22 ديسمبر، 2024 10:04 م

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج18

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج18

وفي السادس والعشرين من شهر حزيران/ يونيو عام1963م تسلم ليفي اشكول(1895-1969م) رئاسة الحكومة الاسرائيلية مع وزارة الدفاع من سلفه ديفيد بن غوريون، وسارع رئيس جهاز الموساد الجديد مائير عاميت لاطلاعه على ماهية العلاقة مع الكرد، حيث كانت اسرائيل تعتقد أن هناك ضرورة لتواصل العلاقة مع ايران، بيد أن القضية الكردية أيضاً كانت على جدول الاعمال، وقد أقنع رئيس الموساد رئيس الحكومة الاسرائيلية، بأن يسمح لهم بالعمل مع الكرد، لأن العمل مع الكرد ودعمهم هو في صالح الايرانيين أيضاً، لأن البعثيون والقوميون كانوا في تلك الحقبة هم المسيطرون على الحكم في العراق بعد زوال نظام الزعيم عبدالكريم قاسم، وأن شاه ايران استبد به الخلق والخوف، سيما بعد توطيد العلاقات بين الرئيسين عبدالناصر وعبدالسلام عارف، وقيام الجيش العراقي بشن أكبر هجوم على كردستان بقصد القضاء على الحركة الكردية في 10 حزيران عام1963م. ينظر: مسعود البارزاني، البارزاني والحركة التحررية الكردية، اربيل، ج3، 96-97.
وفي تلك الآونة صرح وزير الخارجية العراقي طالب شبيب (1934-1997م) أن منح الكرد حكماً ذاتياً غير وارد في الحسبان، وفي المقابلة الصحفية التي منحها للصحفي الفرنسي اليهودي إريك رولو ونشرها في صحيفة اللوموند الفرنسية في السابع من أيار/ مايس 1963، ونشرتها صحيفة هآرتس (= الارض) الاسرائيلية أيضاً، الصق شبيب بالزعيم الكردي البارزاني لقب (المجرم)، وقال لن نحتاج الى وقت طويل، حتى نحطم هذا التمرد الى الأبد. الموساد في العراق، ص101، لم يتأثر البارزاني بهذه الاقوال البعيدة عن المنطق والعقل، لأنه يدافع عن قضية عادلة ويطالب بمنح الحقوق السياسية والثقافية لأبناء شعبه في ظل عراق موحد.
ومن جانب آخر فإن الامير الكردي كاميران بدرخان لم يعرف شيئاً عن فحوى لقاء ابراهيم احمد سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي الذي عقده مع (مناحيم نافوت) ممثل الموساد الاسرائيلي في فرنسا (= نائب رئيس الموساد فيما بعد). وفيما بعد اصطحب الامير بدرخان ضيفه ابراهيم أحمد الى مقهى الليدو في شارع الشانزيليزيه بباريس، وتظاهر بفتح حديث عفوي مع رجل يجلس الى طاولة مجاورة، وتبين لاحقاً أنه نائب شيوعي في البرلمان الاسرائيلي. وفي النهاية عاد أحمد ابراهيم الى كردستان العراق حاملاً عشرين الف دولار تلقاها من الاسرائيليين ووعداً بمنحه بعض المساعدات. وبعد شهر واحد من عودته، وصلت الشحنة الاولى من الاسلحة الاسرائيلية، وكان البارزاني مسروراً بها، ولكن خاب أمله بسبب ضآلة المبلغ الذي قدمه لهم الاسرائيليون. وأعرب ابراهيم أحمد عن استيائه من موافقة البارزاني على وقف اطلاق النار مع الحكومة العراقية(= عهد الرئيس عبدالسلام عارف)، وفقاً لشروط يعتبرها المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني غير ملائمة، فرد عليه ملا مصطفى البارزاني قائلاً:” إنه لم يكن يستطيع مواصلة القتال بسبب عدم توفر الاموال اللازمة”.
يبدو من خلال هذه المعطيات أن لاسرائيل مصادر أخرى للتزود بالمعلومات عن الكرد، وطرق إجراء الاتصالات – غير طريق الامير كاميران بدرخان – وهذا ما أزعجه الى حدٍ كبير، فهو من أقدم العناصر التي كان لها علاقات مع الوكالة اليهودية ترجع الى بداية أربعينيات القرن العشرين، بدليل أن بن غوريون أول رئيس وزراء اسرائيلي يعترف في مذكراته أن الامير الكردي قد زار أرض اسرائيل (= فلسطين) عام1941م. ينظر: الموساد في العراق، المرجع سابق، ص97.
