاوى التي زعزعت أركان الدين وسحقت القيم والأخلاق.
وعندما تثور الجماهير ضد الفساد , فأنها تتحدى النظام القائم من أعلاه إلى أسفله , وهذا يعني أنها قضية حياة أو موت , فأما ترضى بما أنت عليه , أو أذيقك الموت والقهر الشديد إذا رفضتَ ما أنا عليه ولا يعنيني ما أنت عليه , فأنت غنيمتي والوطن كذلك , ولا يحق للغنيمة أن تشتكي من الغانم , أو تسأله عما يفعل بها.
ولهذا فأن الضحايا ستكون بالمئات وربما لن يتغير الحال إلى ما هو أفضل , لأن المواجهات حامية ومتوحشة من الطرف الماسك بالسلطة وفقا للأجندات الإقليمية والمصالح المتفَق عليها , وبموجب معادلات الإستحواذ على البلاد , وإفتراسها بما فيها ومَن عليها.
ويتحمل المسؤولية الأولى والكبرى في هذا الشأن ذوي العمائم المُتاجرة بالدين , والكراسي التي تنفذ أجندات الآخرين , ولا يمكن الخروج من هذا المستنقع الإتلافي المتعفن الفاسد , إلا بإحياء الروح الوطنية , وولادة حكومة ذات غيرة وعزة وكرامة وشعور بالمسؤولية الحضارية والتأريخية , وتسعى لخدمة الوطن والمواطنين.
وبغير الحكومة الوطنية الأصيلة الصادقة فلن تنفع التظاهرات , فالفاسدون يترعرعون في الفساد , ولا بد للفساد أن يدوم لكي يتحقق البقاء المتوارث في السلطة.
وتلك مصيبة شعب , أضاع معنى الوطن!!