23 ديسمبر، 2024 3:31 ص

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج11

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج11

كانت الشعبة السياسية في وزارة الخارجية الاسرائيلية(= المخابرات الاسرائيلية قبل تأسيسها) تحاول الاستفادة من الامير بدرخان لاحداث انقلاب عن طريق زعماء الاقليات في سوريا، ويقصد بهم : الدروز والكرد والشركس، على أساس تخفيف الضغط عن اسرائيل، وجذب زعماء الدول العربية الاخرى الى عقد معاهدات سلام مع اسرائيل، وسبق للشعبة السياسية في وزارة الخارجية الاسرائيلية أن أرسلت الامير بدرخان الى عمان لاجراء محادثات مع الملك الاردني (عبدالله الاول بن الحسين)، ثم ارسلته الى العواصم الاخرى: بيروت ودمشق والقاهرة لنفس الغرض اعلاه.
وكان حسني البرازي(1895-1975م) وهو من أصولٍ كرديةٍ، قد أصبح رئيسا للحكومة السورية ووزيراً للداخلية عام 1942 م زمن رئاسة الشيخ تاج الدين الحسني للجمهورية السورية. وكان البرازي حسب الوثائق الاسرائيلية يسعى لاحداث انقلاب في دمشق مستغلاً علاقته مع الامير بدرخان وكبار رجال الدبلوماسية الاسرائيلية العاملين في مجال قضايا الشرق الاوسط وكان واثقاً من أن الاسرائيليين يحفظون له أفضالاً عديدة في الماضي القريب، ففي الثالث عشر من شهر فبراير/شباط عام1946م قال حسني البرازي للدكتور دوف يوسيف[(1899-1980م) وهو يهودي كندي هاجر الى فلسطين عام1918م وعمل في المحاماة، ثم أصبح أحد كبار مسؤولي الشعبة السياسية في الوكالة اليهودية قبل إنشاء اسرائيل، والذي شغل فيها منصب الحاكم العسكري للقدس خلال الحرب العربية الإسرائيلية 1948م، وتولى عضوية الكنيست والعديد من الحقائب الوزارية في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة]:” أنه قدم الكثير من التسهيلات، إبان شغله منصب رئيس الحكومة في سوريا، لليهود الراغبين في الفرار من بولندا عبر سوريا في طريقهم الى اسرائيل(= فلسطين). وإنه يحمل وجهة نظر إيجابية منذ ذلك الحين تجاه قدوم اليهود الى الشرق الاوسط”. ينظر صحيفة هارآتس (= الارض) في 24/11/2014م.
ويكشف الدكتور دوف يوسيف في التقرير الذي أرسله الى الوكالة اليهودية في شهر فبراير/ شباط عام1945م أن السوري (حسني البرازي) الذي زار اسرائيل عدة مرات قد أبدى حماساً بالغاً وهو يتحدث عن إلإنجازات الاسرائيلية في المجال الاقتصادي والبناء والمجتمع، كما تحدث بأسف بالغ عن التخلف الذي تشهده بلاده سوريا والدول العربية بصورة خاصة.
ويستطرد التقرير أنه في أوج الحرب العربية – الاسرائيلية عام1948م، فكر حسني البرازي في الاطاحة بالرئيس السوري شكري القوتلي(1891-1967م) ورئيس حكومته جميل مردم بك(1895-1960م)، واحتلال مركز السلطة في دمشق، جاء ذلك في خلال حواراته مع الامير كاميران بدرخان، وطالب بأن يقوم الاسرائيليون بدورهم في هذه العملية؛ من خلال إثارة التوتر على الحدود السورية لجذب الجيش السوري نحو الحدود بعيداً عن دمشق، وبالتالي اتاحة الفرصة للبرازي لدخول الى دمشق بكتيبة دبابات والاستيلاء على السلطة بسهولة ، ووعد البرازي بدرخان، أنه إذا ما نجحت الفكرة، وتمكن من الوصول الى رئاسة الحكومة، فإنه سيعمل على التوصل الى اتفاقية سلام مع اسرائيل، وترسيم الحدود الدولية
وطلب من الامير بدرخان نقل ذلك للاسرائيليين، وقال: إنه شركاؤه في الانقلاب سيأتون من أوساط الاقليات التي تتطلع الى الحكم الذاتي في سوريا، مثل الاكراد والدروز والشركس. ينظر: شلومو نكديمون، الموساد في العراق، ص37-38.