وعلى صعيد آخر يذكر السياسي الكردي المخضرم محمود عثمان (= عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني سابقاً، وعضو البرلمان العراقي سابقاً) في لقائه مع جريدة الحياة اللندنية ” أن العلاقات مع اسرائيل بدأت منذ مطلع العقد الستيني عن طريق (كاميران بدرخان) أولاً، وآخرين مثل (عصمت شريف فانلي) وصحافيين أجانب ثانياً، واستطيع القول والكلام لمحمود عثمان:” ان العلاقة بدأت تعطي ثمارها العام 1963م فعلياً على الأرض، وقبل ذلك التاريخ، أي منذ بداية الحركة الكردية المسلحة، كانت لدينا علاقات كردية – ايرانية، وكان للايرانيين دور في المساعدة والتشجيع والتمهيد لاقامة العلاقات مع اسرائيل. وكان هدف ايران في عهد الشاه استغلال الحركة الكردية الى أقصى درجة ممكنة. وكانت طهران المركز التي تُدار منه العلاقة مع اسرائيل فالقادم الينا يأتي عن طريق طهران والذاهب منا يذهب بواسطة الطريق نفسه”. ويضيف بأن حينما بدأت العلاقات الرسمية بين اسرائيل والحركة الكردية، كانت قنوات الاتصال الرئيسية باسرائيل هي: اسرائيل، كردستان، طهران. والأخيرة هي الجسر والأساس. ولكن قبل أن تبدأ العلاقات الرسمية والمباشرة كانت لدينا قناة باريس وهي أكثر العواصم التي حصلت فيها اتصالات سرية، وكان المرحوم كامران بدرخان يعيش هناك ولديه اتصالات باسرائيل منذ الأربعينات، ولكننا كأكراد لم تكن لدينا علاقات ببدرخان في تلك الفترة”. ينظر: لقاء محمود عثمان مع صحيفة الحياة اللندنية.
أما السيد مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني فيذكر ما يلي:” فعندما قامت ثورة ايلول في كردستان في الحادي عشر منه،1961، لم تكن اسرائيل غافلة عن قيمتها الستراتيجية بالنسبة اليهم ووجدوا فيها فر صة قلّما يجود الزمان بها فبادروا يتصلون بقيادة الثورة وعرضوا معاونة محدودة. كان من مصلحة إسرائيل إشغال الجيش العراقي أو معظمه وإبقاؤه مسمّراً في قتالٍ مع الكرد، للحيلولة دون إرساله الى خطوط المواجهة في حالة حرب مع الدول العربية. وقد لوحظ خلال ذلك أن العراق لم يقم بأي عمل عسكري جدي في الجبهة ضد إسرائيل رغم وقوع تلك الاشتباكات في فترات إيقاف القتال في كردستان”. ينظر: مسعود البارزاني، البارزاني والحركة التحررية الكردية، أربيل،2002م، ج3، ص 379-380.
ويستطرد السيد مسعود البارزاني بالقول:” … بأن قرار إقامة العلاقة مع اسرائيل كان قراراً لقيادة الثورة، وأولى إتصالات اسرائيل جرت بالمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في حزيران 1963م بلقاء سري بين السيدين جلال الطالباني وشمعون بيريز( 1923-2016م) بتوسط الامير كاميران بدرخان؛ وعلى إثر هذا اللقاء سافرالى اسرائيل وفد برئاسة ابراهيم احمد (1914-2000م) وعضوية عمر مصطفى دبابة، وعزيزشمزيني [= عزيزبن عبدالله بن عبدالقادر بن الشيخ عبيدالله النهري ( 1918-1999م)] عن طريق ايران، التي فتحت الطريق أمام مساعدات محدودة من اسرائيل الى الثورة (=الكردية) عبر أراضيها”. ينظر: البارزاني والحركة التحررية الكردية، ج3، ص 380.
وبعد الانشقاق الذي حصل في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة ابراهيم احمد وجلال الطالباني عن قيادة الملا مصطفى البارزاني عام 1964م، يضيف السيد مسعود البارزاني بقوله:” ثم وبعد هروب ابراهيم أحمد ورهطه الى ايران، ثم الى بغداد، عاودت اسرائيل الاتصال بقيادة الثورة، وفي شهر ايار(=1965م) وصل الى كردستان ديفيد كمحي [(1928-2010م) نائب رئيس الموساد، ومديرعام وزارة الخارجية عام1980] ممثلاً للحكومة الاسرائيلية، وبدأ ينسق مع الثورة، فبدأت تصل مساعدات عسكرية وفنية ولكن بشكل محدود، كان بوسعهم أن يزيدوا فيها كثيراً ولكنهم لم يفعلوا، وتقصدوا أن تبقى بنطاق ضيق بغية إدامة القتال في كردستان بدون حسم، وليبقى الجيش العراقي مُسَمراً في جبال كردستان بعيداً عن ساحات القتال في فلسطين. كان هذا قصدهم وهو عين قصد الشاه”. ينظر: البارزاني والحركة التحررية الكردية، أربيل،2002م، ج3، ص380.
