23 ديسمبر، 2024 4:35 ص

فكرة جاء بها الإسلام فوجّهت الأنظار والطاقات والقدرات نحو صيرورة كبرى بعيدة عن قيد الآخرين , فالبشر يذعن لخالقه , وليس لمخلوق آخر من حوله , وهي ثورة إنسانية كبرى , نادت بتحرير العبيد وتخليصهم من قيود الإمتلاك لأسيادهم , فالإنسان حرّ بإرادته وخياراته وقراراته.
ولم تكن الإذعانية صيغة أخرى للقهر والإستعباد , فالخلق عليه أن يذعن لإرادة خالقه , وهم متساوون أمام عرشه , ويتميزون عن بعضهم بدرجة التقوى والإخلاص لبارئهم.
بهذا المفهوم الثوري أطلق الإسلام الطاقات الكامنة , ووجهها بإتجاه أهداف واضحة يحققها العمل الصادق والعزم السديد , الذي يعززه الإيمان بقدرات التوثب والإنجاز الأكيد.
هذه القوة الإذعانية حشّدت في الأعماق آليات وتفاعلات خلاقة, جعلت من المسلم إرادة متوهجة بالوعي والإدراك والإيمان , والإندفاع الفائق نحو غاياته النبيلة وتطلعاته السامية , التي جسدها في الدنيا , وعبّر عنها بصياغات وصيرورات عمرانية ومعرفية وعلمية غير مسبوقة.
فعاش المسلمون بإذعانهم الأعظم أنوارا ساطعة وشُهبا ثاقبة , وسِهاما ناشبة تجيد المروق في بدن الهدف المطلوب , فأمسكوا بأمرة الدنيا , وتفاعلوا مع الشمس والقمر والكواكب , والعوالم الأخرى بمفردات ما عندهم , وما تشرّب في مداركهم ومدارات عقولهم.
فالإذعان ثورة تفجرت في أعماق المسلمين , وأمدّتهم بالقوة والثقة والعزيمة وأهلتهم للقيادة , وحمل مشاعل التنوير واليقظة , التي طاردت الظلمات وفسحت الفضاء للأنوار الصافية المتهادية , المنسكبة من عيون الوجود المشعشعة البراقة اللامعة.
فالإذعان حرية وإستثمار أعظم بالإنسانية , وما أن تجاهل المسلمون معاني وجوهر الإذعان , وإنغمسوا بالتبعية والتصاغر والإذعان لغير الله , أصابهم الويل والضعف والهوان , وصاروا يركضون وراء سراب الآخرين ويقبعون في أحضانهم , فتكسر إذعانهم الخالص الطاهر , وتحطم عزمهم وتبددت إرادتهم , وإنطفأ نورهم , وراحوا يتخبطون في أروقة البطحاء , كأنهم الجهلاء بما فيهم وعندهم , وهم الممرغون بأوحال الذين يفترسونهم ويذلونهم , ويأخذون ثرواتهم ويقررون سوء مصيرهم.
فتبدل كل شيئ في أعماقهم , وصاروا كالعصف المأكول , فهل سيدركون بأن الإذعان لغير الله مذلة؟!