وقد طرح الامير بدرخان عرض البرازي على إلياهو ساسون (مسؤول الشعبة السياسية في وزارة الخارجية الاسرائيلية ويهوشع فيلمان موظف الشعبة، والتي كانت تعمل كجهاز مخابرات قبل تأسيس الموساد)، وقد طلب الاثنان مهلة للتفكير، ثم عادا وقالا لبدرخان، أن اسرائيل لن تساعد في احداث انقلاب في سوريا.
يبدو أن إرباكاً قد حصل بين مسؤولي الشعبة السياسية في وزارة الخارجية الاسرائيلية حول فكرة الامير بدرخان بشأن الانقلاب في سوريا؛ يبدو ذلك جلياً في الرسالة التي أرسلها ساسون الى يعقوب شمعوني( يهودي ألماني ولد في برلين عام1915م، هاجر الى فلسطين عام1935م، وأصبح سكرتير القسم العربي في الوكالة اليهودية في 1942 – 1946م- ومدير قسم آسيا في وزارة الخارجية الاسرائيلية في سنوات 1949-1952م) في الثالث من شهر ايلول/سبتمبر1948م، جاء فيها:” انني أشعر بالاسف البالغ لأن قضيته… [الانقلاب في سوريا وفق تصور البرازي وبدرخان] قد انتهت دون أي شىء يذكر، وإنني أعتقد أن جدعون روفائيل[(1913-1999م) – محامي يهودي الماني أحد مسؤولي المخابرات في الوكالة اليهودية، وعضو وفدها في الامم المتحدة عام1947م، والسفير الاسرائيلي فيها فيما بعد]، هو السبب في الفشل، نظراً لأنه لم يتعامل مع العرض بجدية وعرضها عليه بصورة متأخرة جداً. كما أنه لم يتعرف على الرجل (بدرخان – أو البرازي) ولا طبيعة علاقاته في لبنان وسوريا”. ينظر: نكديمون، الموساد في العراق، ص38-39.
يبدو أن جدلاً كبيراً قد استمر بين المؤيدين للانقلاب في سوريا : إلياهو ساسون، ويعقوب شمعوني ويهودا أرزي(1907-1950م)، وبين المعارضين في وزارة الخارجية الاسرائيلية: يعقوب جدعون، وموشيه شريت وزير الخارجية نفسه، الذي كان سياسياً محنكاً وكثير الشكوك، وينقل عنه عيزرا دانين [(1903-:1984م)، مرافق غولدا مائير ممثلة الوكالة اليهودية، في لقاءاتها مع عبد الله الأول ملك شرق الأردن، في الأشهر التي سبقت إنشاء دولة إسرائيل. وقد شارك مع إلياهو ساسون في الاجتماع الذي عقد في 11 مايو/ أيار عام1948م، أي قبل ثلاثة أيام من إعلان استقلال إسرائيل، صحب دانين غولدا مائير إلى عمان، محاولاً إقناع الملك عبد الله الاول بعدم الانضمام إلى الحرب العربية الإسرائيلية القادمة في عام 1948م، ثم عمل دانين كمدير إدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية في عهد غولدا مائير(1969-1974م]، بأن الجدل لا زال مستمراً في دهاليز السياسة الاسرائيلية حول احداث انقلاب في سوريا بتمويل اسرائيلي على أساس أن الجهات الانقلابية ستحتاج الى المساعدة والتأييد الاسرائيلي؛ وبالتالي ستعترف باسرائيل وتتعاون معها، وكانت هذه الافكار والافتراضات قد وضعت على طاولة وزير الخارجية الاسرائيلي موشيه شاريت، بالاضافة الى الميزانية المطلوبة لذلك، جس النبض المبدئي يحتاج الى عشرة آلف ليرة فلسطينية، ومائة الف ليرة ثمناً للاختبار الاول، وخمسمائة الف ليرة لعملية التنفيذ نفسها. لم يصدق شريت أن بالامكان منح مال لجهات أجنبية مقابل السياسة… كما أن خطوة كهذه يجب أن تأتي من سوريا نفسها، أضف الى ذلك أن كان يعتقد أنه من غير الممكن تخصيص حتى مبالغ أصغر مما ذكر لجس النبض والاختبارات الاولية”.