أما بخصوص موقف جلال الطالباني، فقد ذكر:” … راج في تلك الفترة بأن الملا مصطفى زار إسرائيل، فما كان موقفكم أنتم و الحكومة العراقية؟ حين عدنا الى بغداد تلقينا خبرا سيئا جدا من طهران مفاده أن الملا مصطفى ذهب الى إسرائيل وأخذ معه كلا من الدكتور محمود عثمان وشمس الدين المفتي، وشاع حينذاك بأنه بعد هزيمة العرب (= في حرب حزيران عام1967م) أخذ الإسرائيليون الملا مصطفى الى سيناء ليعاين مواقع القتال الذي دار هناك، و وردنا خبر بأن الملا مصطفى أرسل ببرقية تأييد لإسرائيل، وفي الحقيقة لم يكشف مضمون البرقية الى عام 1969م، ففي تلك السنة ظهر كتاب بعنوان (أسوار إسرائيل) الذي كتبه موشي دايان ( 1915-1981م) رئيس أركان الحرب الإسرائيلية آنذاك أشار في مقدمته :” إنتصرنا على العرب في حرب عام 1967 وتلقينا برقية تهنئة بالنصر من الملا مصطفى البارزاني”. ينظر: خريف العمر – مذكرات جلال الطالباني، صحيفة الصباح الجديد، الحلقة 30، اعداد صلاح رشيد، ترجمة: شيرزاد شيخاني.
ويستطرد السيد الطالباني بالقول:”هذه العلاقة المتينة بين الملا مصطفى وكل من إسرائيل و إيران كانت سبباً رئيساً لكي نمقت البارزاني ونكرهه، وإعتبرنا حركته ليست ثورة، بل مجرد حركة رجعية تابعة لإسرائيل. ينظر: مذكرات جلال الطالباني، المرجع السابق.
أما السياسي الكردي محمود عثمان، فيقول: ” ومما تجدر الاشارة إليه أن علاقة الثورة الكرديَّة مع إسرائيل، لم تكن علاقة شخصيَّة. وإنما كانت علاقة حركة بأكملها بإسرائيل. فالمكتب السياسي هو الذي تحمَّل مسؤوليَّة تلك العلاقة”، ويضيف السيد محمود عثمان بالقول:” أما أكثر قادة الثورة تحمساً لها كان الملا مصطفى البارزاني لاقامة العلاقة مع اسرائيل، لأنه يتصور أن اسرائيل هي التي ستوصله الى الولايات المتحدة. ينظر: مجلة الوسط اللبنانية، العدد 298 في 12/10/1997م.
وكان الامير كاميران بدرخان قد سعى في حزيران/ يونيوعام1963م الى تنظيم لقاء يجمع ما بين جلال الطالباني الممثل الشخصي للملا مصطفى البارزاني، الذي كان يقوم بزيارة الى باريس، وشمعون بيريس وكيل وزارة الدفاع الاسرائيلية آنذاك، وكان يقوم هو الآخر بزيارة الى العاصمة الفرنسية، وعن ذلك يقول الطالباني:” في باريس التقيت الدكتور كاميران بدرخان، وأخبرني في أحد الايام أن وكيل وزير الدفاع الاسرائيلي شمعون بيريس يرغب في لقائي، قلت أمهلني بعض الوقت من أجل الاستشارة، وفي الوقت نفسه زارني طه محي الدين معروف نائب رئيس الجمهورية العراقية الاسبق في عهد صدام حسين، وكان مفصولاً من عمله كمستشار أول في السفارة العراقية في لندن، وأخبرني أن الملك حسين موجود ويرغب في لقائك، وكان جوابي أمهلني قليلاً للاستشارة. وفي الحالتين استشرت السوفييت إذ كنت على صلة يومية معهم، وقد حذروني من لقاء المسؤول الاسرائيلي، لكنهم قالوا من المفيد أن تلتقي الملك حسين طبعاً، اعتذرت بلباقة للدكتور كامران بدرخان، وقلت إنني استلمت أمراً من الداخل يقول إنني غير مخول، واختصاصي يتحدد بتطوير العلاقة مع عبدالناصر والتيار العربي، لكنني التقيت الملك حسين في فندق كريون وكان معه أحد أفراد العائلة المالكة أعتقد أنه زيد بن شاكر، برفقة طه محي الدين معروف، وبعد الترحيب بنا طلبت منه المساعدة، ولخص جوابه بأن امكانيات الاردن محدودة ولا أستطيع التعاقد معكم، لكنني أستطيع التحدث مع صديقي شاه إيران في هذا الموضوع وأحاول اقناعه بمساعدتكم”. ينظر: مجلة الوسط اللبنانية، العدد 358 في 7/12/1998م.