القليل من الكتاب والمؤرخين ، الذين كتبوا أو دَوَنوا تاريخ الأيزيدية أنصفهم ، على الأقل فيما يتعلق الأمر بالظلم والاضطهاد والفرمانات ( قرارات جينوسايد ) ، حيث تعرضوا لها من الآخرين ، الذين عادة وضعوا ويضعون هذا المكون المغلوب على أمره ( المكون الأيزيدي ) في خانة الكُفر والإلحاد ، ولا بُد َ من إذعانهم أو خضوعهم وترك دينهم ، ليلحقوا بركب دين الحق ، هكذا يتصورون التيارات المتشددة الإسلامية وربّما غير المتشددة أيضا ً ، نعم تاريخ الأيزيدية حافل ٌ بحملات القتل الجماعي ( الجينوسايد ) ، حتى بلغت بالأرقام ، لتأخذ الحملة الداعشية الأخيرة الفرمان رقم ( 74 ) ، تصوروا مكون ٌ يتعرض إلى مثل هذا العدد من الحملات العسكرية ، بحيث لم يتمكن وفي أحيانا ً كثيرة حتى الدفاع عن نفسه ، لذا كان الأيزيديون يخرجون من المعركة خاسرين ، لا بل الخاسر الأكبر من القتل الجماعي والاغتصاب وسبي نساءه قديما ً وحديثا ً وذلك لشدة هول الحملة عددا ً وعِدة ً ، والتاريخ الحقيقي لا المُزَيّف يشهد بذلك … بالطبع الباقين من كُل ِ حملة ٍ ، يعيدون التنظيم ، يأخذون مناطق أكثر أمانا ً منها في جبل شنكال وجبال أخرى في مناطق الشيخان ، لتجنب التعرض مرة أخرى إلى الاضطهاد ، حيث يدعون بأمرهم إلى الله في الأعالي ( سلاح المستضعفين) لأخذ حقهم ، وهذا لم يكن ضعفا ً وإنما نابعا ً من فلسفة أو ميثولوجيا الديانة الأيزيدية ، المدعوة دائما ً إلى التسامح والتعايش السلمي ، وعدم الانتقام من الآخر حتى لو كان هذا الآخر عدوا ً شرسا ً ومتطرّفا ً دينياً ، هذا ناهيك بأن الميثولوجيا هذه ، تدعو الخير إلى كُل الشعوب والمِلل على أرض المعمورة ، قبل أن تدعو إلى نفسه أي المكون الأيزيدي …. دما حصل في شنكال خلال ما يقارب العقد ونيف من الزمن فاقت كُل التصورات ، هنا نقصد حادثتين فقط ، تفجيرات سيبا شيخ خدر وكر عزير في 14 / 8 / 2007 ، والتي وُصِفَت ب ( هيروشيما العراق ) آنذاك وعلى لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ( جورج دبليو بوش ) ، راحت ضحيتها أكثر ثلاثمائة شهيد وما يقارب الألف جريح ، ناهيك عن حجم الدمار التي خلفتها في دارفور العراق ( شنكال ) ، هكذا وصفها الدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي حينذاك بعد الزيارة الميمونة والتي قام بها إلى مواقع الحدث … أما ما حصل لشنكال في 3 / آب / 2014 ، فحدِث ولا حَرَج من القتل الجماعي ، والتدمير ، والاغتصاب الجماعي ، والسبي الجماعي للنساء والبنات والبيع في أسواق النخاسة وفق مبادئ الفقه لدى القائمين على دولة الخرافة الإسلامية ( داعش ) ، تلك الحملة الداعشية على شنكال ، خلفت العشرات من المقابر الجماعية الموجودة فعلا ً ، ولو ( هنالك أيادي خفية من هنا وهناك ، وللأسف ربمّا من بني جلدتنا أيضا ً ، تحاول محوها لأسباب وغرض في نفس يعقوب ) ، كُل الآثار التي خَلَفَتها داعش توحي وتوصف بجينوسايد أو أكثر من جينوسايد على المكون الأيزيدي عامة ً وعلى أبناء شنكال خاصة ً ، هذا الاعتراف ، نادت به ، وتنادي بها أكثر من جهة أممية وأوربية في العديد من دول العالم ، في حين أهل الدار لا يعترفون لحد الآن بالقضية من الناحية الجينوسايدية ، لأن بصراحة ضمير الأسياد لا يقبل بذلك ، هذا ما بان على مستوى العشرات من الدول الاسلامية والآخرين ذات حُكم الدين الإسلامي ، والتي ترفض أصلا ً حتى إطلاق كلمة ( الكافر ) على الداعشي المجرم ، لا بل يتم وصفهم وحسب القول ب ( الخوارج ) الذين خرجوا عن الأئمة يوما ً ما ، وربّما الخوارج نفسهم كانوا أكثر ديمقراطيين من الأسياد الموجودين على رأس هذه الدول الإسلامية ، هذا ما يؤسف عليه كُل المكونات غير المسلمة الموجودة في العراق وسوريا أيضا ً ومن ضحايا داعش ومنهم المكون الأيزيدي الأكثر متضررا ً …