ويقول جدعون روفائيل الذي اتهم بكونه السبب في الفشل(= عدم دعم الانقلاب في سوريا)، بعد سبع واربعين عاماً من الاحداث(=1995م):” لم تكن لي أية علاقة عام1948 مع القضايا الشرق أوسطية، ولست أدري ما الذي قصده ساسون عندما أشار الى اسمي في رسالته. وكل ما أذكره هو أن ساسون، كان لا يكف عن طرح فكرة احداث انقلاب في دول عربية معينة، لقد انخرطت في العمل في الشرق الاوسط عام1935م عندما طلب مني ترؤس شعبة الشرق الاوسط في وزارة الخارجية، وعندما اتصول بي بهذا الصدد، أعربت عن معارضتي التامة لهذه التوجهات المغامرة، لقد أكدت المرة تلو الاخرى، إننا لسنا مقاولي انقلابات”. المرجع نفسه، ص39.
يبدو أن اقتراحات الامير الكردي بدرخان المستقاة من أفكار صنوه (حسني البرازي) كانت تلاقي صدىً إيجابياً من لدن الدكتور يعقوب شمعوني‘ ففي رسالته الى إلياهو ساسون رئيس القسم السياسي في وزارة الخارجية الاسرائيلية في الثالث والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر عام1948م وصفت العملية:” عملية نشطة ممكنة في سوريا بشأن مقترحات الدكتور بدرخان”. وقد تم ارفاق تقرير مفصل كان الامير بدرخان قد أرسله، وكما يبدو أنه قرىء في وزارة الخارجية، ولم يتم الاحتفاظ به في ملفات الوزارة العلنية.
وأضاف شمعوني في رسالته لساسون:” كان تقرير بدرخان مخيباً للامال جداً، وقد سبق لدانين، أن ذكر المسائل التي يتطرق إليها هو، وتقرير بدرخان لم يشر الى امكتنية اختراق أو تفهم عميق للوضع، ولربما كان السبب في ذلك الى أنه غير معتاد على تسجيل وارسال تقاريره بالصورة المقبولة لدينا. ولربما ان بالامكان استخلاص قضايا أهم، وأكثر وضوحاً إذا ما تم استجوابه والجلوس معه مطولاً، وإذا ما تمكنت أنت ( = ساسون) و[يهودا] أرزي من استخلاص أشياء، أرجو أن تسجلوا ما تستخلصونه وترسلوه إلينا”. ينظر: نكديمون، الموساد في العراق، ص41.
وفي السياق نفسه يذكر يوفال نئيمان[(1925-2006م)- شارك في الحرب العربية – اليهودية عام1948م، وهو عالم فيزيائي ترأس جامعة تل أبيب (1971-1975م)، وعضو في الكنيست ووزير العلوم والتكنولوجيا ثم وزير الطاقة]،أنه التقى مع الامير بدرخان في باريس خلال الفترة الواقعة بين تشرين الاول/اكتوبر عام1956م وكانون الثاني/ يناير1957م، حيث قال بدرخان بالحرف الواحد:” لقد خسرت اسرائيل”. وكان يوفال نئمان يعمل في تلك الآونة نائباً لرئيس شعبة الاستخبارات برتبة عقيد، وكان مكلفاً بالتنسيق بين أجنحة الاستخبارات الاسرائيلية والفرنسية كمقدمة للقيام بشن العدوان الثلاثي على مصر عام1956م التي خرجت الى حيز التنفيذ قبل وقت قصير من ذلك اللقاء.
يعتقد الباحث أن الاشكالية هنا أن الامير بدرخان قبل سفره من لبنان الى فرنسا كان قريباً منهم، ولكنه الآن بعيد بعض الشىء، فالتقارير التي كان يرسلها من منفاه في باريس قد لا تلتقي مع طروحاتهم التي تريد جص نبض كل شىء، والامير ليس جاسوساً اسرائيلياً بالمعنى المتعارف عليه لقاء منافع شخصية بحتة، بقدر ما كان يحاول بشتى السبل فسح المجال أمام القوميات والاقليات العرقية في سوريا لنيل حقوقها، وخصوصاً قوميته الكُردية التي كانت بأمس الحاجة في تلك الحقبة الى نيل حقوقها السياسية والثقافية.