الكُل يعلم ، وبحكم جغرافية شنكال ، والظروف التي مَرّت بها ، بعد مجئ داعش ، وربّما قبلها ، أو بعدها ، لتصبح فعلا ً ساحة ً للصراع السياسي ( صراع المصالح ) ، حيث أصبح عمقا ً استراتيجيا ً لأكراد سوريا بعد الربيع العربي ، باعتبار شنكال على الحدود ، مما كانت ساحة ً وأرض خصبة بعد الفراغ الذي حصل بانسحاب البيشمه ركه ، نعم تم تمديد قواتها من حزب العمال الكوردستاني والجناحين العسكرين الرجالي والنسائي لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري …
يجب أن لا ننسى بأن عمليات تحرير مناطق شنكال من سُلطة داعش تأخرت كثيرا ً ، حيث تزامنت المرحلة الأخيرة مناطق شنكال الجنوبية مع معركة تحرير الموصل ، نتجت ذلك التأخير بعض الاتفاقات بين إقليم كوردستان والحكومة المركزية لتوزيع الأدوار حول مشاركة قوات البيشمه ركه في التحرير ، مما كانت مناطق جنوب قضاء شنكال ، وقعت تحت حصة مشاركة الجيش العراقي والحشد الشعبي في تحريرها ، لهذا السبب وربّما لأسباب أخرى من عدم الاهتمام من قبل الأحزاب الكوردستانية ، ولا سيما الحزب الديمقراطي الكوردستاني بحكم مناطق الأيزيدية خاضعة تحت إدارته وسُلطته ، نعم حصل نفور ٌ أيزيدي ولا سيما في مناطق شنكال بالتوجه والالتحاق بجهات أخرى ، سواءا ً كانت كوردية خارج الحدود ، أو حتى عربية شيعية ، بعد التعاطف والاهتمام الإعلامي من قبل الشيعة ، وهيئة الحشد الشعبي بالقضية الأيزيدية ، ومعاناتها مؤخرا ً بعد هجمة داعش ، التحقت مجاميع من الشباب الشنكالي بالحشد الشعبي لتشكيل نواة قوات عسكرية تحت إمرتها ، حيث شاركت القوة الأيزيدية الحشدية فعلا ً في تحرير مناطقها ، لا سيما القرية الضحية كوجو ، والتي ستصبح مركز جينوسايد الأيزيدية ، لتشهد القرية نفسها بعد التحرير زيارة السفيرة للنوايا الحسنة ( ناديه مراد ) قريتها الضحية رقم واحد في هجمات داعش على العراق …
خلاصة القول ، وبعد كُل الذي حصل ، وتشتت الأيزيدية من الناحية العسكرية بين قوات حزب العمال الكوردستاني ، الاتحاد الديمقراطي السوري ، تشكيلات عسكرية تابعة للحزبين الرئيسيين في إقليم كوردستان ، الديمقراطي ، الاتحاد الوطني ، ناهيك عن تشكيل أفواج من الحشد الشعبي الأيزيدي أيضا ً في المناطق الخاضعة لسلطة هيئة الحشد الشعبي … نعم بعد هذا التشتت ، نرى بين الحين والآخر تُشيع اتهامات للضحية ( المكون الأيزيدي بأكمله ) ومن قبل البعض من جلاديها ، تارة ً تم اتهام الأيزيدية بحرق وتدمير القرى العربية المحاذية لنشاط القوات العسكرية للعزيزين قاسم وحيدر ششو ، تارة ً أخرى ، يُقتل أحد أبناء عشيرة الكركرية في المناطق الحدودية ، ( مناطق التهريب والمافيات بأشكاله وأنواعه ) ، يتم اتهام جُل أبناء الأيزيدية ومن قبل أحد الذوات المحسوب على شيوخ الكركرية ، ليبيح دم الأيزيدية والضحية رقم واحد في العراق من جديد ، وها يَطُل علينا أحد أعضاء البرلمان العراقي والمحسوب على عشيرة البومتيويت ، حيث شارك الكثير من أبناء عشيرته وبأدلة ووثائق في قتل واغتصاب وسبي الأيزيدية ، لا بل يتلو يتلو السيد علي المتيوتي بيانا ً ، وبحضور الكثير من أعضاء اتحاد القوى المأسوفين على بعضهم ، حيث كانوا أصدقاء لنا يوما ً ما في الدورة البرلمانية الثانية ومن أبناء الموصل وغيرهم ، دون أن يتأكدوا من حصول ومشاركة أبناء الأيزيدية في اختطاف أو قتل مواطنين من مناطق البعاج … هنا بقي أن نقول ، ونؤكد للقاصي والداني في العراق و جُل الدول الإسلامية ، والذين يؤمنون بلغة السيف لحد الآن ، بأن يصلحوا أنفسهم ، وهذا الإصلاح لا يتم إلا بتصحيح المسار التربوي في المناهج الدراسية ، بدءا ً من الروضات والمدارس الابتدائية ، وصولا ً إلى الجامعات ، والتركيز على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، حيث في اعتقادنا بأن الإنسانية هي أساس كُل الأديان مع الخلاف في العادات والتقاليد لِكُل ِ دين ٍ ، ونقول بأن مبادئ الديانة الأيزيدية الموغلة في القِدَم والتي تعرضت إلى أشد أنواع الاضطهاد والقتل الجماعي و … و … لا يؤمنون أي الأيزيديون بعاصفة الانتقام مثل الآخرين ، وإنما يؤمنون بثقافة التسامح والتعايش مع الآخرين على أساس مبادئ الإنسانية السمحاء …